التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3348 [ ص: 119 ] 22 - باب: خاتم النبوة

3541 - حدثنا محمد بن عبيد الله، حدثنا حاتم، عن الجعيد بن عبد الرحمن قال: سمعت السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وقع. فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، وتوضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم بين كتفيه. قال ابن عبيد الله: الحجلة من حجل الفرس الذي بين عينيه. قال إبراهيم بن حمزة: مثل زر الحجلة. [انظر: 190- مسلم: 2345- فتح: 6 \ 561]


ذكر فيه حديث الجعيد أيضا عن السائب بن يزيد: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وقع. فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، وتوضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه. قال ابن عبيد الله: الحجلة من حجل الفرس الذي بين عينيه. وقال إبراهيم: مثل زر الحجلة.

الشرح:

قد عرفت ترجمة السائب. وعند ابن سعد: كان السائب من هامته إلى مقدم رأسه أسود، وسائر رأسه ولحيته وعارضه أبيض، فسئل فقال: مر بي رسول الله وأنا ألعب مع الصبيان فقال: "من أنت؟ " فقلت: السائب، فمسح يده على رأسي وقال: "بارك الله فيك" فهو لا يشيب أبدا. وقال أبو مودود: رأيت السائب أبيض الرأس واللحية.

وفيه فوائد:

أولها: صحة إسماعه كبيرا ما سمعه صغيرا.

ثانيها: كون موضعه لم يبيض; لأنه دعا له بالبركة وأصلها دوام

[ ص: 120 ] ما هو حاصل، وهو من البروك أي الثبوت، وقيل في تفسير قوله تعالى: (تبارك) أي الذي دام ملكه وثبت، فلهذا ثبت جمال شبابه، والشيب أيضا فضيلة ولهذا ابيضت لحيته ليحصل له الأمران.

ثالثها: تتبع آثار الصالحين.

وأما صفة خاتمه الكريم شرفه الله فذكره في باب الدعاء للصبيان من كتاب الدعاء أتم من هذا، وفيه: فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة، وهي واحدة الحجال وهي الستور، وهذا أولى ما قيل فيه، والزر واحد الأزرار التي تدخل في العرى كأزرار القميص، ومن فسر الزر بالبيض نظر إلى ما ورد في بعض الطرق: مثل بيضة الحمامة، فجعل الزر البيضة.

والحجلة: الطائر الذي يسمى القيح، وبه فسره الترمذي حيث قال: زر الحجلة: بيضها، وأخرج من حديث سمرة- رضي الله عنه-: كان خاتم النبي- صلى الله عليه وسلم- الذي بين كتفيه غدة حمراء مثل بيضة الحمامة، وقاله الخطابي بتقديم الراء على الزاي (أخذه من رز الجراد، وهو بيضها، واستعاره الطائر.

واعترض السهيلي على الترمذي وقال: توهم أن الحجلة من القيح، وهو وهم، إنما هو حجلة السرير واحدة الحجال، وزرها الذي يدخل في عروتها، وما ذكره إنما يأتي على تقديم الراء على الزاي) كما حكاه البخاري عن إبراهيم بن حمزة، من ارتز الشيء إذا دخل في الأرض،

[ ص: 121 ] ومنه الرزة، قال: لأن الحجلة إذا أرادت أن تبيض رزت ذنبها بالأرض من شدة ما تلاقيه. قال الخطابي: زعم قوم أن زر الحجلة بيض الحجل، ورواية إبراهيم بن حمزة تدل عليه قال: وهو من قولك: يقال أزرت الجرادة إذا أناخت ذنبها في الأرض فباضت، فاستعاره للطائر.

وتفسير شيخ البخاري محمد بن عبيد الله: الحجلة من حجل الفرس الذي بين عينيه: فيه نظر; لأن تحجيل الفرس إنما هو أن يعلو أرساغه الأربعة بقوائمه، والحجلة بفتحهما هي الكلة التي تكون على السرير، وأما التي بين عيني الفرس فهو الغرة وبينه النبي- صلى الله عليه وسلم- بقوله: "غرا محجلين من آثار الوضوء" نبه عليه ابن التين، وقال بعد كلام الخطابي السالف: والذي رويناه إنما خالف في رواية إبراهيم بن حمزة في ضم حاء الحجلة، فرواها بفتح الحاء والجيم، وهي قبل ذلك بضم الحاء وسكون الجيم.

قلت: وقيده بعضهم بضم الحاء وسكون الجيم وفتحها، وبكسر الحاء وفتح الجيم، ذكره ابن دحية واقتصر في "تنويره" على الأول.

وقال النووي: الصحيح المشهور فتحهما واحدة الحجال، وهي بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى إلا الطائر، كما أشار إليه الترمذي وأنكره عليه العلماء.

وقال البيهقي في "دلائله": المعروف زر بتقديم الزاي على الراء

[ ص: 122 ] ورواه بعضهم بالراء قبله.

قلت: وروي في صفة الخاتم الكريم غير ذلك، والمعنى متقارب، ففي أفراد مسلم من حديث عبد الله بن سرجس قال: نظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى جمعا عليه خيلان كأنها الثآليل. وجمعا بضم الجيم وكسرها، وفي رواية: ورأيت العلامة التي فيه، وهي إلى أصل نغض كتفه، عليه خيلان كهيئة الثآليل.

وفي أفراده أيضا من حديث جابر بن سمرة: ورأيت خاتم النبوة بين كتفيه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده.

وفي "الدلائل" للبيهقي من حديث معاوية بن قرة عن أبيه: فإذا هو على نغض كتفه مثل البيضة. وفي لفظ: مثل السلعة. ومن حديث أبي رمثة: مثل السلعة بين كتفيه. وفي لفظ: فإذا خلف كتفيه مثل التفاحة.

وفي لفظ: فإذا في نغض كتفه مثل بعرة البعير أو بيضة الحمامة.

وقال أبو سعيد: الختم الذي بين كتفيه لحمة ناتئة. ومن حديث سليمان الفارسي: فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمام.

[ ص: 123 ] وفي رواية من حديث آخر، قال التنوخي رسول هرقل: فجلت في ظهره، فإذا أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة.

وفي "السير" عن ابن هشام: كأثر المحجم. يعني: أثر المحجمة القابضة على اللحم حتى يكون ناتئا. ولابن عبد البر: كركبة العنز. ولابن أبي خيثمة: كشامة سوداء تضرب إلى الصفرة حولها شعرات متواليات كأنها عرف الفرس. وقيل: كان بمنكبه الأيمن بأسفل كتفه شامة خضراء منحفرة في اللحم قليلا، رواه البيهقي في "دلائله" في آخر باب جامع صفته من حديث عائشة- رضي الله عنها-.

والترمذي: كالتفاحة. ولابن إسحاق: كبضعة ناشزة من لحم كلون بدنه. وليحيى بن مالك بن عائذ: كان نورا يتلألأ. قال: ولما شق صدره ختم بخاتم له شعاع بين كتفيه وثدييه وجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- برده زمانا.

ولأبي عبد الله القضاعي في "تاريخه" كانت ثلاث شعرات مجتمعات، وقيل كان خيلانا مجتمعة، وفي "المستدرك" مصححا: كان شعرا مجتمعا.

[ ص: 124 ] وفي حديث عمرو بن أخطب عند ابن عساكر: كشيء يختم به مثل إنسان قال بظفره عليه.

وفي "صحيح ابن حبان" من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما-: مثل البندقة من لحم مكتوب فيه: محمد رسول الله.

وللترمذي الحكيم: كبيضة حمام مكتوب في باطنها: الله وحده لا شريك له وفي ظاهرها: توجه حيث شئت فإنك منصور.

ولأحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل في السيرة: عذرة كعذرة الحمامة. قال أبو أيوب أحد رواته: يعني قرطمة الحمامة وهي التي بجانب أنفها.

وللحاكم في "تاريخ نيسابور" عن عائشة- رضي الله عنها-: كتينة صغيرة تضرب إلى الدهمة، وكان مما يلي الفقار، قالت: فلمسته حين توفي فوجدته قد رفع.

وفي "دلائل البيهقي": لما شكوا في موته وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه فوجدت الخاتم قد رفع قالت: قد توفي.

وفي "دلائل أبي نعيم": أنه- عليه السلام- لما ولد ذكرت أمه أن الملك غمسه في الماء الذي أتبعه ثلاث غمسات ثم أخرج سورة من حرير أبيض فإذا فيها خاتم، فضرب على أنفه كالبيضة المكنونة تضيء كالزهرة.

[ ص: 125 ] قال ابن عائذ: ولم يدر هل كان خاتم النبوة خلق به أم وضع فيه بعد ما ولد وحين نبئ. وقد أسند عن أبي ذر- رضي الله عنه-: أن ملكين وضعاه في بطنه ببطحاء مكة، ووهم القاضي ثم السهيلي قوله: ببطحاء مكة فإن هذا كان في بني سعد مع حليمة كما ذكره ابن إسحاق.

ونقل النووي عن القاضي أنه قال: هذا الخاتم هو أثر شق الملكين بين كتفيه، ثم قال: هذا الذي قاله ضعيف أو باطل؛ لأن شق الملكين إنما كان في صدره وبطنه، قال تعالى: ألم نشرح لك صدرك وفي الحديث: كان أثره خطا واضحا في صدره ولم يأت في شيء من الأحاديث أنه بلغ بالشق حتى نفذ إلى ظهره، ولو كان ذلك للزم أن يكون مستطيلا من بين كتفيه إلى أسفل من ذلك; لأنه الذي يحاذي الصدر من سرته إلى مراق بطنه.

فصل:

الحكمة في الخاتم على وجه الاعتبار أن قلبه لما ملئ حكمة وإيمانا - كما في الصحيح- ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكا أو درا، فجمع الله أجزاء النبوة له وتممه وختم عليه بخاتم، فلم يجد عدوه سبيلا إليه من أجل ذلك الختم لحراسته; لأن المختوم محروس، وكذا تدبير الله لنا في هذه الدنيا إذا وجد الشيء بختمه زال الشك،

[ ص: 126 ] وانقطع الخصام فيما بين الآدميين، فكذلك ختم رب العالمين في قلبه ختما تضامن له القلب وبقي النور فيه، ونفذت قوة القلب إلى الصلب وظهرت بين الكتفين كالبيضة، ومن أجل ذلك برز بالصدق على أهل الموقف وصارت له الشفاعة من بين الرسل بالمقام المحمود; لأن ثناء الصدق هو الذي استحقه إذ خصه ربه بما لم يخص به أحدا.

فصل:

إن قلت: ما الحكمة في كونه عند نغض كتفه؟

قلت: لقيام العصمة به، وذلك الموضع منه يوسوس الشيطان لابن آدم. وذكر ابن عبد البر عن ميمون بن مهران، عن عمر بن عبد العزيز أن رجلا سأل ربه سنة أن يريه موضع الشيطان منه فأري جسدا ممهى يرى داخله من خارجه ورأى الشيطان في صورة ضفدع عند نغض كتفه حذاء قلبه، له خرطوم كخرطوم البعوضة وقد أدخله في منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس إليه، فإذا ذكر الله العبد خنس.

التالي السابق


الخدمات العلمية