التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3164 [ ص: 314 ] 5 - باب: ذكر إدريس - عليه السلام -: وقول الله تعالى: ورفعناه مكانا عليا [مريم: 57]

3342 - قال عبدان: أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن الزهري ح.

حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عنبسة، حدثنا يونس، عن ابن شهاب قال: قال أنس: كان أبو ذر - رضي الله عنه - يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل، ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري، ثم أطبقه ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء، فلما جاء إلى السماء الدنيا، قال جبريل لخازن السماء: افتح. قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل. قال: معك أحد؟ قال: معي محمد. قال: أرسل إليه؟ قال: نعم، فافتح. فلما علونا السماء إذا رجل عن يمينه أسودة، وعن يساره أسودة، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح. قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه، وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، ثم عرج بي جبريل، حتى أتى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح. فقال له خازنها مثل ما قال الأول، ففتح". قال أنس: فذكر أنه وجد في السموات إدريس، وموسى، وعيسى، وإبراهيم، ولم يثبت لي كيف منازلهم، غير أنه قد ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السادسة. وقال أنس: فلما مر جبريل بإدريس. قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح. فقلت: من هذا؟ قال: هذا إدريس، ثم مررت بموسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح. قلت: من هذا؟ قال: هذا موسى. ثم مررت بعيسى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح. قلت: من هذا؟ قال: عيسى. ثم مررت بإبراهيم، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح. قلت: من هذا؟ قال:

[ ص: 315 ] هذا إبراهيم.
قال: وأخبرني ابن حزم، أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع صريف الأقلام". قال ابن حزم وأنس بن مالك - رضي الله عنهما -: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ففرض الله علي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى أمر بموسى، فقال موسى: ما الذي فرض على أمتك؟ قلت: فرض عليهم خمسين صلاة. قال: فراجع ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك. فرجعت فراجعت ربي فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فذكر مثله، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، فأخبرته فقال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فرجعت فراجعت ربي فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لدى. فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك. فقلت قد استحييت من ربي، ثم انطلق حتى أتى السدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم أدخلت [الجنة] فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك". [انظر: 349 - مسلم: 163 - فتح: 6 \ 374]


ثم ساق حديث ابن شهاب قال: قال أنس - رضي الله عنه -: كان أبو ذر - رضي الله عنه - يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل، ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم".. الحديث بطوله، هذا الحديث سلف في كتاب الصلاة واضحا، وسلف الكلام على الإسراء قريبا، وذكر هنا أن إبراهيم في السادسة، وسلف قبل هذا أنه في السابعة من حديث أنس عن مالك بن صعصعة.

وقوله: "ثم مررت بموسى ثم بعيسى" المشهور أن عيسى في الثانية وكذا يحيى كما سلف في الحديث المشار إليه وقد سلف تفسير ورفعناه مكانا عليا وروى ابن وهب أنه كان يعمل مثل عمل جميع [ ص: 316 ] (أهل) الأرض يعني يومئذ، وقد أسلفنا الكلام على إدريس في كتاب الصلاة.

قال وهب فيما حكاه ابن قتيبة: كان طوالا، ضخم البطن والصدر، قليل شعر الجسد، كثير شعر الرأس، وكانت إحدى أذنيه أكبر من الأخرى، وكانت في جسده نكتة بيضاء من غير برص، وكان رقيق الصوت والمنطق، قريب الخطو، واستجاب له (ألفا) إنسان ممن كان يدعوهم فلما رفعه الله اختلفوا بعده، وأحدثوا الأحداث، ورفع وهو ابن ثلاثمائة سنة وخمس وستين سنة.

وقد أسلفنا هذا أيضا هناك.

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - فيما حكاه الطبري في "تاريخه": كان بينه وبين نوح ألف سنة.

وخط بالقلم بعد آدم وتنبأ وقد مضى من عمر آدم ستمائة سنة واثنتان وعشرون سنة، وأنزلت عليه ثلاثون صحيفة.

وهو أول من سبى من ولد قابيل واسترق منهم، ودعا خنوخ قومه وأمرهم بطاعة الله فلم يقبلوا منه.

وحديث أبي ذر مرفوعا: "أربعة من المرسلين سريانيون: آدم وشيث وخنوخ وهو أول من خط بالقلم" وسلف هناك.

[ ص: 317 ] وروى ابن أبي شيبة عن عكرمة قال: سألت كعبا عن رفع إدريس فقال: كان عبدا تقيا يرفع له من العمل الصالح ما يرفع لأهل الأرض في زمانه، فعجب الملك الذي كان يصعد بعمله، فقال: رب ائذن لي أزوره، فلما جاءه قال: يا إدريس أبشر فإنه يرفع لك من العمل الصالح ما يرفع لأهل الأرض، فسأله أن يشفع له عند ملك الموت في تأخير أجله ليزداد عبادة، فقال الملك: إن الله لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها، قال: قد علمت ولكنه أطيب لنفسي، فصعد به الملك وسأل ملك الموت في أمره، فنظر في كتاب معه فقال: والله ما بقي من أجل إدريس شيء، فمات مكانه وهو في السماء الرابعة.

ولا يلزم من هذا كون غيره أرفع مكانا منه; لأنه لم يذكر أنه أعلى من كل أحد. وادعى بعضهم أنه لم يرفع إلى السماء من هو حي غيره وينتقض بعيسى.

التالي السابق


الخدمات العلمية