التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3475 3678 - حدثني محمد بن يزيد الكوفي، حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه، فخنقه به خنقا شديدا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم [غافر: 28] [3856، 4815- مسلم: 2386- فتح: 7 \ 22]


ذكر فيه سبعة عشر حديثا:

أحدها:

حديث جبير بن مطعم عن أبيه قال: أتت امرأة النبي- صلى الله عليه وسلم- فأمرها أن ترجع إليه. قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ كأنها تقول: الموت. قال- عليه السلام-: "إن لم تجديني فأتي أبا بكر".

وهو كالصريح في استخلافه بعد ولا شك في إيمانه، وهو راد لقول الشيعة أنه نص على علي، وقول الرافضة أنه نص على العباس فيما حكاه الباقلاني في كتابه "فضائل الأئمة".

الحديث الثاني:

حديث عمار بن ياسر: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر.

يريد-والله أعلم- عمار نفسه وزيد بن حارثة وبلالا وعامر بن فهيرة وشقران، والمرأتان خديجة وأم الفضل لبابة الكبرى، بنت الحارث الهلالية، زوج العباس.

وفيه دلالة على قدم إسلام الصديق، وسيأتي، والأكثر على أنه أول

[ ص: 260 ] من آمن من الرجال،
قال حسان بن ثابت:


إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا     الثاني التالي المحمود شيمته
وأول الناس من قد صدق الرسلا



والذي قاله عمار هو الذي حفظ، وقد قال سعد: أقمت سبعا وأنا ثلث الإسلام، (...) من يصدقون من أسلم يعني: من الرجال ولا يتأتى ذلك في حديث عمار هذا.

الحديث الثالث:

حديث أبي الدرداء- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا عند النبي- صلى الله عليه وسلم- إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال- عليه السلام-: "أما صاحبكم فقد غامر..". الحديث أخرجه من حديث زيد بن واقد، عن بسر بن عبيد الله، عن عائذ الله أبي إدريس الخولاني عنه، وليس له عنده غيره وهو حديث عزيز.

و("غامر") بغين معجمة، وبعد الميم راء أي: خاصم غيره، ودخل في غمرة الخصومة، وهي معظمها كغمر الماء وغمر الحرب ونحوهما، والغامر الذي يرمي بنفسه في الأمور والحروب، وقيل: هو من الغمر وهو الحقد أي: حاقد غمرة، وقيل: من المعاجلة أي: تنازع، وقد غاضب، أي: فاعل من الغمر فرجع إلى الذي قبله.

وقوله: (فجعل وجه النبي- صلى الله عليه وسلم- يتمعر) أي: يتغير من الضمير، وأصله من قولهم: أمعر المكان إذا جدب، يريد أنه قد ذهب نضارته ورونقه، فصار كالمكان الأمعر.

[ ص: 261 ] وفيه: أن الرجل لا يقاوم من هو أفضل منه، ومدح المرء في وجهه إذا أمن عليه الاغترار.

وفيه: أن المرء لا يكاد يعفو عند الغضب، وأن الصالح إذا كانت منه هفوة يذكر لقوله تعالى: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا [الأعراف: 201] الآية.

وفيه: سؤال الاستغفار والتحلل من الظلم، وفي بعض الحديث أن عمر- رضي الله عنه- قال: كنت أدارئ منه بعض الحد.

وفي حديث آخر: بعض الحدة. وفي حديث آخر: "الحدة تعتري خيار أمتي".

وفيه: منقبة ظاهرة للصديق في قوله: "إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت. وقال أبو بكر: صدقت. وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ " مرتين. فما أوذي بعدها.

الحديث الرابع:

حديث عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنه- عليه السلام- بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة". فقلت: من الرجال؟ فقال: "أبوها". قلت: ثم من؟ قال: "ثم عمر بن الخطاب". فعد رجالا.

هذا الحديث يأتي في المغازي إن شاء الله.

[ ص: 262 ] قال في غير هذه الرواية: حدثت النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى ظننت أني أحب الناس إليه، فسألته فذكره.

وغزوة ذات السلاسل بفتح السين الأولى، واقتصر صاحب "النهاية" على ضمها، وكانت سنة سبع كما صححه ابن أبي خالد في "تاريخه".

وقال ابن سعد والحاكم: سنة ثمان في جمادى الآخرة بعد إسلامه بسنة.

وهي من قضاعة، وكتب عمرو إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يستمده، فأمده بنفر من المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر، وأميرهم أبو عبيدة.

وذكر ابن إسحاق أن أم العاصي بن وائل كانت من بلي، فبعثه- صلى الله عليه وسلم- على العرب يستنفر الإسلام لذلك حتى إذا كان بماء بأرض جذام.

وعند يونس، عن ابن شهاب قال: هي مشارف الشام إلى بلي وسعد الله، ومن يليهم من قضاعة، وكندة وبلقين، وصحنان كفار العرب، ويقال لها: بدر الأخيرة.

قال ابن سعد: وهي وراء وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أيام، بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن جمعا قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعقد له لواء أبيض وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، وأمره أن يستعين بمن مر به من بلي وعذرة وبلقين، فلما قرب من القوم بلغه جمعهم، فأرسل

[ ص: 263 ] رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يستمده فبعث أبا عبيدة في مائتين.

وفي بعض الحديث أن عمرا نهى الناس ليلة أن يوقدوا النار، فأرسل أبو بكر إليه عمر، فقال: سله لم يمنع الناس أن يوقدوا النار وهم في شدة البرد؟ وسله متى يرتحل؟ فذكر ذلك له عمر فقال: ما كان أخرجني إلا الاصطلاء، وإن سمعت رغاء الإبل فشأنك فأخبر عمر أبا بكر فغضب أبو بكر وذهب إليه يسير، فلما سمعه عمرو توارى منه، فلما أصبح قال له: يا أبا بكر، ألست أميرك؟ قال: أرسلت إليك لتخبره فلم تفعل. قال: أما منع الناس النار; فلئلا يكون علينا من المشركين عين، فيعلموا كيف نحن، وخشيت إن ذكرت متى الرحيل أن يسبق الخبر.

ولما صالحهم عظيم مصر أول مرة شرط عليهم أن يطعم عسكره ثلاثة أيام، فأمر أصحابه أن يلتحفوا بالأكسية على القمص، وأن يملئوا أكفهم بالثريد وينثروه نثرا، وكانوا فقهوا إليهم في غير ذلك الرأي وقال لهم: إذا سألوكم فقولوا: إنا نحن أهل الحرب، وأولئك أهل الرأي، وهم لا يستحبون طعامكم، فلما بلغوا سأل عمرو الطاغية: ما الذي أنفق عليهم في ذلك اليوم؟ فذكر مالا وزاد في القول ليتجمل في ذلك، ويستكثر، فقال له: اجعل اليومين الباقيين مالا فإن أصحابي لم يرضوا طعامك.

الحديث الخامس:

حديث أبا هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "بينما راع

[ ص: 264 ] في غنمه عدا عليه الذئب.. " الحديث سلف في المزارعة.

وفيه: أن الله لا يأخذ أحدا بذنب أحد إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسل والأنبياء والآيات، وبالعلماء عند انقطاع الوحي.

وقوله: "فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر" يعني: أنهم أول من يؤمن به إذ جاءهم الرسول من غير أن يتعجبوا كما تعجب غيرهم.

الحديث السادس:

حديث ابن المسيب، سمع أبا هريرة- رضي الله عنه-: "بينا أنا نائم رأيتني على قليب.. " الحديث سلف قريبا قبل باب قول الله تعالى: يعرفونه من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- ثم قال: وقال همام عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم-: "فنزع أبو بكر ذنوبين".

والقليب: البئر قبل أن تطوى يذكر ويؤنث، قاله الجوهري، وقال أبو عبيد: هي البئر العادية القديمة، قال القزاز: فإذا طويت فهي الطوي، وجمع القليب: أقلبة، والكثرة: قلب، وفي "المجمل": القليب مذكر فإذا طويت فهي الطوي.

والذنوب: الدلو العظمية، ولا يقال لها: ذنوب إلا وفيها ماء كما قاله ابن عزيز، وقال الجوهري: هي الدلو المملوءة، قال: عن ابن السكيت أو قريب من الملء، فإن لم يكن فيها ماء، فلا يسمى ذنوبا، وقيدها أبو عبد الملك، فإنها الدلو الكبيرة.

[ ص: 265 ] والغرب: كل شيء رفيع، وكذا ابن فارس قال: إنها الدلو العظمية.

الحديث السابع:

حديث ابن عمر- رضي الله عنهما-: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة". فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إنك لست تصنع ذلك خيلاء"

فيه: منقبة ظاهرة للصديق بشهادة الشارع له بذلك.

الحديث الثامن:

حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-: "من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله.. ".

الحديث سلف، وقوله ("في شيء من الأشياء")، يعني: فرسين أو بعيرين، أو دينارين.

الحديث التاسع:

حديث عائشة- رضي الله عنها- أنه- صلى الله عليه وسلم- مات وأبو بكر بالسنح.. قال إسماعيل: يعني: بالعالية. الحديث بطوله.

السنح: بضم أوله وثانيه، وقد تسكن النون كما قال الحازمي، وكذا كان يقولها بالإسكان كما حكاه عياض، منازل بني الحارث بالعوالي من الخزرج من عوالي المدينة. قال البكري: بينه وبين منزل النبي- صلى الله عليه وسلم- ميل، وبه ولد عبد الله بن الزبير كان الصديق نازلا هناك ومعه أسماء ابنته، سكنه لما تزوج ابنة خارجة الأنصاري.

[ ص: 266 ] وقوله: (لا يذيقك الموتتين أبدا)، أي: ليس عليك بعد هذه الموتة كرب مقبورا، ولا عند نشرك، ولا في الموقف ولا في أحوال يوم القيامة كلها.

وقوله: ("على رسلك") هو بكسر الراء، أي: على هينتك.

وقوله: قد خلت من قبله الرسل أي: ماتوا وهو ولا بد ميت.

وقوله: أفإن مات أو قتل الآية، لما صرخ الشيطان يوم أحد: إن محمدا مات، فكاد يزيغ قلوب فريق، فعاتبهم الله في ذلك، وحذرهم أن ينقلبوا على أعقابهم عند موته.

وقوله: (فنشج الناس يبكون)، قال الخطابي: النشيج: بكاء معه صوت. وقيل: ترجيع كما يردد الصبي بكاءه في صدره.

وقال ابن فارس: نشج الباكي: غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب.

قال: والنحيب: بكاء مع صوت بإعوال. وكذا قال الجوهري: نشج الباكي ينشج نشجا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب.

وقوله: (فقالوا-يعني: الأنصار-: منا أمير ومنكم أمير) إنما قالوا على عادة العرب أن لا يسود القبيلة إلا رجل منهم، ولم يعلموا حينئذ أن حكم الإسلام بخلاف ذلك، فلما سمعوا أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: "الخلافة في قريش" أذعنوا لذلك فبايعوا الصديق.

[ ص: 267 ] وقيل: هي فريضة; لأن الفرائض تقوم بها; لأنها لم تتأخر عن وقت الحاجة إليها.

قلت: وهو الصواب فنصب الإمام ضروري لا يقوم المعاش إلا به.

وقوله: (ثم أوسط العرب دارا)، أي: مكة قاله الداودي، وقال الخطابي: أراد به سطة النسب، قال: ومعنى الدار: القبيلة، ومنه حديث: "خير دور الأنصار بنو النجار" يريد به خير قبائلهم.

وقوله: (وأعرقهم أحسابا)، هو بالقاف، وفي بعض نسخه: هو بالباء، وعليها مشى ابن التين قال: يريد أنهم أحسن شمائل وأنفالا بالعرب، قال: سمي النسب الآباء، والحسب: الأفعال مأخوذ من الحساب إذا حسبوا مناقبهم، فمن كان يعد لنفسه ولأبيه مناقب أكثر كان أحسب، والمراد بالرفيق الأعلى: الجنة.

الحديث العاشر:

حديث محمد ابن الحنفية: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين.

فيه: فضل ظاهر للصديق وأدب من علي- رضي الله عنهما- وهو مثل حديث عبد الله بن مسلمة قال: سمعت عليا- رضي الله عنه- ينادي على المنبر: ألا إن خير هذه الأمة أبو بكر ثم عمر ثم الله أعلم، ذكره ابن عبد البر، (وعند ابن خير) فيما ذكره ابن الجوزي في "مناقب عمر"- رضي الله عنه- قلت لعلي:

[ ص: 268 ] من أول الناس دخولا الجنة بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قال: أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما- قال: قلت: يدخلانها قبلك، قال: إي: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنهما ليأكلان من ثمارها ويتكئان على فرشها قبلي، وعن جعفر ابن محمد عن أبيه فيما ذكره أبو سعد إسماعيل بن علي في كتاب "الموافقة بين أهل البيت والصحابة": بينا علي بالكوفة إذ قال له رجل: يا خير الناس، قال: هل رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: لا، قال: أما إنك لو قلت: نعم، لضربت عنقك، قال: هل رأيت أبا بكر، وعمر- رضي الله عنهما- قال: لا قال: أما لو قلت: نعم لأوجعتك ضربا.

