التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3453 3653 - حدثنا محمد بن سنان، حدثنا همام، عن ثابت، عن أنس، عن أبي بكر- رضي الله عنه- قال: قلت للنبي- صلى الله عليه وسلم- وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: " ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما". [3922، 4663- مسلم: 2381- فتح: 7 \ 8]


ثم ذكر حديث إسرائيل-هو: ابن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله أخو عيسى- عن أبي إسحاق هو الهمداني عمرو بن عبد الله السبيعي- عن البراء قال: اشترى أبو بكر- رضي الله عنه- من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما، فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمل إلي رحلي. فقال عازب: لا، حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين خرجتما من مكة.. وفي آخره: فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له، فقلت: هذا الطلب قد لحقنا. فقال: "لا تحزن إن الله معنا".

وقد سلف قريبا.

وحديث أنس عن أبي بكر- رضي الله عنه- قال: قلت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر (إلى) تحت قدميه لأبصرنا. فقال: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟!".

و(عازب) هو بن الحارث، والد البراء. قال الواقدي: لم يسمع له ذكر في المغازي.

[ ص: 242 ] الشرح:

أبو بكر الصديق، اسمه: عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي، يلتقي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مرة، ولقبه: عتيق، وكان اسمه في الجاهلية، عبد الكعبة، قالت له أمه:


يا رب عبد الكعبه اسمع به يا ربه



فهو بصخر اشبه

وسمي في الإسلام عبد الله، سمي الصديق لتصديقه برسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

ذكر ابن سعد أنه- صلى الله عليه وسلم- لما أسري به قال لجبريل: إن قومي لا يصدقوني، فقال له جبريل: يصدقك أبو بكر وهو الصديق، وقال علي- رضي الله عنه-: سماه الله على لسان نبيه صديقا، وكان يسمى أيضا: الأواه، فيما قاله إبراهيم النخعي، ولقب: بعتيق لعتاقة وجهه بجماله; أو لأنه ليس في نسبه ما يعاب به; أو لأنه عتيق من النار، أو لأنه قديم في الخير، وكان له أخوان معتق ومعتق، قالته عائشة فيما حكاه الزمخشري في "ربيعه"، وقال أبو طلحة: سمي عتيقا; لأن أمه كان لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، ثم قالت: اللهم هذا عتيقك من الموت فهبه لي، قال ابن المعلى: وكانت أمه إذا نقزته، قالت:


عتيق يا عتيق     ذو المنظر الأنيق
رشفت منه ريق     كالزرنب العتيق



وفي "وشاح ابن دريد" كان يلقب ذا الخلال لعباءة كان يخلها على صدره، قال السهيلي: وكان يلقب أمير الشاكرين، فهذه خمسة له.

[ ص: 243 ] أمه: أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم، وعند ابن سعد كما قال: وذكر ابن إسحاق: أن أباه كان يسمى عتيقا، ولم ينقل هذا غيره، وكان أبوه يلقب شارب الذهب لكثرة نفقاته.

وهو خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وادعى ابن خالويه في كتاب: "ليس" أنه خالفته لا خليفته; لأن الخالفة الذي يكون بعد الرئيس الأول قالوا له: يا خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إني لست خليفته، ولكن خالفته، كنت بعده، أي: بقيت بعده، واستخلفت فلانا جعلته خليفتي، وقد سلف الرد عليه.

الحديثان فيهما منقبة ظاهرة للصديق في قوله: ("لا تحزن إن الله معنا") وقوله: ("ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما"). وقول عازب: (لا حتى تحدثنا). استدل به-كما قاله الخطابي- بعض العلماء على جواز ما يأخذه شيوخ السوء من المحدثين على الحديث، وذلك أن عازبا لم يحمل رحله إلى بيته حتى حدثه الصديق بقص مخرجه مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة ولم يكن هذا من الصديق، ولا من عازب على مذهب هؤلاء، فإن هؤلاء القوم إنما اتخذوا الحديث بضاعة يبيعونها، ويأخذون عليها أجرا، فهو كشرط معلوم لهم في أن لا يتحدثوا إلا بجعل.

وكان مما التمسه الصديق من حمل الرحل من باب المعروف والعادة المعروفة في فعل الشيء الذي له ثقل أو عظم حجم أن يحمله تلامذة

[ ص: 244 ] التجار وخدمهم إلى رحل المبتاع، ومن المعروف أيضا في ذلك أنهم يسألون عن ذلك أجرا، وكل ذلك يجري مجرى العرف الدائر بينهم، والمستحسن في عاداتهم إلا أن عازبا لحرصه على معرفة القصة في مخرجه مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واستفادته علمها تعجل الفائدة، وقدم المسألة فيها، ولو لم يكن هناك الحمل المذكور; لكان الصديق لا يمنعه الفائدة من علم القصة فهل يسمح شيوخ السوء مما عندهم من الأحاديث إذا لم يرشوا، والقدوة في هذا قوله تعالى: اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون [يس: 21]، وقوله: لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله [هود: 29]، وشبه ذلك من الآي، ولقوله: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه [آل عمران: 187]. وقوله- صلى الله عليه وسلم-: "من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار"، ثم هو عامة مذهب السلف، والمرضيين من الخلف.

قوله: (حتى أظهرنا) كذا عند أبي ذر بالألف، وأسقطها غيره، والصواب الأول، أي: صرنا في وقت الظهر، وقيل: إذا ساروا في وقت الظهر.

وقوله: (قلت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا) أي: لو جلس وقرب وجهه من الأرض عند قدميه لأبصرنا، وفي رواية: أن رجلا كشف عن فرجه، وجلس يبول، فقال أبو بكر: رآنا يا نبي الله، فقال- صلى الله عليه وسلم-: "لو رآنا لم يكشف عن فرجه".

[ ص: 245 ] فصل:

وقيل في قوله: فأنزل الله سكينته عليه [التوبة: 40]: أي: على الصديق، وأما الشارع فلا زالت عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية