التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3170 3348 - حدثني إسحاق بن نصر، حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، حدثنا أبو صالح، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول الله تعالى: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك. فيقول: أخرج بعث النار. قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فعنده يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد " . قالوا: يا رسول الله، وأينا ذلك الواحد؟ قال: "أبشروا فإن منكم رجل، ومن يأجوج ومأجوج ألف". ثم قال: "والذي نفسي بيده، إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" فكبرنا. فقال: "أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة". فكبرنا. فقال: "أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة". فكبرنا. فقال: "ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود ". [4741، 6530، 7483 - مسلم: 222 - فتح: 6 \ 382]


الشرح:

اختلف في ذي القرنين لم سمي بذلك؟

[ ص: 334 ] فقال علي: لما دعا قومه ضربوه على قرنه الأيمن فمات ثم بعث ثم دعاهم فضربوه على الأيسر فمات ثم بعث، وفيكم مثله.

نرى أنه عنى نفسه وذلك أنه ضرب على رأسه يوم الخندق ثم ابن ملجم.

وقيل: لأنه بلغ قطري الأرض المشرق والمغرب. وقيل: ملكهما. وقيل: لأنه ملك فارس والروم. وقيل: كان ذا ضفيرتين من شعر، والعرب تسمي الخصلة من الشعر قرنا. وقيل: كان له ذؤابتان. وقال ابن وهب: كان له قرنان صغيران تواريهما العمامة. وقيل: كان لتاجه قرنان.

واختلف فيه هل كان عبدا أو ملكا أو نبيا على أقوال:

أحدها: وهو قول علي: كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه ونصح الله فنصحه، ضرب على قرنه الأيمن، وذكر ما سلف، ذكره ابن مردويه من حديث عبيد الله بن موسى بن بسام الصيرفي عن أبي الطفيل قال: سأل ابن الكواء عليا، فذكره، وذكره أيضا من حديث علي مرفوعا: "هو عبد ناصح الله فنصحه".

[ ص: 335 ] ثانيها: أنه ملك، روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "هو ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب".

ثالثها: أنه كان ملكا. قاله عمر، وذلك أنه سمع رجلا يقول: يا ذا القرنين، فقال عمر: اللهم غفرا، أما رضيتم أن تتسموا بالنبيين حتى أسميتوهم بالملائكة.

رابعها: أنه نبي، رواه جابر عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: كان نبيا. وفي "صحيح الحاكم" من حديث أبي هريرة يرفعه: "ما أدري ذا القرنين كان نبيا أم لا؟ " ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة.

وقد وقع الخلف في نبوة الخضر ولقمان وعزير ومريم وأم موسى هل كانوا أنبياء أو عبادا صالحين، ذكره ابن التين وغيره، ومن قال بنبوته احتج بقوله تعالى: إنا مكنا له في الأرض [الكهف: 84].

وروى ابن مردويه من حديث سفيان، عن الفضل بن عطية، عن (عبد الرحمن) بن عبيد بن عمير أن ذا القرنين حج ماشيا فسمع به إبراهيم الخليل فتلقاه.

وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه": قيل لعلي: كيف بلغ ذو القرنين المشرق والمغرب؟

[ ص: 336 ] قال: سخر له السحاب وبسط له النور ومد له الأسباب.

واختلف في اسمه على قولين:

أحدهما: عبد الله بن الضحاك بن معد رواه ابن مردويه من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره.

ثانيهما: الصعب بن ذي مراثد قاله عبد الملك بن هشام في "تيجانه" من حديث أبي إدريس عن وهب، عن ابن عباس أنه سئل: ممن كان ذو القرنين؟ فقال: من حمير، وهو الصعب بن ذي مراثد، وهو الذي مكن الله تعالى له، وآتاه من كل شيء سببا، وبنى السد على يأجوج ومأجوج، قيل: فالإسكندر الرومي، قال: كان رجلا صالحا.

وفي "المحبر" في ذكر ملوك الحيرة أنه الصعب بن قرين. وفي "الوشاح" لابن دريد: (ابن) الهمال. فتحصلنا في أبيه على هذا القول على ثلاثة أقوال، وقال كعب الأحبار: الصحيح عندنا من علوم أحبارنا وأسلافنا أنه من حمير وأنه الصعيب بن ذي مراثد.

والإسكندر رجل من بني ثوبان من ولد عيصو بن إسحاق، ورجاله أدركوا المسيح منهم: أرسطاطاليس ودانيال.

وفي رواية وهب عن ابن عباس: أنشدني نافع بن الأزرق لأبي كرب أسعد فذكر بيت الله، وجده الصعب ذا القرنين:


بيت له يوفي الحجيج نذورهم و(يودعون) طوافه للموعد



[ ص: 337 ] إلى أن قال:


فلقد أذل الصعب صعب زمانه     وأناط عنوا عزة بالفرقد



وفي أبيات ذكرها، وذكره أيضا امرؤ القيس وقس بن ساعدة في شعرهما وسمياه الصعب، وذكره أيضا الربيع بن ضبيع الفزاري المعمر في عدة أبيات له، وكذا طرفة بن العبد وأوس بن حجر السعدي.

وفيه قول ثالث: أن اسمه مرزبان بن مردبه. ذكره ابن إسحاق، وقيل اسمه هرمس، وقيل هرديس، وقيل أفريدون بن أقفيان، وقيل قيصرة ذكره مقاتل في "تفسيره". وفي "غرر التبيان": اسمه الإسكندرنس، وهو من بني عيصو.

وعند الطبري: الإسكندر وهو إسكندروس بن المقدس. وعند المسعودي: فيليش وكانت أمه زنجية أهديت لدارا الأكبر فوجد منها نكهة استثقلها فولجت ببقلة يقال لها: أندروس فحملت منه بدارا الأصغر فلما وضعت ردها فتزوجها فيليش فحملت منه الإسكندر، اشتق اسمه من تلك البقلة. قال ابن هشام: لما ولي الصعب ذو القرنين تحبر تحبرا عظيما حتى أنه لم يكن في السابعة أشد تحبرا منه، ولا أعظم سلطانا، ولا أشد سطوة، وكان له عرش من ذهب مصمت، مرصع بالدر والياقوت، وكان عظيم الحجاب، فبينما هو ذات ليلة رأى رؤيا عظيمة وقوما تخطفهم النيران، فسأل فقال: هؤلاء الجبارون ثم رأى الجنة وما أعد الله فيها لأوليائه.

وقيل له: يا صعب اخلع عنك رداء الكبر وتواضع، فلما أصبح تواضع وبرز للناس وأمر بالعرش فهتك ونهب، ثم رأى في الليلة الثانية كأنه نصب له سلم إلى السماء فرقى إلى السماء ومعه سيف [ ص: 338 ] صلت فعلقه بالثريا ثم أخذ القمر بيده اليسرى والشمس بيده اليمنى ثم سار وتبعه الدراري والنجوم ونزل بهما إلى الأرض فلم يزل يمشي بهما والنجوم تتبعه.

فلما كان في الليلة الثالثة: رأى كأنه جاع جوعا شديدا، فصارت له الأرض غذاء، فأقبل عليها، يأكلها جبلا جبلا، وأرضا أرضا حتى أتى عليها كلها، ثم عطش عطشا شديدا، فأقبل على البحار، فشربها بحرا بحرا، حتى أتى على السبعة الأبحر، ثم أقبل على البحر المحيط يشربه، فلما أمعن فيه رأى طينا وحمأة سوداء فلم يسغ له فتركه.

ثم رأى في الليلة الرابعة كأن الإنس والجن أتوه من الأرض كلها، وكذلك البهائم والأنعام، وأقبلت الرياح فاستدارت فوقه، فأرسل أمما من الجن والإنس مع ريح الصبا إلى المغرب، وأمما منها مع الدثور إلى يمين الأرض، وأمر البهائم والأنعام فذهبت بهم الرياح في كل وجه، ثم أمر الهوام فذهبت في سبيل من مضى، فلما أصبح أرسل إلى أهل مشورته فقص عليهم ما رأى، فقالوا: أجمع العلماء بهذا الأمر فجمعهم، فقالوا: لم تدرك عقولنا هذه الرؤيا فقال له شيخ منهم: ليس على وجه الأرض من يفسر (تأويل) رؤياك إلا نبي ببيت المقدس، فأمر بالجنود فجمعت وجعل على مقدمته ألف ألف فارس، فلما انتهى إلى البيت الحرام طاف به حافيا راجلا، ثم سار إلى القدس يسأل عن النبي الذي وصف له، فلما رآه سأله عن اسمه فقال: الخضر بن خضرون بن عموم بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق، فقال له الصعب: أيوحى إليك؟ قال: نعم يا ذا القرنين. فقال: وما هذا الذي دعوتني به؟ قال: أنت صاحب قرني الشمس.

[ ص: 339 ] فكان أول من سماه بذلك وأخبره بمنامه فقال: تملك الأرض ومن عليها والبحر المحيط تبلغ به غاية، حتى يأتيك شيء لا تستطيعه فترجع، والإنس والجن تنقلهم من مكان إلى مكان، والأنعام والبهائم تسخر لك، والرياح كذلك تصرف ضرها عن أي بلد شئت، وتصرفها إلى أي بلد شئت، وتجاوز مغرب الشمس فانهض بأمر الله; فإنه يعينك.

