التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3299 3488 - حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا عمرو بن مرة، سمعت سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة آخر قدمة قدمها، فخطبنا، فأخرج كبة من شعر فقال: ما كنت أرى أن أحدا يفعل هذا غير اليهود، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه الزور يعني: الوصال في الشعر. تابعه غندر عن شعبة. [انظر: 3468 - مسلم: 2127 - فتح: 6 \ 515]


ذكر فيه فوق العشرين حديثا:

أحدها:

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بينا امرأة ترضع ابنها إذ مر بها راكب وهي ترضعه.. " الحديث، وقد سلف في أحاديث الأنبياء وهو أحد من تكلم في صغره كما أسلفناه.

[ ص: 635 ] وقوله: ("وأما المرأة فإنهم يقولون لها: تزني. وتقول: حسبي الله") أي: هي تزني، ولو خاطبها لقال: تزنين وتسرقين، وقوله: "فتقول: حسبي الله" يريد إذا سمعت بذلك.

الحديث الثاني:

حديثه أيضا: "بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فسقته، فغفر لها"

وسلف أيضا في بدء الخلق، والركية: البئر والجمع ركي وركايا مطوية وغير مطوية، فإذا لم تطو فهي جب وقليب، فإن طويت فهي بئر. وذكر القزاز أن الركي البئر قبل أن تطوى، فإذا طويت فهي الطوي.

والموق الذي يلبس فوق الخف فارسي معرب. قال ابن فارس: البغايا: الإماء، الواحدة بغي، والبغي أيضا: الفاجرة، وهو المراد بهذا الحديث.

ومعنى يطيف بركية: يدور، يقال: أطاف بالشيء واستطاف.

الحديث الثالث:

حديث حميد بن عبد الرحمن، أنه سمع معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - عام حج على المنبر، فتناول قصة من شعر -وكانت في يدي حرسي - فقال: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذه ويقول: "إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم".

وهذا الحديث ذكره آخر الباب من حديث آدم، عن شعبة عن عمرو بن مرة، وهو الجملي الضرير مات سنة ست عشرة، وقيل: سنة [ ص: 636 ] ثماني عشرة ومائة- سمعت سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - المدينة آخر قدمة قدمها فخطبنا، فأخرج كبة من شعر فقال: ما كنت أرى أن أحدا يفعل هذا غير اليهود، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماه الزور، يعني: الوصال في الشعر، ثم قال: تابعه غندر عن شعبة.

ويأتي في اللباس، وأخرجه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حسن صحيح. والقصة -بضم القاف ثم صاد مهملة مشددة- شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة، وقال ابن فارس: القصة: الناصية. وسلف كبة من شعر.

وقوله: (أين علماؤكم؟) هو سؤال إنكار عليهم بإهمالهم إنكار هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره فأراد تذكيرهم لا أن يعلمهم، ويحتمل كما قال القرطبي: أن يكون ذلك منه; لأن عوام أهل المدينة أحدثت الزور كما في الرواية الأخرى "إنكم قد أحدثتم زي سوء". وفي رواية: ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود، وأنه - صلى الله عليه وسلم - بلغه فسماه الزور، ونادى أهل العلم لأجل الموافقة على ما رواه فينزجر من أحدث ذلك من العوام.

[ ص: 637 ] ثم النهي عن ذلك إشارة إلا وصل الشعر، وعن قتادة: الزور أكثر ما يكثر به النساء أشعارهن من الخرق، والتزوير: التمويه بما ليس بصحيح. وهذا التفسير حجة على إبطال قول من قصر التحريم على وصل الشعر، وفيه: تنبيه إلى الرجوع إلى أهل المدينة، وترشيح لمذهب مالك أن إجماع أهل المدينة حجة.

وقوله: "إنما هلكت نساء بني إسرائيل حين اتخذها نساؤهم" ظاهره التحريم، فارتكبن الحرام وأقروا عليه فاستوجب الكل العقوبة بذلك لما ارتكبوه من العظائم، وفيه: معاقبة العامة بظهور المنكر، وطهارة شعر الآدمي، وتناول الشيء الخطيب في الخطبة ليري الناس إذا كان من أمر الدين.

الحديث الرابع:

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب".

