التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3435 3634 - حدثني عباس بن الوليد النرسي، حدثنا معتمر قال: سمعت أبي، حدثنا أبو عثمان قال: أنبئت أن جبريل- عليه السلام- أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- وعنده أم سلمة، فجعل يحدث ثم قام، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لأم سلمة: " من هذا؟". أو كما قال. قال: قالت: هذا دحية. قالت أم سلمة: وايم الله ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة نبي الله- صلى الله عليه وسلم- يخبر جبريل، أو كما قال. قال: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ قال: من أسامة بن زيد.


(باب) أي من أعلام نبوته أيضا. وذكر فيه ثلاثة أحاديث:

أحدها:

حديث عبد الله بن مسعود قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا، فنزل على أمية بن خلف أبي صفوان، وكان أمية إذا انطلق إلى الشأم فمر بالمدينة نزل على سعد، فقال أمية لسعد: انتظر حتى إذا انتصف النهار، وغفل الناس انطلقت فطفت، فإذا أبو جهل. وذكر فيه قتله ببدر.

وفيه: أنهم كانوا يعتمرون بالمدينة قبل أن يعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

وفيه: مؤاخاة المشركين.

وفيه: أمر أمية لسعد لا يرفع صوته على أبي جهل تلطفا منه; لئلا يلحقه مكروه.

وقوله: (فلما خرجوا إلى بدر جاءهم الصريخ) فيه تقديم وتأخير، وهو أن الصريخ جاءهم فخرجوا إلى بدر، أخبرهم أنه- عليه السلام- وأصحابه خرجوا إلى عير أبي سفيان، فخرجت قريش أشرين بطرين موقنين عند أنفسهم أنهم غالبون فكانوا ينحرون يوما عشرة من الإبل ويوما تسعة.

[ ص: 211 ] وقوله: (فتلاحيا) أي: تسابا. وقيل: تنازعا، وهو متقارب، ويأتي في غزوة بدر إن شاء الله.

فائدة:

أمية بن خلف هو ابن وهب بن حذافة بن جمح. ولما قال النضر بن الحارث العبدري: إن الملائكة بنات الله. فأنزل الله: قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين [الزخرف: 81] وقال: ألا ترونه قد صدقني؟ قال أمية له- وكان أفصح منه-: لا والله بل كذبك. فقال: ما كان للرحمن ولد.

ومظعون بن حبيب بن وهب ابن عم أمية بن خلف بن وهب. وعمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف على نسق مطعم بن مطعم بن مطعام بن مطعام، ليس في بيوت قريش مثلهم. وفي الأنصار قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن ساعدة بصيغة على نسق جواد بن جواد بن جواد، على سبعة ليس في العرب قابلته غيرهم نقلته من خط الدمياطي.

الحديث الثاني:

حدثني عبد الرحمن بن شيبة، حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة، عن أبيه، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "رأيت الناس مجتمعين في صعيد، فقام أبو بكر فنزع ذنوبا-أو ذنوبين- وفي بعض نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم أخذها عمر، فاستحالت بيده غربا، فلم أر عبقريا في الناس يفري فريه، حتى ضرب الناس بعطن".

[ ص: 212 ] وقال همام عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم-: "فنزع أبو بكر ذنوبين".


الشرح:

عبد الرحمن شيخ البخاري هو عبد الرحمن بن عبد الملك بن محمد بن شيبة، فشيبة جده الأعلى أبو مسلم القرشي الحزامي مولاهم المدني وروى النسائي عن رجل عنه.

وشيخه عبد الرحمن بن المغيرة هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد أبو القاسم الثقة، أخرج له أبو داود أيضا، ووالده عالم بالنسب يسمى قصيا ثقة، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي.

وابنه عبد الرحمن من فقهاء أهل المدينة.

وموسى بن عقبة إمام ثقة، وهذه رؤيا منام.

والذنوب: الدلو العظيم، قاله ابن فارس، وسلف بزيادة.

وقوله ("وفي نزعه ضعف") يريد ما قاله المسلمون في خلافته من أقوال المشركين.

وقوله ("والله يغفر له") أي قد غفر الله له، وقيل: ضعف نزعه اشتغاله بقتال أهل الردة فلم يتفرغ لفتح الأمصار وجباية الأموال وقصر مدته فإنها سنتان وثلاثة أشهر وعشرون يوما.

وقوله: ("ثم أخذها عمر") يعني: الخلافة، وممن صرح به الداودي.

والغرب: الدلو العظيمة يستقى بها البعير فهي أكبر من الذنوب. وقال الداودي: يعني: أحالت بباطن كفيه فصارت بها حمرة من كثرة

[ ص: 213 ] الاستقاء، وأنكره كثير من أهل العلم وجود نزعه طول أيامه وما فتح الله في عهده وأغنمه المسلمين.

وقوله: ("فلم أر عبقريا.. ") إلى آخره قال الخطابي: يقال في الشجاع: ما يفري أحد فريه مخففة الياء، ومن شدد أخطأ قالوا معناه: ما كل أحد يفري على عمله. قال الجوهري: فلان يفري الفرى إذا كان يأتي بالعجيب. والعبقري: الحاذق في عمله، وقيل: سيد القوم ومقدمهم، وقيل: أصل هذا كله: أرض تسكنها الجن، فصار مثلا إلى كل منسوب إلى شيء رفيع وقيل: هي قرية يعمل فيها النيات الحسنة; فنسب إليها كل شيء جيد، وقيل: كل شيء بلغ النهاية في الخير والشر. ذكره الخطابي.

وقوله: ("حتى ضرب الناس بعطن") يقول: حتى أتى الإبل الماء يعني: تشربه في منازلها من غير أن تشاق فيه، فتشربه، والعطن: مناخ الإبل إذا صدرت عن الماء.

الحديث الثالث:

حدثني عباس بن الوليد النرسي، ثنا معتمر، عن أبيه ثنا أبو عثمان قال: أنبئت أن جبريل أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- وعنده أم سلمة، فجعل يحدث ثم قام، فقال لأم سلمة: "من هذا؟". أو كما قال. قالت: هذا دحية. قالت أم سلمة: ايم الله ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة نبي الله- صلى الله عليه وسلم- يخبر جبريل، أو كما قال. قال: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ قال: من أسامة بن زيد.

[ ص: 214 ] هذا الحديث يأتي في فضائل القرآن أيضا، وأخرجه مسلم في فضائل أم سلمة.

وفيه: تمثله- عليه السلام- بدحية فظهر ذلك لخبره- عليه السلام- وربما لم يره إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-; ولهذا قالت عائشة- رضي الله عنها- لما أقرأها سلامه: ترى ما لا نرى.

ووجه إيراد البخاري هذا الحديث هنا; لأنه هو الذي كان يخبره بالمغيبات فكان علما من أعلام نبوته. قال ابن التين: وإتيانه إما أن يكون من وراء حجاب أو قبل نزول الحجاب.

فائدة:

شيخ البخاري كنيته أبو الفضل، وجده بصري، روى له مسلم أيضا والنسائي، وهو صدوق تكلم فيه، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وابن عمه عبد الأعلى مات قبله سنة سبع وثلاثين. ومعتمر هو ابن سليمان التيمي كان رأسا في العلم والعبادة كأبيه مات سنة سبع وثمانين ومائة. ووالده سليمان بن طرخان التيمي نزل فيهم بالبصرة من السادة، تابعي مات سنة ثلاث وأربعين ومائة. وأبو عثمان هو النهدي واسمه عبد الرحمن بن مل سلف وكني في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[ ص: 215 ] بسم الله الرحمن الرحيم

التالي السابق


الخدمات العلمية