وسار معه الخضر فطاف الأرض كلها، وعمل السد، وعرضه خمسة آلاف ذراع، وطوله ألف ذراع، وبنى جسر أدونة إلى أرمينية مسيرة سبعة أشهر.

وعن وهب: لما نزل الصعب حنوقراقر من أرض العراق مرض ثمانية أيام، فلما مات غاب الخضر فلم يظهر بعده إلا لموسى ورآه الأعشى وغيره.

قال ابن هشام: فلما مات بعد تعميره ألفي سنة فيما ذكر قس بن ساعدة ولي مكانه ابنه أبرهة الوضاح. وكان سماه باسم إبراهيم الخليل.

وهذه فوائد متعلقة به:

روى أبو العباس في "مقامات التنزيل" من حديث السدي، عن مجاهد، عن أبي مالك، عن ابن عباس، أن اليهود قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أخبرنا عن نبي لم يذكره الله في التوراة إلا في مكان واحد. قال: "ومن هو؟ " قالوا: ذو القرنين، الحديث.

وفي "فضائل القدس" لأبي بكر الواسطي الخطيب: كان ذو القرنين أوسع أهل الأرض عدلا، وكان آخر الملوك الخيرين، ومات ببيت المقدس.

[ ص: 340 ] وزعم أهل العلم أنه بدومة الجندل، رجع إليها من القدس، ولم يكن له بالقدس كثير عمر، وكان عدد ما سار في البلاد منذ يوم بعثه الله إلى يوم قبض خمسمائة عام.

وذكر حديثا مرفوعا من حديث إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه، عن جده: كان الفيلسوف من أهل الملك تزوج امرأة من غسان، وكانت على دين الروم، فولدت ذا القرنين فسماه أبوه الإسكندر، وإنما نسب إلى الروم; لأن أباه خلفه صغيرا في حجر أمه يتيما، فلذلك جهل أبوه ونسبوه إلى أمه.

وروي من طريق عقبة بن عامر الجهني بإسناد فيه جهالة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطائفة جاءوه من اليهود: "جئتم تسألوني عن ذي القرنين، وكيف كان أول شأنه؟ وسأخبركم بما تجدونه في كتابكم: إنه كان غلاما من الروم فأتى ساحلا من سواحل مصر، فبنى بها مدينة تسمى الإسكندرية".

وفيه: "وأتى السد، وهما جبلان زلقان، ينزل عنهما كل شيء، فبناهما.. " الحديث.

فصل:

قوله: سببا : طريقا. وقال ابن عباس: علما يسير به في أقطار الأرض. وقال مجاهد: منزلا بين المشرق والمغرب.

وقوله: في عين حمئة أي: ذات حمأة. ومن قرأ (حامية) [ ص: 341 ] فقيل: معناه مثله، وقيل: حارة، ويجوز أن تكون حارة وهي ذات حمأة.

وتفسير ابن عباس الأول والثاني في النحاس ذكرهما جويبر عن الضحاك عنه.

وأصل اسطاعوا استطاعوا; فاجتمعت التاء والطاء وحقهما إدغام التاء في الطاء، إلا أنهم لو فعلوا ذلك لجمعوا بين الساكنين السين والتاء؛ إذ لا سبيل إلى فتح سين الاستقبال.

وقرأ حمزة: ( فما اسطاعوا ) جمع بين الساكنين فرأوا أن حذف التاء أولى، ومن أجاز (أسطاع) بفتح الهمزة قال: هو أطاع وإنما عوضت السين في الحركة الساقطة من عينه. يريد: الواو.

والزبر: القطع الكبار من الحديد.

وقوله: لم نجعل لهم من دونها سترا أي: ليس لهم بنيان ولا قمص، قال الحسن: إذا طلعت الشمس نزلوا (الماء) حتى تغرب.

و السدين بالفتح والضم بمعنى، قاله الكسائي، وقال أبو عمرو وغيره: ما كان من صنع الله فبالضم، وما كان من صنع الآدمي فبالفتح، وقيل بالفتح ما رأيته وبالضم ما استتر عن عينك.

[ ص: 342 ] وقوله: ( استطاعوا استفعل من طعت له، فلذلك فتح) يريد فتح الفاء في مستقبله; لأنه لو قال كما قال بعض أهل اللغة: أسطاع بفتح الهمزة لكان مستقبله (يستطيع) بضم الفاء.

والحديث المعلق في رؤية السد أسنده ابن مردويه في "تفسيره" عن سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن محمد بن يحيى، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن رجلين، عن أبي بكرة الثقفي، أن رجلا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني قد رأيته -يعني: السد- فقال: "كيف هو؟ " قال: كالبرد المحبر، قال: "قد رأيته". قال: وثنا قتادة أنه قال: طريقة حمراء من نحاس وطريقة سوداء من حديد.

وقال نعيم بن حماد في "كتاب الفتن": حدثنا مسلمة بن علي، ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة: قال رجل: يا رسول الله قد رأيت الردم وإن الناس يكذبونني فقال: "كيف رأيته"؟ قال: رأيته كالبرد المحبر. قال: "صدقت والذي نفسي بيده لقد رأيته ليلة الإسراء لبنة من ذهب ولبنة من رصاص".

وقوله: (كالبرد المحبر) أي: حسن الصنعة فيه رقم. وقال الحوفي في "تفسيره": بعد ما بين الجبلين مائة فرسخ، فلما أخذ ذو القرنين في عمله حفر له أسا، حتى بلغ الماء، وجعل عرضه خمسين فرسخا، وجعل حشوه الصخور، وطينة النحاس المذاب، فبقي كأنه عرق من جبل تحت الأرض، ثم علاه وشرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب، وجعل خلاله عرقا من نحاس، فصار كأنه برد محبر.

ومعنى ( حدب : أكمة) أي: موضع مرتفع.

[ ص: 343 ] فصل:

ذكر البخاري في الباب ثلاثة أحاديث:

أحدها:

حديث عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أن زينب ابنة أبي سلمة حدثته، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن زينب بنت جحش أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزعا يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها. قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله، أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثر الخبث"..

وهذا الحديث يأتي في علامات النبوة وفي الفتن. وأخرجه مسلم من حديث ابن عيينة عن الزهري به ولكنه قال: عن زينب، عن حبيبة بنت أم حبيبة، عن أمها أم حبيبة، عن زينب بنت جحش. بزيادة حبيبة بنت أم حبيبة، قال الحميدي عن سفيان: حفظت من الزهري في هذا الإسناد أربع نسوة.

قال الترمذي: جوده سفيان. قال الدارقطني: وكذا رواه عن سفيان جماعة، فعدده أحد عشر.

قال: وأما مسدد وسعيد بن نصر وعمرو فأسقطوا حبيبة في روايتهم عن سفيان، قال: وأظنه ربما أسقطها وربما ذكرها، يعني: ابن عيينة. وأما الجراح بن منهال، فإنه رواه عن الزهري، عن عروة، عن زينب.. الحديث.

وروى ابن مردويه من حديث يزيد بن الأصم، عن ميمونة، عن زينب [ ص: 344 ] بنت جحش قالت: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من نومه فزعا فقال: "ويل للعرب من شر قد اقترب -ثلاث مرار- فرج الليلة من ردم يأجوج ومأجوج فرجة" قال: قلت يا رسول الله أيعذبنا وفينا الصالحون؟! قال: "نعم إذا ظهر الخبث".

وروى نعيم بن حماد في كتابه، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن زينب بنت جحش، وفيه: وعقد ثنتي عشرة.

الحديث الثاني:

حديث ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا" وعقد بيده تسعين.

وهذا الحديث أخرجه مسلم من حديث سفيان عن ابن شهاب، قال: وعقد سفيان عشرة.

وفيه أيضا أن وهيبا عقد تسعين ويأتي في "الفتن".

قال عياض: لعل حديث أبي هريرة متقدم فزاد قدر الفتح بعده أو يكون المراد تقريب التمثيل لا حقيقة التحديد.

قال ابن العربي: وهذا يدل على أن السد منذ بني لم يفتح منه شيء إلى يوم إخباره بمثل ثقب عشرة من العدد.

وفقهه: أنه لم يقصد به العدد فيعارض قوله: "إنا أمة أمية" وإنما جاء لبيان صورة خاصة معينة.

وهذه الإشارة مدرجة ليست من قوله - عليه السلام - وإنما ذكر إشارة عبر [ ص: 345 ] عنها الراوي الذي لم يشاهد تلك الإشارة.

الحديث الثالث:

حديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله تعالى: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك. فيقول: أخرج بعث النار. قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين. فعنده يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد". قالوا: يا رسول الله، وأينا ذلك الواحد؟ قال: "أبشروا، فإن منكم رجلا، ومن يأجوج ومأجوج ألفا" ثم قال: "والذي نفسي بيده إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" فكبرنا، فقال: "أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة" فكبرنا، فقال: "أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" فكبرنا، فقال: "ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور (أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور) أسود".

هذا الحديث يأتي في تفسير سورة الحج، وقوله في الحديث الأول (حلق بالإبهام والتي تليها) وفي الثاني: (وعقد بيده تسعين) وليس عقد التسعين في الحساب مثل التحليق كما نبه عليه ابن التين.

ومعنى (دخل عليها فزعا) خشي أن يدركه وقتهم لما فيه من الهرج والهلاك للدين.

وقوله: ("ويل للعرب من شر قد اقترب"). يحتمل أن يريد ما وقعوا فيه من قتل عثمان. وقيل: أراد يأجوج ومأجوج، وذلك أنهم يحفرون في كل يوم، حتى لا يبقى بينهم وبين أن يخرقوا النقب إلا يسيرا فيقولون: غدا نأتي فنفرغ منه فيأتون بعد الصباح فيجدونه عاد كهيئته

[ ص: 346 ] فإذا جاء الوقت قالوا عند المساء غدا إن شاء الله نأتي فنفرغ منه فينقبونه ويخرجون. أخرجه ابن مردويه في "تفسيره" من حديث أبي هريرة وحذيفة. وفي "تفسير مقاتل": "يغدون إليه في كل يوم فيعالجونه، حتى يولد فيهم رجل مسلم، فإذا غدوا عليه قال لهم المسلم: قولوا بسم الله فيفاتحوه حتى يتركوه رقيقا كقشر البيض، ويرى ضوء الشمس، فيقول المسلم: قولوا بسم الله غدا نرجع إن شاء الله فنفتحه".. الحديث.

ففي هذا ثلاث آيات: منعهم موالات الحفر ليلا ونهارا، وأن يحاولوا الرقي عليه بآلة أو سلم، ولا ألهمهم ذلك ولا علمهم إياه، وصدهم عن قول: إن شاء الله، فإذا خرجوا فيشرب أولهم دجلة والفرات، حتى يمر أحدهم فيقول: قد كان ههنا مرة ماء، وينادي بهم أهل الأرض، ويدعو عليهم عيسى فيهلكون.

وقيل أول زمرة منهم تأتي على بحيرة طبرية فتشرب ماءها، ثم تأتي أخرى فتلحس حمأها، ثم تأتي الأخرى فتقول: قد كان يقال أن ههنا ماء، ثم يموتون، وقيل: إنه لا يموت أحدهم حتى يولد له ألف ولد، وقيل: إنهم نحاف الأجسام يحمل العجيف منهم تسعة منهم فلا (ينقلونه) وقيل إنهم عظام الأجسام.

وقولها: (أنهلك وفينا الصالحون) موتهم بآجالهم لا بذنوبهم. كما نبه عليه أبو الفرج، قال ابن العربي: ويحشر كل واحد على نيته.

[ ص: 347 ] و(الخبث) بفتح الخاء والباء فسر بالفجور والفسوق. وقيل: الربا خاصة. وقيل: أولاد الزنا ومطلق المعاصي.

قال القرطبي: ويروى "الخبث" بسكون الباء، وهو مصدر.

وقول آدم ("لبيك") على ما تقدم في تلبية الحاج.

و("سعديك"): أي: السعادة بيدك.

وقوله: ("والخير في يديك") أي: ليس لأحد معك فيه شرك.

وقوله: ("أخرج بعث النار") أي: حزبه، وهو إخبار أن ذلك العدد من ولده يصيرون إلى النار.

وقوله: ("ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء") يعني: هذه الأمة. وفي حديث آخر: ("كالرقمة في جلد ثور") إما أن يكون أحدهما وهما، أو تكون هذه الأمة كالشعرة، أو بين سائر المسلمين من الأمم السالفة كالرقمة، قاله ابن التين.

وسيأتي أن هذه الأمة ثلثا أهل الجنة وأكثر، فتأمل ذلك، وتكثيرهم للسرور بما ذكره لهم، وإنما ذكر الربع أولا ثم النصف; لأنه أوقع في النفس وأبلغ في الإكرام، فإن تكرار الإعطاء والتدريج دال على الملاحظة والاعتناء، ويجوز أن يكون أخبر أولا بالربع ثم بالنصف ثم بأكثر.

وقوله: ("من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين") هو من العدد الذي تسامح فيه العرب عادة.

[ ص: 348 ] ذكر يأجوج ومأجوج

يأجوج رجل ومأجوج كذلك ابنا يافث بن نوح، كما ذكره عياض مشتقان من تأجج النار، وهي حرارتها، سموا بذلك لكثرتهم وشدتهم. وهذا على قراءة من همز. وقيل: من الأجاج: وهو الماء الشديد الملوحة. وقيل: هما اسمان أعجميان غير مشتقين.

وفي "المنتهى": من همزهما جعل وزن يأجوج يفعولا من تأجج النار أو الظليم أو غيره، ومأجوج مفعولا، ومن لم يهمزهما جعلهما أعجميين، قال الأخفش: من همزهما جعل الهمزة أصلية ومن لا يهمز جعل الألفين زائدتين يجعل يأجوج فاعولا من يججت، ومأجوج فاعولا من مججت الشيء في فمي، والأول أشبه بالواجب؛ لاختلاف أصواتهم فشبهوا تأجيج النار وهما غير منصرفين; لأنهما اسمان لقبيلتين.

وفي كتاب "الفتن": أنا نعيم، عن كعب أن التنين إذا أذى أهل الأرض نقله الله إلى يأجوج ومأجوج فجعله رزقا لهم يجتزرونها كما تجتزرون الإبل والبقر.

قال نعيم: وحدثنا يحيى بن سعيد، حدثني سليمان بن عيسى قال: بلغني أنهم عشرون أمة: يأجوج ومأجوج وتأجيج وأجيج والغيلانيين والقشبين والقرانين والقوطين وهو الذي يلتحف أذنه والزرشتين والكنعانين والدفرانين والخاخونين والأنطارنين واليغاسنين وهم رؤوس الكلاب.

قلت: وما يحكى من أن آدم احتلم فاختلط ماؤه بالتراب فخلقوا من [ ص: 349 ] ذلك فلا أصل له، فالأشهر امتناع الاحتلام عليهم.

وروى ابن مردويه في "تفسيره" عن أحمد بن كامل، ثنا محمد بن سعيد العوفي، ثنا أبي، ثنا عمي، ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، عن أبي سعيد الخدري، قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر يأجوج ومأجوج: "لا يموت رجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل".

ومن حديث محمد بن مرثد: ثنا مجالد، عن أبي الوضيء، عن أبي سعيد مرفوعا: "يخرج يأجوج ومأجوج فيقتلون الناس ويهلكونهم، إلا بقية يلحقون بالجبال، ثم يبعث الله عليهم النغف فيخرج في كواهلهم فيموتون أجمعون، وتأكل مواشي الناس جيفهم، كما تأكل الحشيش أو الخضر".

وبإسناده الجيد عن حذيفة مرفوعا: "يأجوج أمة، ومأجوج أمة، كل أمة أربعمائة ألف أمة، لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل من صلبه، كلهم قد حملوا السلاح". قلت: يا رسول الله صفهم لنا قال: "هم ثلاثة أصناف، لا يمرون على فيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير ولا إنسان إلا أكلوه، ويأكلون من مات منهم، تكون مقدمتهم بالشام وساقتهم موضع كذا وكذا -يعني: المشرق- فيشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية".

ومن حديث مقاتل بن حيان، عن عكرمة مرفوعا: "بعثني الله ليلة أسري بي إلى يأجوج ومأجوج، فدعوتهم إلى دين الله فأبوا أن يجيبوا، [ ص: 350 ] فهم في النار، مع من عصى من ولد آدم وولد إبليس".

ومن حديث النعمان بن سالم، عن ابن عمر. وابن أوس، عن جده مرفوعا: "إن يأجوج ومأجوج لهم نساء، يجامعون ما شاءوا، وشجر يلقحون ما شاءوا، ولا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا".

وعن عبد الله بن عمرو بإسناد جيد: "الإنس عشرة أجزاء: تسعة أجزاء يأجوج ومأجوج، وسائر الناس جزء واحد".

وروى نعيم بن حماد في كتاب "الفتن" عن ابن وهب، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن يأجوج ومأجوج حين يخرجون يمر أولهم ببحيرة طبرية فيشربونها، ثم يأتي آخرهم عليها، فيقولون: كأنه كان هنا ماء".

وعن ابن عباس فيما ذكره ابن بطال: الأرض ستة أجزاء خمسة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزء لسائر الخلق. وحكاه علي بن معبد، عن الأوزاعي، عن ابن عباس.

وقال ابن هشام في "تيجانه": في كلام الخضر مع ذي القرنين:

[ ص: 351 ] وستلقى قوما يرون أن أهل الأرض عبيد لهم، وأنهم شركاء الله في خلقه، وهم يأجوج ومأجوج، يقال لهم: الأحرار، وهم سود الوجوه، زرق العيون، طوال الوجوه والآنف، وجوههم كالخنازير، يختفون بالنهار من حر الشمس، ويظهرون في الليل.

فدعاهم ذو القرنين إلى الله فآمنوا، ثم لجج في أرضهم فأنابت منهم أمة يقال لهم: بنو عجلان بن يافث إلى الله فتركهم في جزيرة أرمينية إلى ناحية جابرص فسموا الترك; لأن ذا القرنين تركهم، ثم بلغ جزائر الأرض الزوراء التي تزاور عنها الشمس، فوجد عندها قوما، صغار الأعين، صغار الوجوه، مسفرة وجوههم كوجوه القرود، ولا يظهرون في النهار.

وعن معاذ وواثلة بن الأسقع مرفوعا، فيما رواه الضحاك: "يأجوج ومأجوج ثلاثة أصناف: صنف كالنخل طولا، وصنف طول كل واحد منهم أربعة أذرع في عرض أربعة أذرع، يفترش إحدى أذنيه ويتجلل بالأخرى، وصنف في غاية القصر، لهم أرزاق غير أرزاقكم، ومعايش غير معايشكم، بمنزلة البهائم يتسافدون فيما بينهم، خلق لا حاجة لله فيهم".

وروى ابن أبي شيبة عن عمرو بن العاص: منهم من طوله شبر، ومنهم من طوله شبران وثلاثة.

وعن (حسان بن عطية): هم أمتان، في كل أمة أربعمائة ألف أمة، ليس منها أمة تشبه الأخرى.

وعند القرطبي مرفوعا: "يأجوج أمة لها أربعمائة أمير، وكذلك مأجوج، صنف منهم طوله مائة وعشرون ذراعا".

[ ص: 352 ] قال: ويروى أنهم يأكلون جميع حشرات الأرض من الحيات والعقارب، وكل ذي روح من الطير وغيره، وليس لله خلق ينمى نماءهم في العام الواحد، يتداعون تداعي الحمام، ويعوون عواء الكلاب، ومنهم من له قرن وذنب وأنياب بارزة، يأكلون اللحوم نيئة.

وقال ابن عبد البر في كتاب "القصد والأمم": هم أمة لا يقدر أحد على استقصاء ذكرهم; لكثرتهم.

ومقدار الربع العامر من الأرض مائة وعشرون سنة، وأن تسعين منها ليأجوج ومأجوج، وهم أربعون أمة مختلفو الخلق والقدود، في كل أمة ملك ولغة، ومنهم من مشيه وثب، وبعضهم يغير على بعض، ومنهم من لا يتكلم إلا تمتمة، ومنهم مشوهون، وفيهم شدة وبأس وأكثر طعامهم الصيد، وربما أكل بعضهم بعضا.

وذكر الباجي عن عبد الرحمن بن ثابت قال: الأرض خمسمائة عام منها ثلاثمائة بحور ومائة وتسعون ليأجوج ومأجوج وسبع للحبشة، وثلاث لسائر الناس.

(فصل):

خروج يأجوج ومأجوج بعد خروج عيسى، جاء ذلك في حديث موثر بن عفارة عن ابن مسعود قال: لما كان ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقي إبراهيم وموسى وعيسى فتذاكروا أمر الساعة، فردوا الساعة إلى عيسى، فذكر خروج الدجال قال: فأهبط فأقتله ويرجع الناس [ ص: 353 ] إلى بلادهم، فيستقبلهم يأجوج ومأجوج فيجأر إلي الناس، فأدعو الله فيرسل السماء فتلقي أجسامهم في البحر. رواه الحاكم وصحح إسناده.

وروى أبو محمد الهيثم بن خلف الدوري في كتابه "ذم اللواط" عن وهب بن منبه أنه سئل عن قوله فيهم مفسدون في الأرض [الكهف: 94] ما كان ذلك الفساد؟ قال: كانوا يلاوطون الناس. قال: ورأى ابن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض يلعبون، فقال: هكذا تخرج يأجوج ومأجوج.

فصل:

سلف من حديث أبي سعيد: ("من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين") وفي حديث أبي هريرة: "من كل مائة تسعة وتسعين" وفي الترمذي مثله عن عمران وصححه، وعن أنس كذلك رواه ابن حبان في "صحيحه" وقال الحاكم فيهما: صحيحا الإسناد، وأكثر أئمة البصرة على أن الحسن سمع من عمران.

وعن أبي موسى نحوه، رواه ابن مردويه من حديث الأشعث، عن الحسن عنه، وعن جابر نحوه، رواه أبو العباس في "مقامات التنزيل". وفي حديث عمران: "إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة" ثم قال: "أرجو أن تكونوا أكثر أهل الجنة".

[ ص: 354 ] فصل:

في حديث عبد الله بن عمرو: "أخرجوا بعث النار" خلاف ما في حديث أبي سعيد في الكتاب "يقول الله: يا آدم أخرج بعث النار"

يحتمل أن آدم لما أمر أولا بالإخراج أمر هو الملائكة أن يخرجوا ويميزوا أهل الجنة من النار. وروى ابن مردويه من حديث الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسيره في غزوة بني المصطلق إذ نزل عليه إن زلزلة الساعة [الحج: 1] فوقف على دابته ورفع بها صوته وقال: "أتعلمون أي يوم ذاك؟ " قالوا الله ورسوله أعلم، قال "ذاك يوم يقول الله: يا آدم قم فابعث بعث النار.. " الحديث. وفيه: "إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة".