هذا الحديث ذكره في فضائل عمر بن الخطاب بلفظ: "من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء" وإيراده هنا أمس; لأنه مناسب للباب.

وأخرجه مسلم من حديث حرملة، عن ابن وهب، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة عن عائشة - رضي الله عنها - مثله.

[ ص: 638 ] وقال الترمذي: أخبرني بعض أصحاب ابن عيينة قال "محدثون": يعني: مفهمون. وقال أبو (مسعود): حديث ابن عجلان مشهور بقوله عن عائشة، ولا أعلم أحدا تابع ابن وهب عن إبراهيم بن سعد في قوله: عن عائشة.

وقال الحميدي: أما حديث ابن وهب عن إبراهيم بن سعد فعندي أنه خطأ.

وذكر الدارقطني أن الحكم بن أسلم رواه عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن عائشة - رضي الله عنها - وأن يزيد بن هارون وإسحاق الأزرق روياه عن زكريا بن أبي زائدة، عن سعد، عن أبي سلمة مرسلا.

واختلف في قوله: "محدثون" فقال ابن وهب: ملهمون، وقال ابن قتيبة: يصيبون إذا ظنوا وحدسوا، وقال ابن التين: يعني: متفرسون، ويستدلون على بعض هدي الرجل. وقال القابسي: تكلمهم الملائكة، واحتج بقوله: (مكلمون) وقال البخاري فيما حكاه النووي: يجري الصواب على ألسنتهم، وهي متقاربة، وفي حديث آخر: "في كل أمة محدثون" يعني: قوما يصيبون إذا ظنوا، فكأنهم حدثوا بشيء فقالوه.

[ ص: 639 ] قال ابن عمر - رضي الله عنهما - (ما سمعت عمر) يقول: ما أظن هذا إلا هكذا فلا يخطئ.

وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله ضرب بالحق على قلب عمر وعلى لسانه" وهذا غالب، وقد بعث عمر جيشا وأمر عليهم سارية فبينا عمر - رضي الله عنه - يخطب فجعل يصيح: يا سارية الجبل! فقدم رسول الجيش فقال: هزمنا عدونا، فصيح بنا: يا سارية الجبل فهزمهم الله. فهذا كان غالب حاله، وربما لم يصب كما في مناظرته الصديق في قتال أهل الردة إلى أن قال: فعرفت أنه الحق.

وأتي عمر بامرأة حملت من زنا فأمر برجمها، فقال له معاذ: هذا لك عليها فما لك في بطنها؟ فقال عمر: أعيت النساء أن تأتي بمثل معاذ، [ ص: 640 ] هلك عمر. وأتي عمر بمجنونة زنت فأمر برجمها، فقال علي: ما لك ولهذه؟ فتذكر وقال: لا شيء، وأرسلها.

وقال ابن العربي: قد بينا فساد قول من ذهب إلى أن ذلك من صفاء القلب مما يتجلى فيه من اللوح المحفوظ، وأرى ذلك دعوى، ولو كان بالتجلي عند المقابلة بين الصافي الصقيل واللوح المحفوظ لكان مطلعا على جميع المعارف بمقابلة لحظة أو على جملة عظيمة لا مطلعا على كلها، وإنما طريق ذلك أن الله يخلق في القلب الصافي (أو بواسطة) إلقاء الملك إليه الكلمة كما يلقي الشيطان إلى الكاهن، وقد ينتهي الحال إلى أن يسمع الصوت، وقال بعضهم: يرى الملك، ولم أعرف ذلك الآن.

وقول عمر: (يا سارية الجبل) منزلة عظيمة وكرامة ظاهرة، وهي في جميع الصالحين مطردة إلى يوم الدين.

قال: وقوله: ("إن كان في أمتي هذه منهم") يشعر بقلة وقوع ذلك وندارته، وليس المراد بالمحدثين من يصيب فيما يظن; لأن هذا كثير في العلماء والأئمة والفضلاء، بل وفي عوام الخلق كثير ممن يقوى حدسه، فتصح إصابته، فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر بذلك.

ومعنى هذا الخبر قد تحقق ووجد في عمر قطعا، وإن كان - صلى الله عليه وسلم - لم يجزم فيه بالوقوع ولا صرح فيه بالإخبار; لأنه إنما ذكره بصيغة الاشتراط، وقد دل على وقوع ذلك لعمر حكايات كثيرة.

