التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3340 3533 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: " ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟! يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد". [فتح: 6 \ 554]


ثم ساق عن جبير بن مطعم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب".

وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟! يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد".

الشرح:

حديث جبير بن مطعم أخرجه مسلم أيضا، وفي لفظ بعد: و"أنا العاقب الذي ليس بعده أحد".

[ ص: 98 ] وفي رواية لمسلم قال معمر: قلت للزهري: وما العاقب قال: الذي ليس بعده نبي، فيحتمل-كما قال البيهقي- أن يكون تفسير العاقب من قوله.

قلت: والظاهر رفعه وهو صريح رواية الترمذي، "وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي" ثم قال: حسن صحيح، وفي رواية لمسلم: وقد سماه الله رءوفا رحيما، وهي من قول الزهري، وفي رواية "لي خمسة أسماء" فعدهن، وفي آخرها: "وأنا العاقب" يعني الخاتم، وفي رواية: "وأنا الخاتم والعاقب" فعدهن مع الخاتم ستة، وفي رواية قال نافع بن جبير بن مطعم: فأما حاشر فبعث مع الساعة نذيرا لكم بين يدي عذاب شديد، وأما عاقب فإنه عقب الأنبياء، وأما ماحي فإن الله محا به سيئات من اتبعه، ذكرها البيهقي في "دلائله"، وفي رواية: وأنا نبي الملحمة بعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة. أفادها ابن دحية في "المستوفى في أسماء المصطفى" من حديث ابن عيينة، عن الزهري، عن محمد بن جبير، عن أبيه وهذا إسناد صحيح.

[ ص: 99 ] قلت: وله شاهد من حديث أبي موسى- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سمى لنا نفسه أسماء فقال: "أنا محمد، وأنا أحمد، والحاشر، والمقفي، ونبي التوبة والملحمة" أخرجه مسلم. والمقفي: الذي ليس بعده نبي كذا جاء مفسرا، وقيل هو المتبع آثار من قبله من الأنبياء.

وروى الأعمش، عن أبي صالح قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة" قال البيهقي: هذا إسناد منقطع، وروي موصولا من حديث أبي هريرة فذكره بلفظ: "إنما أنا رحمة مهداة".

وفي لفظ: "يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة"، وأخرج البيهقي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس- رضي الله عنهما- اسمه طه.

[ ص: 100 ] أي: طأ الأرض يا محمد، ذكره عبد بن حميد في "تفسيره" من حديث الربيع بن أنس.

وقيل: أراد يا طاهر من الذنوب والعيوب حكاه عياض.

قال الخليل بن أحمد: خمسة من الأنبياء (ذوو) اسمين محمد وأحمد نبينا، وعيسى والمسيح، وإسرائيل ويعقوب، ويونس وذو النون، وإلياس وذو الكفل- صلى الله عليهم وسلم-. قال أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري: ولنبينا خمسة أسماء في القرآن: محمد وأحمد وعبد الله وطه وياسين.

وزاد غيره من أهل العلم فقال: سماه الله في القرآن رسولا نبيا أميا، وسماه شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، ورءوفا رحيما، ونذيرا مبينا، وسماه مذكرا، ونعمة وهاديا وعبدا. قلت: والمزمل، والمدثر كما قاله النقاش في "تفسيره".

والنور، والشهيد، والحق المبين، والأمين، وقدم الصدق، ونعمة الله، والعروة الوثقى، والصراط المستقيم، والنجم الثاقب، والكريم، وداعي الله. وقال كعب: قال الله تعالى: محمد رسول الله عبدي المتوكل المختار.

وروى البيهقي عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد قال: سمعته يقول: اجتمعوا فتذاكروا أي بيت أحسن فيما قالته العرب؟ قالوا: الذي قال أبو طالب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-:

[ ص: 101 ]

وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد



وقال عبد المطلب:

يا رب رد راكبي محمدا     اردده يا رب واصطنع عندي يدا
أنت الذي سميته محمدا



وقال بعضهم: إن لنبينا ألف اسم، والظاهر أن أكثرها صفات.

وقد ذكر صاحب "الشفا" منها جملة، وأجمعها "المستوفى" لابن دحية ذكر منها له فوق المائتين، وقد لخصتها في "مشكاة الأنوار مختصر دلائل النبوة" للبيهقي فراجعه منه. وروى ابن سعد من حديث [عبد الله بن] محمد بن عقيل عن محمد بن علي، سمع علي بن أبي طالب رفعه: "سميت أحمد". ومن حديث أبي جعفر محمد بن علي قال: أمرت آمنة وهي حامل أن تسميه أحمد.

وعن حذيفة مرفوعا: "أنا المقفي ونبي الرحمة". وذكر في "الشفا" من أسمائه: أنا رسول.. الراحة، ورسول الملاحم.. والمصلح، والظاهر، والمهيمن، والهادي.. والسلطان.. والعلامة والبرهان، وصاحب الهراوة والنعلين.. ومقيم السنة، والمقدس، وروح الحق.

[ ص: 102 ] وقال تعالى: وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق هو محمد كما قاله أبو سعيد الخدري وجماعة.

وأطلقت البشرى في هذه الآية، وذكرها في غيرها مع الشرط إعلاما بأن نجاة الجميع في ذلك اليوم بهذا القدم الصدق فيه يتقدم إلى ربه جميع صفوف المرسلين.

وفي مسلم من حديث أبي بن كعب: "وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق كلهم حتى إبراهيم".

فإن قلت: كيف يجمع بين ما ذكرت وبين قوله في الحديث السالف: "لي خمسة أسماء".

قلت: لا تنافي فإنها ليست صيغة حصر، أو إنها في الكتب القديمة، أو إن هذا من تصرف الراوي بدليل الزيادة من الراوي الواحد كما سلف في حديث جبير، اجتمع فيه ستة محمد، أحمد، الماحي، الحاشر، العاقب، الخاتم.

فصل:

(أحمد) علم منقول من صفة لا من فعل، وتلك الصفة أفعل التي يراد بها التفضيل فمعنى أحمد أي: أحمد الحامدين لربه، وكذلك هو

[ ص: 103 ] في المعنى؛ لأنه يفتح عليه في المقام المحمود محامد لم تفتح على أحد قبله كما ثبت عنه فيحمد ربه بها، وكذلك يعقد له لواء الحمد يوم القيامة ليتم له كمال الحمد ويشتهر في تلك العرصات بصفات الحمد، ويبعثه ربه مقاما محمودا يحمده فيه الأولون والآخرون بشفاعته لهم كما وعده.

ومن أسمائه تعإلى الحميد، ومعناه المحمود; لأنه حمد نفسه وحمده عباده، ويكون أيضا بمعنى الحامد لنفسه ولأعمال الطاعات وسمي نبينا به وبمحمد، فأحمد بمعنى أكثر من حمد، وأجل من حمد، ومحمد بمعنى محمود، وكذا وقع اسمه في زبور داود.

وقد أشار إلى نحو هذا البيت السالف. وفي شعر عبد المطلب، ويروى لغيره محمد، وهو في التوراة محمود.

ومحمد منقول من صفة; لأنه في معنى محمود، ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار، ودليل الكثرة وبلوغ النهاية في الحمد، هو الذي حمد مرة بعد مرة كما أن المكرم من أكرم مرة بعد مرة، وكذلك الممدوح تقول في الحمد محمد، وهو دليل على كثرة المحامد وبلوغ النهاية في الحمد، ومما يدل على ذلك قول العرب حماداك أن تفعل كذا، أي: قصاراك وغايتك، وفعلك المحمود منك غير المذمم، وتقول: أتيت موضع كذا فأحمدته، أي: صادفته محمودا موافقا، وذلك إذا رضيت سكناه أو مرعاه، ويقال: هذا رجل محمود فإذا بلغ النهاية في ذلك وتكاملت فيه المحاسن والمناقب فهو محمد، قال الأعشى ميمون:

[ ص: 104 ]

إليك أبيت اللعن كان وجيفها     إلى الماجد القرم الجواد الممجد



أراد الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة، واسم نبينا صادق عليه فهو محمد في الدنيا بما هدى إليه، ونفع به من العلم والحكمة، وهو محمود في الآخرة بالشفاعة، فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضي اللفظ، وقد تفطن العباس بن مرداس السلمي لحكمة نبوته، ومعنى دقيق، وعرض نبيل حيث يقول:


إن الإله ثنى عليك محبة     من خلقه ومحمدا سماكا



لأن الثناء تركب على أسس، فأسس له تعالى مقدماته لنبوته، منها تسميته محمدا قبل أن يولد، ثم لم يزل يدرجه في محامد الأخلاق وما تحبه القلوب من الشيم حتى بلغ إلى أعلى المحامد مرتبة وتكاملت له المحبة من الخالق والخليقة، وظهر معنى اسمه فيه على الحقيقة فهو اللبنة التي استتم بها البناء كما أخبر- صلى الله عليه وسلم- عن نفسه، ثم إنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد، حمد ربه فنبأه وشرفه فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد، فذكره عيسى فقال: ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فأحمد ذكر قبل أن يذكر محمد; لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له فلما وجد وبعث كان محمدا بالفعل، وكذا في الشفاعة يكون أحمد الناس لربهم ثم يشفع فيحمد على شفاعته، فانظر كيف ترتب هذا الاسم قبل الاسم الآخر في الذكر والوجود، وفي الدنيا والآخرة تلح لك الحكمة الإلهية في تخصيصه بهما، وانظر كيف نزلت عليه سورة الحمد، وخص بلواء الحمد

[ ص: 105 ] وبالمقام المحمود، وكيف شرع لنا سنة ومنهاجا أن نقول عند اختتام الأفعال الحمد لله رب العالمين، وقال تعالى: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين تنبيها أن الحمد مشروع لنا عند انقضاء الأمور، وسن الحمد بعد الأكل والشرب، وقال عند انقضاء السفر: "آيبون تائبون لربنا حامدون".

فصل:

قال القاضي عياض في "الشفا": حمى الله تعإلى أن يسمى بأحمد ومحمد قبل زمانه، أما أحمد الذي أتى في الكتب وبشرت به الأنبياء فمنع الله بحكمته أن يسمى به أحد غيره، ولا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك، وكذلك محمد أيضا لم يسم به أحد من العرب ولا غيرهم إلى أن شاع قبل وجوده أن نبيا يبعث اسمه محمد فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، وهم محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، ومحمد بن براء البكري، ومحمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد بن حمران الجعفي، ومحمد بن خزاعي السلمي، لا سابع لهم.

ويقال: إن أول من سمي بمحمد ابن سفيان، واليمن تقول: بل محمد بن اليحمد من الأزد، ثم حمى الله - عز وجل- كل من تسمى به أن يدعي النبوة، أو يدعيها أحد له أو يظهر عليه سبب يشكك أحدا في أمره حتى تحققت السمتان له، ولم ينازع فيهما.

[ ص: 106 ] وقوله: (لا سابع لهم) فيه نظر فقد ذكر هو سابعا بعد كما أسلفناه عنه. وذكر محمد بن سعد أيضا محمد بن عدي بن ربيعة بن سعد بن سواءة بن جشم بن سعد المنقري، عداده في أهل الكوفة، ومحمد الأسيدي، ومحمد الفقيمي. وعند ابن دريد: ومحمد بن خولي الهمداني، وفي "دلائل النبوة" لأبي نعيم: ومحمد بن يزيد بن ربيعة، ومحمد بن أسامة بن مالك، ومحمد بن عثمان بن ربيعة بن سواءة، وينظر هذا مع ما ذكره ابن سعد، وعند ابن الجميل : ومحمد بن عتوارة الليثي، ومحمد بن حرماز بن مالك العمري، وفي ذكره محمد بن مسلمة الأنصاري معهم نظر من حيث أن أبا عبد الرحمن العتقي، وأبا نعيم الأصبهاني وغيرهما، قالوا: كان مولده سنة ثلاث وعشرين من مولد نبينا- صلى الله عليه وسلم-.

فصل:

قوله: ("على قدمي")، وفي رواية "على عقبي" هو بتخفيف الياء على الإفراد وبالتشديد على التثنية، يعني: أن الخلق يحشرون يوم القيامة على أثره، أي ليس بينه وبين القيامة نبي آخر ولا أمة أخرى، وقيل: "على قدمي": على سنتي، وقيل: بعدي، أي: يتبعوني إلى يوم القيامة، وقال ابن التين: معناه أنه يحشر أول الناس ثم يحشرون على أثره؛ لأنه أول من تنشق عنه الأرض، وقيل: العقب ها هنا: الزمن أي: ملته لا تنسخ ويحشر الناس عليها، وقيل: يحشر الناس على قدمه، أي:

[ ص: 107 ] مشاهدته قائما لله وشاهدا على أمته والأمم، قال الله تعالى: يوم يقوم الناس لرب العالمين [المطففين: 6].

فصل:

والعاقب: الذي ليس بعده نبي كما سلف.

وقال ابن التين: سمي بذلك؛ لأنه عقب من تقدمه من الأنبياء وقد سلف أيضا، وقال الأعرابي: العاقب والعقوب الذي يخلف في الخير من كان قبله.

فصل:

وحديث أبي هريرة- رضي الله عنه- لعله من أفراده، واستدل به من أنكر الحد في كناية القذف، قيل: وهو قول أكثر العلماء، ومالك يوجب فيه الحد، والحديث لم يخبر أنه لا شيء عليهم بل عوقبوا على ذلك وقتل بعضهم بالسيف، وهم آثمون في ذلك من غير شك ولا مرية.

التالي السابق


الخدمات العلمية