وفيه: من حديث عبد الرحمن بن أخي محمد بن المنكدر-وفيه: ضعف- عن عمه عن جابر- رضي الله عنه- قال عمر ذات يوم لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال أبو بكر: أما قد قلت ذاك، لقد سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما طلعت الشمس على خير من عمر".

وذكر عبد الله بن أحمد في "فضائل عثمان" من حديث إبراهيم بن عمر بن أبان حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن ربيعة، عن أبيه، عن أم سلمة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (قال يوما رأى رجلا صالحا) فقال أصحابه: قلنا في أصحابنا يعني: نفسه كأن دلوا هبط من السماء فشرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (غير) جرع، ونصف جرعة ثم ناوله عثمان فشرب منه ثنتي عشرة جرعة، ثم رفع الدلو إلى السماء.

[ ص: 269 ] الحديث الحادي عشر:

حديث عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء.. فذكرت حديث التيمم.

وقد سلف في بابه، وإقامته- صلى الله عليه وسلم- ويحتمل أن يكون وهو لا يعلم عدم الماء، ويحتمل أن يكون مع تقدمه لطلب العقد فيكون في ذلك حفظ المال، وإن أدى ذلك إلى عدم الماء والاضطرار، أو إلى أداء الصلاة بالتيمم، ويجوز له أيضا سلوك طريق يتيقن فيه عدم الماء طلبا للمال قياسا على هذا; لأن مروره أجوز من مقامه، ونحو هذا في "المبسوط" لمحمد بن سلمة المالكي.

وقولها: (وجعل يطعن بيده في خاصرتي)، هو بضم العين، يقال: طعن يطعن بالضم، وطعن بالقول يطعن بالفتح، قاله بعض أهل اللغة.

الحديث الثاني عشر:

حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه-: "لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".

تابعه جرير، وعبد الله بن داود، وأبو معاوية، ومحاضر، عن الأعمش. أي عن ذكوان، عن أبي سعيد.

والبخاري أخرج الأول عن آدم بن أبي إياس، عن شعبة، عن الأعمش.

وقد سلف حقيقة الصحابي.

والنصيف: النصف، مثل: العشر، والعشير والثمن والثمين، ومعناه: أن المد ونصفه ينفقه الواحد منهم أفضل من الكبير ينفقه أحدكم مع السعة والوجدان، وقيل: النصيف هنا مكيال يكال به، قال

[ ص: 270 ] الخطابي: ويروى: مد أحدكم بفتح الميم يريد الفضل والطول، وذكر أنه قال هذا لخالد مع رجل من السابقين الأولين، فإذا كان هذا التفاضل في الصحابة كان بعدهم أكبر.

الحديث الثالث عشر:

قال البخاري: حدثنا محمد بن مسكين أبو الحسن، حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا سليمان، عن شريك بن أبي نمر، عن سعيد بن المسيب، أخبرني أبو موسى الأشعري أنه توضأ في بيته ثم خرج، فقلت: لألزمن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولأكونن معه يومي هذا. قال: فجاء المسجد، فسأل عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: خرج ووجه ههنا، فخرجت على إثره أسأل عنه، حتى دخل بئر أريس، فذكر دخول الصديق وعمر وعثمان وبشرهم بالجنة، وفي آخره: قال سعيد بن المسيب: فأولتها: قبورهم.

الشرح:

أبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار أمير زبيد والعدن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأمير البصرة والكوفة، مات سنة أربع وأربعين، وادعى الواقدي أنه كان حليفا لبني سعيد بن الغافقي، وأنه أسلم بمكة، وهاجر إلى الحبشة، ثم قدم عام خيبر.

وشريك بن أبي نمر: هو أبو عبد الله شريك بن عبد الله بن أبي نمر، مات سنة أربعين ومائة، وقد أنكر عليه وعلى مسلم إخراج حديثه في الإسراء، وفيه: كان نائما قبل أن يوحى إليه.

[ ص: 271 ] وقال النسائي: ليس بالقوي.

ويحيى بن حسان، التنيسي مات سنة ثمان ومائتين. وشيخ البخاري نميلة اليمامي بصري.

وفيه من الفوائد:

أن المرء يكون بوابا للإمام، وإن لم يأمره، وفي رواية له في مناقب عثمان: أنه أمره أن يحفظ الباب، وفي هذا مختلف الحديث كما قال الداودي، وقد يقوله أبو موسى في نفسه ثم يستأذنه، فيأمره بحفظ، فلا اختلاف.