[ ص: 641 ] الحديث الخامس:

حديث أبي الصديق الناجي -بكر بن قيس، وقيل: ابن عمرو- عن أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين رجلا.. " الحديث، وأخرجه مسلم في التوبة، وابن ماجه في الديات وفي آخره: "فوجد إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له".. وقتله الراهب الأول كان لقلة علمه وتجرئه على الفتيا بقوله: "لا توبة لك" وهذا جهل منه، وأعان على نفسه إذ أيأس القاتل من التوبة، فلما ساقه الله إلى هذا العالم دله على الخير، وعلى مفارقة الأرض التي أصاب فيها الذنوب، والإخوان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم، وأن يستبدل بهم صحبة الأخيار، وبهذا يظهر فضل العالم على العابد الذي لا علم عنده; لأنه اغتر فأفتى بغير علم فهلك في نفسه، وكاد أن يهلك غيره.

ومذهب أهل السنة أن التوبة تكفر القتل كسائر الذنوب كما قاله القاضي، وما روي عن بعضهم من تشديد في الزجر وتورية في القول فإنما ذلك؛ لئلا يجترئ الناس على الدماء. وهذا الحديث ظاهر فيه، وهو أنه كان شرعا لمن قبلنا، وفي الاحتجاج خلاف، فليس هذا موضع خلاف، وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته، فإن ورد كان شرعا لنا بلا شك، وهذا فقد ورد شرعنا به، وهو قوله تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى قوله: إلا من تاب وقال تعالى: إن الله لا [ ص: 642 ] يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فكل ما دون الشرك يجوز أن يغفره الله.

وفي حديث عبادة: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه" فهذه حجج صريحة تبين فساد مذهب المكفر بشيء من ذلك.

وأما قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم فالصواب في معناه: جزاؤه إن جازاه. وقد لا يجازي بل يعفو عنه، فإن استحل قتله بغير حق ولا تأويل فهو كافر مخلد في النار إجماعا، وإن لم يستحل وأقدم على ذلك فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة جزاؤها جهنم خالدا فيها لكن تفضل الله فأخبر أنه لا يخلد من مات موحدا فيها، فلا يخلد هذا، وقد يعفو عنه فلا يدخلها أصلا، وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر عصاة الموحدين ثم يخرج منها إلى الجنة. وقيل: الخلود طول المدة والإقامة لا التأبيد، وقيل: المراد بالآية رجل بعينه قتل رجلا له عليه دم بعد أخذ الدية منه ثم ارتد. ويحتمل أن قتله الراهب متأولا إذ قال بغير علم.

وفيه: اختصام الملائكة واطلاع ملائكة الرحمة على ما في قلبه من صحة توبته، وأن ذلك خفي على ملائكة العذاب حتى قالت: "إنه لم يعمل خيرا قط" ولو اطلعت على ما في قلبه من توبته لما صح لها قول ذلك ولا تنازع ملائكة الرحمة، لكن شهادة ملائكة الرحمة على [ ص: 643 ] إثبات، وأولئك على نفي، والمثبت مقدم، فلا جرم أنهما لما تنازعا خرجا عن الشهادة إلى الدعوى بعث الله إليهما ملكا حاكما يفصل بينهما في صورة آدمي، وأخفى ذلك عنهم; ليعلموا أن في بني آدم من يصلح للفصل بين الملائكة إذا تنازعوا.

وقوله: ("فناء بصدره") أي: مال ونهض مع ثقل ما أصابه من الموت، وقال ابن التين: تباعد نحوها، يقال: نأى ينأى نأيا، وذلك دليل على صحة توبته؛ لاجتهاده في القرب من أهل الخير فأعين على اجتهاده.

وفيه: أن الندم توبة، وفيه حديث.

وفيه: دلالة على التحكيم، وهو مذهب مالك والشافعي خلافا لمن قال أن الشافعي خالفه.

وقوله: ("وقال قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له") وفي رواية: "قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له" فيه دلالة أن الحاكم إذا تعارضت عنده الأقوال وتعددت الشهادات، وأمكنه أن يستدل بالقرائن على ترجيح بعض الدعاوى نفذ الحكم بذلك.

[ ص: 644 ] ووحي الله تعالى إلى هذه بالقرب وإلى هذه بالبعد من لطفه به وعنايته.

وفيه: أن الذنوب وإن عظمت تصغر عند عفو الله، وهو حديث عظيم لرجاء أصحاب العظائم.

الحديث السادس:

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا.. " الحديث، ثم ساقه من طريق آخر إليه. وقد سلف في المزارعة.

وفيه: أن الله لا يعذب عباده إلا بعد الإعذار إليهم.

الحديث السابع:

حديث أبي هريرة أيضا في الذي اشترى العقار فوجد فيه جرة فيها ذهب وتنازعا فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكح الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه، وتصدقا.

وأخرجه مسلم في القضاء.

الشرح:

العقار أصل المال. وقيل: المنزل، وقيل: الضياع. وعليه اقتصر ابن التين فقال: العقار ضيعة الرجل. وعبارة القرطبي: أنه أصل المال من الأرض وما يتصل بها، وعقر الشيء: أصله، ومنه عقر الأرض بفتح العين وضمها. والجرة من الفخار ما يصنع من المدر.

[ ص: 645 ] وفيه: التحكيم، وقد سلف في الحديث قبله. وقال أبو حنيفة: إن وافق رأيه رأي قاضي البلد نفذ وإلا فلا. وقال شريح: إنه كالقسامة فلا يلزمه حكمه، ثم إن هذا الرجل لم يحكم على واحد منهما إنما أصلح بينهما، وذلك أن هذا المال ضائع إذ لم يدعه أحدهما، ولعلهم لم يكن لهم في زمانهم بيت مال، فظهر لهذا المحكم أنهما أحق به; لزهدهما وورعهما وحسن حالهما، ولما ارتجى من طيب نسلهما وصلاح ذريتهما.

وحكى المازري خلافا عندهم فيما إذا ابتاع أرضا فوجد فيها شيئا مدفونا هل يكون ذلك للبائع أو للمشتري؟ وحمله القرطبي على ما يكون من أنواع الأرض كالحجارة والعمد والرخام، وأما ما كان كالذهب والفضة فإن كان من دفين الجاهلية فهو ركاز، وإن كان من دفين المسلمين فهو لقطة، وإن جهل ذلك كان مالا ضائعا، فإن كان هناك بيت مال حفظ فيه وإلا صرف في الفقراء والمساكين، وفيما يستعان به على أمور الدين، وفيما أمكن من مصالح المسلمين.

قال ابن التين: وإنما أخبر الشارع بذلك ليعتبر به ويزهد في الدنيا. قال ابن شهاب: الزاهد من لا يغلب الحرام صبره ولا الحلال شكره، وهذا لعله كان شرعا لهم، ولو ترك عنده ثلاثا لنظر المال، فإن كان من دفين الإسلام فهو لقطة، وإن كان من دفين الجاهلية فقال مالك: هو [ ص: 646 ] للبائع. وخالفه ابن القاسم، فقال: إن ما في داخلها بمنزلة ما في خارجها.

وقول مالك أحسن; لأن من ملك أرضا باختطاط ملك ما في باطنها، وليس جهله به حين البيع يسقط ملكه عنه.

الحديث الثامن:

حديث مالك عن محمد بن المنكدر عن جابر وعن أبي النضر (م. الأربعة) -مولى عمر بن عبيد الله- عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد: ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطاعون؟ فقال أسامة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل -أو على من كان قبلكم- فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه". قال أبو النضر: -أي: واسمه سالم- "لا يخرجكم إلا فرارا منه" وأخرجه أيضا في ترك الحيل كما سيأتي، وأخرجه مسلم في الطب، والترمذي في الجنائز، والنسائي في الطب، وأهمله ابن عساكر.

الحديث التاسع:

حديث عائشة - رضي الله عنها - أنه: "عذاب يبعثه الله على من يشاء من عباده، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد"..

[ ص: 647 ] وحديث عائشة هذا أخرجه في كتاب القدر وفي كتاب الطب والتفسير أيضا كما سيأتي وقال: "مثل أجر الشهيد" وحديث أسامة أخرجه مسلم بألفاظ، ثم قال: وعن سعد بن أبي وقاص وخزيمة بن ثابت، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث.

ولم يخرجه البخاري عنهما، وقال في بعض طرقه: "عذب به بعض الأمم، ثم بقي منه بقية فيذهب المرة ويأتي الأخرى" وسيأتي عنده حديث عبد الرحمن بن عوف: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها لا تخرجوا فرارا" والرجس: العذاب.

وهو رحمة لهذه الأمة كما صرح به في الحديث، وقد سلف في الجهاد في (باب: الشهادة سبع سوى القتل).

وقول أبي النضر: ("لا يخرجكم") مراده أن الخروج الذي منع منه الشارع هو الذي لا يخرجه إلا الفرار منه، فأما إن خرج لتجارة وغيرها غير فار فلا نهي عليه.

وقيل: إنما منع من الخروج فرارا منه؛ ظنا أن الفرار ينجيه من القدر.

[ ص: 648 ] وقوله: " لا تقدموا عليه" يريد: لأن مقامكم بالموضع الذي لا طاعون فيه أسكن لقلوبكم، وفيه المرأة والدار يعرفان بالشؤم فيوافق قدرا من مكروه فيقع في الأنفس أن ذلك من سببهما. وسئل مالك عن البلد يقع فيه الموت وأمراض هل يكره الخروج إليه؟

قال: ما أرى بأسا خرج أو أقام، قيل: فهذا شبه ما جاء به الحديث من الطاعون؟ قال: نعم.

وحديث عائشة - رضي الله عنها - المراد به ما لم يمت منه كما قاله الداودي، أما من مات منه فهو شهيد جزما.

وذكر ابن جرير الخلاف عن السلف في الفرار من الوباء، وذكر عن أبي موسى الأشعري أنه كان يبعث بنيه إلى الأعراب من الطاعون، وعن الأسود بن هلال ومسروق أنه كان يفر منه.

وعن عمرو بن العاصي أنه قال: (تفرقوا) في هذا الرجز في الشعاب والأودية ورءوس الجبال، فبلغ معاذا فأنكره وقال: بل هو شهادة ورحمة ودعوة نبيكم.

[ ص: 649 ] وكان بالكوفة طاعون فخرج المغيرة منها، فيما ذكره المدائني فلما كان في حصاص ابن عوف طعن فمات. وأما عمر فرجع من سرغ ولم يقدم عليه، وذلك لدفع الأوهام المشوشة لنفس الإنسان، وندم على رجوعه.

وتأول من فر أنه لم ينه عن الدخول والخروج مخافة أن يصيبه غير المقدور، لكن مخافة الفتنة أن يظنوا أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه، وسلامة الفار إنما كانت بفراره. وهذا من نحو النهي عن الطيرة. وعن ابن مسعود: هو فتنة على المقيم الفار فيقول: فررت فنجوت، وأما المقيم فيقول: أقمت فمت، وإنما فر من لم يأت أجله، وأقام من حضر أجله.

وقالت عائشة - رضي الله عنها -: الفرار منه كالفرار من الزحف.

ويقال: قلما فر أحد من الوباء فسلم، ويكفي من ذلك موعظة قوله تعالى: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت الآية.

قال الحسن: خرجوا حذرا من الطاعون فأماتهم الله في ساعة واحدة، وهم أربعون ألفا.

[ ص: 650 ] غريبة:

وقع في كتاب أبي الفرج الأصبهاني: كانت العرب تقول: إذا دخل بلدا وفيها وباء فإنه ينهق نهيق الحمار قبل دخولها، فإنه إذا فعل ذلك أمن من الوباء.

فصل:

إن قلت: عدم القدوم عليه تأديب وتعليم، وعدم الخروج إثبات التوكل والتسليم وهما ضدان، فأمره بالحذر عنه؟!

قلت: أجاب ابن الجوزي أنه لما لم يؤمن على القادم عليه أن يظن أنه إذا أصابه أن ذلك على سبيل العدوى التي لا صنع (للمقدور) فيها نهى عن ذلك، فكلا الأمرين يراد لإثبات القدر، وترك التعرض لما يزلزل الباطن.

وقال بعضهم: إنه إنما نهي عن الخروج لأنه إذا خرج الأصحاء وهلك المرضى فلا يبقى من يقوم بأمرهم فخروج هؤلاء لا يقطع بنجاتهم، وهو قاطع بهلاك الباقين، والمسلمون كما جاء في الحديث "كالبنيان يشد بعضه بعضا".

وقال ابن العربي: الذي عندي أن الله أذن أن لا يتعرض أحد للحتوف - ولكن هو من باب الحذر الذي أذن فيه; لأن الله صانك أن لا تشرك به فتقول: لو لم أدخل لم أمرض.

فصل:

قول أبي النضر السالف: ("لا يخرجكم) إلا فرارا منه") كذا هو [ ص: 651 ] بالنصب، ويجوز رفعه، واستشكلهما القرطبي; لأنه لا يفيد بحكم، ظاهره أنه لا يجوز لأحد أن يخرج من الوباء إلا من أجل الفرار وهذا محال، وهو نقيض المقصود من الحديث، لا جرم قيده بعض رواة "الموطأ": الإفرار منه بهمزة مكسورة ثم فاء ساكنة يوهم أنه مصدر، وهذا ليس بصحيح; لأنه لا يقال: أفر رباعيا، وإنما: يقال: فر، ومصدره فرار ومفر، قال تعالى: أين المفر قال جماعة من العلماء: إدخال (إلا) فيه غلط، قال بعضهم: إنها زائدة كما تزاد (لا) في مثل قوله تعالى: ما منعك ألا تسجد أي: أن تسجد، وقال بعض النحويين: (إلا) هنا للإيجاب; لأنها تعوض ما نفاه من الجملة، ونهاه عن الخروج، فكأنه قال: لا تخرجوا منها إذا لم يكن خروجكم إلا فرارا، فأباح الخروج لغرض آخر. والأقرب أن تكون زائدة، والصحيح إسقاطها كما قد صح في الروايات الأخر.

وقال القاضي عياض: خرج بعض محققي العربية لرواية النصب وجها فقال: منصوب على الحال، قال: فلفظة (إلا) هنا للإيجاب لا للاستثناء، قال: وتقديره لا تخرجوا (إذا) لم يكن خروجكم إلا فرارا منه.

فائدة:

الطاعون وزنه فاعول من الطعن غير أنه عدل عن أصله، ووضع دالا على الموت العام بالوباء، وهي قروح تخرج في الجسد فتكون في المراق أو الآباط أو الأيدي أو الأصابع وسائر البدن، ويكون معه [ ص: 652 ] ورم وألم شديد وتخرج تلك القروح مع لهب، ويسود ما حوله أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة، ويحصل معه خفقان القلب والقيء. وقال الخليل: الوباء هو الطاعون، وقيل: هو كل مرض عام يقع بكثير من الناس نوعا واحدا، بخلاف سائر الأوقات فإن أمراضهم فيها مختلفة، فقالوا: كل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونا، وجمعه طواعين.

ونقل ابن التين عن الداودي أنه حبة تخرج في الأرفاغ، وفي كل طي في الإنسان ثم قال: والصحيح أنه كالوباء.

الحديث العاشر:

حديث عائشة - رضي الله عنها -: أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، (فقالوا): من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فكلمه أسامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتشفع في حد من حدود الله؟! ".. الحديث، ويأتي في موضعه بعد. وايمن جمع يمين، ثم كثر في كلامهم فحذفوا النون كما حذفوا من لم يكن، فقالوا: لم يك.

وقيل: هي إيم الله بكسر الهمزة، واختلف في ألف "ايمن" هل هي ألف وصل أو ألف قطع. واسم هذه المرأة فاطمة بنت الأسود ابن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، وكان ذلك في غزوة الفتح، وقتل أبوها كافرا يوم بدر، وكان حلف ليكسرن [ ص: 653 ] حوض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاتل حتى وصل إليه، فأدركه حمزة وهو يكسره، فقتله، فاختلط دمه بالماء.

الحديث الحادي عشر:

حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: سمعت رجلا قرأ، وسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ خلافها، فجئت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: "كلاكما محسن، لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا". وقد سلف في الإشخاص والملازمة، وفيه النهي عن الاختلاف في القراءات، وأن لا يقول أحد لشيء قرئ: ليس هو كذا.

الحديث الثاني عشر:

حديث شقيق قال: قال عبد الله: كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" ويأتي في استتابة المرتدين، وأخرجه مسلم، وابن ماجه.

وسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الحاكي والمحكي عنه، وكأنه أوحي إليه بذلك قبل وقوع قصته يوم أحد، ولم يعين له ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما وقع له ذلك تعين أنه (هو) المعني بذلك، نبه عليه القرطبي.

[ ص: 654 ] قال ابن التين: وفيه أنه كان يرجو إنابتهم كاستغفار إبراهيم لأبيه، ودعاء نوح قومه، فلما تبين لابنه أن أباه لا يؤمن تبرأ منه، ولما أخبر الله نوحا أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن قال: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا [نوح: 26] ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قريش حين عتوا وسمى قوما قتلوا يوم بدر.

وقال: "كيف يفلح قوم دموا وجه نبيهم" فأنزل الله تعالى: ليس لك من الأمر شيء [آل عمران: 128] فعلم أن منهم من يؤمن.

وقال: عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة [الممتحنة: 7] قال ابن عباس: وذلك تزويجه - صلى الله عليه وسلم - لأم حبيبة بنت أبي سفيان.

الحديث الثالث عشر:

حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن رجلا كان قبلكم رغسه الله مالا، فقال لبنيه لما حضر: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب. قال: فإني لم أعمل خيرا قط، فإذا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في يوم عاصف. ففعلوا، فجمعه الله -عز وجل- فقال: ما حملك؟ قال: مخافتك. فتلقاه برحمته".

وقال معاذ: ثنا شعبة، عن قتادة قال سمعت عقبة بن عبد الغافر، سمعت أبا سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقد سلف الكلام عليه قريبا في ثاني حديث في هذا الباب، أعني [ ص: 655 ] باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ويأتي في الرقاق والتوحيد، وأخرجه مسلم.

و("رغسه") براء مهملة مفتوحة ثم غين معجمة ثم سين مهملة ثم هاء أي: كثر ماله، فالرغس البركة والنماء والخير، ورجل مرغوس: كثير الخير، ورغسه الله: أكثر ماله وبارك له، وتقول: كانوا قليلا فرغسهم الله أي: كثرهم، وروي (راسه الله) وهو غلط كما قاله ابن التين، فإن صح فهو بشين معجمة، والريش والرياش: المال.

وقيل: رغس كل شيء أصله، فكأنه جعل له أصلا من كل مال.

وقوله: ("في يوم عاصف") أي: عاصف ريحه.

وقوله: ("فتلقاه") هو بالقاف عند أبي ذر، قال ابن التين: ولا أعلم للفاء وجها إلا أن يكون أصله من تلففته رحمته، أي: كفرته وغشيته فلما اجتمع ثلاث فاءات أبدلت الآخرة (ألفا).

ثم ذكر البخاري بعده حديث حذيفة وعقبة مثله، وسلفا.

وفيه ("ثم أوروا نارا") أي: اقدحوا وأشعلوا، وفيه: ("فذروني في اليم في يوم حار أو راح") كذا للمروزي والأصيلي وأبي ذر (حاز) بتشديد الزاي المعجمة يحز بحره وبرده، وعند أبي الهيثم (حار) بالراء، وأشار بعضهم إلى تفسيره بالشدة أي: بشدة ريحه.

[ ص: 656 ] وجاء في بعض الروايات "في يوم حان" بالنون، وللنسفي (حار أو راح) على الشك قاله عياض، ورواه البخاري بعده عن عبد الملك، وقال ("في يوم راح") واقتصر ابن التين على رواية (حان) بالنون، ثم نقل عن ابن فارس: (الحنون): ريح [تحن] كحنين الإبل، قال: فعلى هذا يقرأ "في يوم حان" بتشديد النون يريد حان ريحه، وتبعه بعض شيوخنا فاقتصر عليه في شرحه وأهمل ما ذكرناه.

ثم ذكر البخاري بعده حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "كان رجل يداين الناس.. " الحديث، من طريقين عنه، وقد سلف قريبا تأويله، وفي البيوع أيضا.

ثم ذكر حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: "عذبت امرأة في هرة.. " وقد سلف أيضا.

وحديث أبي مسعود - رضي الله عنه -: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" أخرجه عن آدم ثنا شعبة، عن منصور سمعت ربعيا يحدث عن أبي مسعود فذكره، وهذا هو المحفوظ، ورواه ابن سعد عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة.

[ ص: 657 ] قال الدارقطني: وكذا رواه أبو مالك الأشجعي عن ربعي، وروي عن ربعي، عن حذيفة قوله.

وذكر الطرقي أن عبد الله بن مسلمة لم يسمع من شعبة غير هذا الحديث وسيأتي أيضا في الأدب.

ومعنى الحديث: أن الحياء أمره ثابت منذ زمان النبوة الأولى، فإنه ما من نبي إلا وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه، ولم يبدل فيما بدل منها.

وذلك أنه أمر قد علم صوابه، وبان فضله، ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم.

وقوله: ("فاصنع ما شئت") هو أمر معناه الخبر -يقال: استحى يستحي، واستحيا يستحيي- لأن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي، وإن لم تكن له بقية.

وحكوا فيه أوجها:

أحدها: إذا لم تستحي من العتب وتخشى العار، فافعل ما تحدثك به نفسك قبيحا كان أو حسنا، لفظه أمر، ومعناه التوبيخ.

الثاني: أن يحمل (على) الأمر على بابه، تقول: إذا كنت آمنا في فعلك أن تستحي منه بجريك على الصواب، وليس من الأفعال التي يستحى منها فاصنع ما شئت، وعبارة ابن التين: إذا لم ترتكب ما تستحي منه مما ينهى عنه فاصنع ما شئت.

[ ص: 658 ] ثالثها: معناه الوعيد، أي: افعل ما شئت تجازى به لقوله تعالى: اعملوا ما شئتم .

رابعها: لا يمنعك الحياء من فعل الخير.

خامسها: أنه على طريق المبالغة في الذم، أي: تركك الحياء أعظم مما تفعله.

ثم ذكر بعده حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: "بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة" تابعه عبد الرحمن بن خالد. يعني: تابع يونس، عن الزهري، عن سالم، عنه، وأخرجه النسائي في الزينة، وأخرجه هو والنسائي من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضا ووقع في ابن عساكر من أن النسائي أخرجه من طريق سالم، عن ابن عمر، عن أبي هريرة، والذي وجد فيه عن سالم عن أبي هريرة.

والخيلاء: التبختر والإعجاب، وهو كقوله: "لا ينظر الله إلى من جر إزاره" فإن اختال مع قصر ثيابه دخل في هذا الوعيد، لا أن جر الإزار هو الموجب للوعيد.

ومعنى يتجلجل: يتحرك في الأرض، والجلجلة حركة مع صوت، أي: يسوخ فيها حين يخسف به، قاله النضر بن شميل، وقال ابن دريد: كل شيء خلطت بعضه ببعض فقد جلجلته، وقال ابن فارس: جلجلت [ ص: 659 ] الشيء إذا حركته بيدك، وقيل: يتجلجل يهوي، وقيل: التجلجل أن يسيخ في الأرض مع اضطراب شديد وتدافع من شق إلا شق، وزعم بعضهم أن هذا الرجل قارون.

فائدة:

عبد الرحمن بن خالد هذا هو أبو خالد الفهمي مولى الليث بن سعد من فوق، روى عنه الليث، وكان واليا لهشام على مصر سنة ثماني عشرة، وعزل سنة تسع عشرة، وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة.

وشيخ البخاري بشر بن محمد: هو أبو محمد المروزي، مات سنة أربع وعشرين ومائتين.

ثم ذكر بعده حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد كل أمة أوتوا الكتاب.. " الحديث، سلف في الصلاة.

ومعناه نحن آخر الأنبياء، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول من يدخل الجنة. وبعض أصحابه أول خصمين يوم القيامة، قال علي: أنا أول من يجثو للخصام يوم القيامة، يعني: أنه يأتي هو وحمزة وعبيدة بن الحارث وشيبة وعتبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة وهم الذين تبارزوا يوم بدر يوم الفرقان، وفيهم أنزلت هذان خصمان [ ص: 660 ] الآية [الحج: 19] ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا دجانة يتبختر بين الصفين في قتال العدو فقال: "إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموضع"

ومعنى ("بيد"): غير، يقال: هو كثير المال بيد أنه بخيل، وبمعنى إلا، وبمعنى لكن.

فائدة:

في إسناده وهيب وهو ابن خالد بن عجلان أبو بكر مات سنة خمس وستين ومائة، ثم ذكر فيه حديث معاوية الذي في الباب، وهو الحديث الثالث منه، فراجعه.

التالي السابق


الخدمات العلمية