ومن حديث هلال بن خباب، عن عكرمة عنه بلفظ: "هل ترون أي يوم ذاك (يوم) يقول الله لآدم.. " الحديث، وفيه: "إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، إنما أنتم في الناس أو الأمم كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة، وإنما أمتي جزء من ألف جزء من سائر الناس".

ولما ذكره الطبري في "تهذيبه" قال: قد يجب أن يكون هذا على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلتين:

[ ص: 355 ] إحداهما: أنه خبر لا يعرف له مخرج عن عكرمة إلا من هذا الوجه.

الثانية: أنه من نقل عكرمة، وفي نقل عكرمة عندهم نظر يجب التثبت فيه.

وعند الطبري من حديث الحسن: لما قفل النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة العسرة قرأ: قل يا أيها الناس .. الحديث.

وفيه: "لم يكن رسولان إلا بينهما فترة من الجاهلية فهم أهل النار وإنكم بين ظهراني خليقتين لا يعادهما أحد من أهل الأرض إلا كثروهم يأجوج ومأجوج، وهم أهل النار وتكمل العدة من المنافقين".


فصل:

روى الترمذي وقال: حسن من حديث بريدة، وابن أبي شيبة من حديث ابن مسعود رفعاه: "أهل الجنة يوم القيامة عشرون ومائة صف أنتم منهم ثمانون صفا".

وفي "عيون الأخبار" للقتبي: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "تكون الخلائق يوم القيامة عشرون ومائة صف طول كل صف مسيرة أربعين ألف سنة، وعرض كل صف ألف سنة" قيل: يا رسول الله، كم المؤمنون؟ قال: "ثلاثة صفوف والمشركون مائة وسبعة عشر صفا" قال القرطبي: هذا غريب جدا مخالف لصفوف المؤمنين الواردة في الأحاديث.

[ ص: 356 ] قلت: قد يحمل هذا على حالة الموقف، والأول على حالة الانفصال ودخول الجنة.

فصل:

اختلف العلماء في وقت كون الزلزلة، كما قاله الطبري، فقال عطاء وعامر وعلقمة: هي كائنة في الدنيا قبل القيامة، وروي مرفوعا نحوه بإسناد فيه نظر، ثم ساقه من حديث أبي هريرة وفيه مجهولان، قال: والصواب في ذلك ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر حديث أبي سعيد وأشباهه.

وحكى الخلاف أيضا الزجاج فقال: قيل هذه الزلزلة في الدنيا وأنه يكون بعدها طلوع الشمس من مغربها، وقيل: إنها الزلزلة التي تكون معها الساعة.

فصل:

ذكر البخاري في كتاب التفسير: وقال جرير وعيسى بن يونس وأبو معاوية يعني عن الأعمش: سكارى وما هم بسكارى [الحج: 2] وتعليق أبي معاوية وجرير أخرجهما ابن مردويه من حديثهما، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد به.

ورواية المسيب بن شريك والنخعي عن الأعمش: (سكرى وما هم بسكرى) قال الأعمش: وهي قراءتنا، وبها قرأ حمزة والكسائي.

[ ص: 357 ] وأخرج الطبري رواية أبي معاوية، عن الأعمش، وكذا تعليق عيسى بن يونس، عن الأعمش أخرجه أيضا، وقال الفراء: أجمعت القراء على: سكارى وما هم بسكارى وقرأ ابن مسعود: (سكرى وما هم بسكرى) وهو وجه جيد في العربية; لأنه بمنزلة الهلكى والجرحى، وليس هو بمذهب النشوان والنشاوى، فاختير سكرى بطرح الألف من هول ذلك اليوم وفزعه، كما قيل موتى، ولو قيل: سكرى على أن الجمع يقع عليه التأنيث فيكون كالواحدة كان وجها كما قال: الأسماء الحسنى. وقد ذكر أن بعض القراء قرأ: (ويرى الناس) وهو وجه جيد.

وعند الزجاج: (تذهل) ويجوز: تذهل. ووجه لم يقرأ به: (ويرى الناس سكرى) المعنى: يرى الإنسان الناس، وتقرأ: (ويرى الناس سكرى وما هم بسكارى) ويجوز: (ويرى الناس سكارى وما هم بسكارى) والقراءة الكثيرة: وترى الناس سكارى وما هم بسكارى قال ثعلب: امرأة حامل إذا أردت حبلى، فإذا أردت أنها تحمل شيئا ظاهرا قلت: حاملة، وحمل النخلة والشجرة يفتح ويكسر، فإن قلت: فهل تبقى حامل يوم القيامة؟ قلت: لو حضرت حامل يومئذ [ ص: 358 ] لوضعت ولو حضر مولود يعقل أهوال يوم القيامة لشاب قال تعالى: يوما يجعل الولدان شيبا [المزمل: 17] نبه عليه ابن الجوزي.

التالي السابق


الخدمات العلمية