وفيه: حركة الباب ودفعه لمن يستأذن، ويحتمل أن يكون هذا قبل الاستئذان.

وفيه: منقبة لهؤلاء الصحابة حيث بشرهم بالجنة، ولعثمان بزيادة الابتلاء، وقد وقع كما أخبر.

وبئر أريس: بفتح أوله وكسر ثانيه، ثم ياء مثناة تحت، ثم سين مهملة بالمدينة، وهو الذي وقع فيه الخاتم من يد عثمان- رضي الله عنه-.

والقف: بقاف مضمومة، ثم فاء: الدكة التي جعلت حول البئر، وأصله ما غلظ من الأرض وارتفع، والجمع قفاف، قال أبو موسى المديني: ولم يكن جبلا، والقف: اليابس ويحتمل أن يكون سمي به; لأن ما ارتفع حول البئر دون غيره عاليا.

[ ص: 272 ] وجاء من حديث أنس- رضي الله عنه- أن عثمان لما دخل غطى فخذه، وقال: "ألا أستحي من رجل استحيت منه الملائكة".

الحديث الرابع عشر:

حديث قتادة، أن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنه- صلى الله عليه وسلم- صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال: "اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان".

فيه: فضل ظاهر لهم، وقد وقع كما أخبر.

وقوله: (وأبو بكر) هو مرفوع عطفا على الضمير الذي في صعد، وهو جائز; لأنه عطف على الضمير المرفوع بعد حائل وهو قوله: "أحد".

الحديث الخامس عشر:

حديث صخر-وهو ابن جويرية، أبو نافع البصري التميمي وقيل: النميري مولاهم- عن نافع، أن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "بينما أنا على بئر أنزع منها جاءني أبو بكر وعمر، فأخذ أبو بكر الدلو.. " وفي آخره: قال وهب: العطن: مبرك الإبل، يقول: حتى رويت الإبل فأناخت.

وقد سلف، وشيخ البخاري أحمد بن سعيد بن إبراهيم، أبو عبد الله المروزي الرباطي الأشقر مات سنة ست، أو ثلاث وأربعين ومائتين، وشيخه: وهب بن جرير، هو أبو العباس مات آخر سنة ست وأول سنة سبع ومائتين.

وقوله: ("يفري فريه"): روينا: (فريه) بكسر الراء وإسكانها،

[ ص: 273 ] وأنكره الخليل وغلط قائله، ومعناه: يعمل عمله، ويقوى قوته، يقال: فلان يفري الفري أي: يعمل العمل البالغ، ومنه قوله: لقد جئت شيئا فريا [مريم: 27].

وقوله: (فأناخت) كذا هو في الأصل، وعليه علامة ضبة، يقال: أنخت الجمل فاستناخ: أبركته فبرك، وتنوخ الجمل الناقة: أناخها ليضربها.

الحديث السادس عشر:

حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: إني لواقف في قوم، قد دعوا الله لعمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وقد وضع على سريره، إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي، يقول: يرحمك الله، إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك، لأني كثيرا ما كنت أسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "كنت وأبو بكر وعمر، وفعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر" فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما. فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب.

قوله: ("كنت وأبو بكر وعمر")، فيه العطف بدون تأكيد والأحسن خلافه، ومنعه بعضهم، وهذا الحديث يرد عليهم، وكذا قوله: ما أشركنا ولا آباؤنا [الأنعام: 148]

فإن قلت: قد حال (لا) وأجيب: بأنه قد حصل العطف قبل دخول (لا).

الحديث السابع عشر:

حدثني محمد بن يزيد الكوفي، حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن عروة بن الزبير قال:

[ ص: 274 ] سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه، فخنقه به خنقا شديدا، فجاء أبو بكر- رضي الله عنه- حتى دفعه عنه، فقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم .

قال أبو علي: هكذا هذا الإسناد في رواية أبي زيد، وأبي أحمد عن الفربري، عن محمد بن يزيد قال الكلاباذي والحاكم: ليس هذا بأبي هشام محمد بن يزيد بن رفاعة الرفاعي وعند ابن السكن عن الفربري: محمد بن كثير الكوفي بدل ابن يزيد وأراه وهما، والقول رواية أبي زيد ومن تابعه، وسيأتي الحديث في المبعث والتفسير إن شاء الله تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية