التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
318 [ ص: 114 ] 23 - باب: شهود الحائض العيدين، ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى

324 - حدثنا محمد -هو ابن سلام- قال: أخبرنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن حفصة قالت: كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين، فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف، فحدثت عن أختها، وكان زوج أختها غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثنتي عشرة، وكانت أختي معه في ست. قالت: كنا نداوي الكلمى، ونقوم على المرضى، فسألت أختي النبي - صلى الله عليه وسلم: أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: " لتلبسها صاحبتها من جلبابها، ولتشهد الخير ودعوة المسلمين". فلما قدمت أم عطية سألتها: أسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: بأبي نعم -وكانت لا تذكره إلا قالت: بأبي- سمعته يقول: "يخرج العواتق وذوات الخدور -أو العواتق ذوات الخدور والحيض- وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزل الحيض المصلى". قالت حفصة: فقلت: الحيض! فقالت: أليس تشهد عرفة وكذا وكذا؟ [351، 171، 974، 180، 181، 1652 - مسلم: 890 - فتح: 1 \ 423] .


حدثنا محمد -هو ابن سلام- ثنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن حفصة قالت: كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين، فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف، فحدثت عن أختها، وكان زوج أختها غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثنتي عشرة، وكانت أختي معه في ست. قالت: كنا نداوي الكلمى، ونقوم على المرضى، فسألت أختي النبي - صلى الله عليه وسلم: أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: "لتلبسها صاحبتها من جلبابها، ولتشهد الخير ودعوة المسلمين". فلما قدمت أم عطية سألتها: أسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: بأبي نعم -وكانت لا تذكره إلا قالت: بأبي- سمعته يقول: "يخرج العواتق وذوات الخدور - أو [ ص: 115 ] العواتق ذوات الخدور والحيض- وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزل الحيض المصلى". قالت حفصة: فقلت: الحيض! فقالت: أليس تشهد عرفة وكذا وكذا؟ الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري في ثلاثة مواضع أخر أول كتاب الصلاة، وصلاة العيدين، والحج، وأخرجه مسلم في الصلاة.

ثانيها:

هذه الأخت هي أم عطية الأنصارية، ورواه أبو داود والترمذي في الصلاة، والنسائي وابن ماجه في الطهارة، وفي الباب عن ابن عباس وجابر، وأورده الإسماعيلي من حديث حفصة عن أم عطية، وعن امرأة أخرى، وقدومها كان بالبصرة؛ كذا جاء مبينا في رواية: وقصر بني خلف بالبصرة ينسب إلى خلف جد طلحة الطلحات بن عبد الله بن خلف الخزاعي.

وقولها: (في ست) أي: ست غزوات، وروى الطبراني أنها غزت معه سبعا.

[ ص: 116 ] ثالثها:

(العواتق) جمع عاتق: الجارية البالغة، وعتقت: بلغت، وقيل: التي قاربت البلوغ. وقيل: هي التي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس ما لم تتزوج.

والتعنيس: طول المقام في بيت أبيها بلا زواج حتى تطعن في السن.

سميت عاتقا؛ لأنها عتقت من أبيها امتهانها في الخدمة والخروج في الحوائج. وقيل: لأنها قاربت أن تتزوج، فتعتق من أسر أبويها وأهلها، وتشتغل في بيت زوجها.

وقيل: من العتق الكريم، فإنها أكرم ما تكون عند أهلها.

رابعها:

الكلمى: جمع كليم، وهو الجريح، فعيل بمعنى مفعول.

(والجلباب): الإزار أو الملحفة أو الخمار أو أقصوصة وأعرض، وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها أقوال. وقيل: ثوب واسع دون الرداء تغطي به المرأة ظهرها وصدرها. وقال في "المحكم": الجلباب: القميص.

وقوله: (من جلبابها): قيل: أراد به الجنس. أي: تعيرها من جلابيبها كما روي، وعلى إرادة المواساة فيه، وأنه واحد ويشهد له رواية: "تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها" أو يكون على طريق المبالغة أن يخرجن ولو اثنتان في جلباب.

خامسها:

قولها: (بأبي) الباء متعلقة بمحذوف، قيل: هو اسم. فيكون ما بعدها [ ص: 117 ] مرفوعا، تقديره: أنت مفدى بأبي وأمي. وقيل: هو فعل وما بعده منصوب، أي: فديتك بأبي وأمي، وحذف هذا المقدر تخفيفا لكثرة الاستعمال، وعلم المخاطب به.

وقد روي: بأبأه. وأصله بأبي. هو كما قال ابن الأثير، قال: ويقال: بأبأت الصبي. إذا قلت: بأبي أنت وأمي، فلما سكنت الياء قلبت ألفا.

وزعم ابن التين أن (بأبأ) معناه بأبي، وهما لغتان صحيحتان، والمعنى: فداك أبي، وجاء في رواية البخاري في الحج: بيبا. وفي الطبراني: بأبي هو وأمي. وفي لفظ. بأبأ.

وقال ابن بطال: قولها: (بأبأ) تريد بأبي، وهي لغة لبعض العرب.

قال: ويجوز بيبا بياء مخلصة، يريد: أبا، ثم يخفف الهمزة ويحذفها، وتلقى فتحتها على الياء.

سادسها:

(الخدور) بالخاء المعجمة: جمع خدر، ستر في ناحية البيت، وأبعد من قال: البيوت أو البيت. تجمع البكر وغيرها، ولا يعنون بذوات الخدور إلا الأبكار، فأمر الملازمات للبيوت المحجبات بالبروز إلى العيد، بخلاف قول المرجئة، وقيل: إنه السرير الذي يكون عليه قبة، وأصله الهودج.

[ ص: 118 ] سابعها:

الحديث دال على خروج النساء إلى صلاة العيد، واستثنى أصحابنا من ذلك ذوات الهيئات والمستحسنات، وأجابوا عن هذا الحديث بأن المفسدة في ذلك الزمن كانت مأمونة بخلاف اليوم، فقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل.

قال القاضي عياض: وقد اختلف السلف في خروجهن للعيدين، فرأى جماعة ذلك حقا عليهن، منهم: أبو بكر، وعلي، وابن عمر (في آخرين).

ومنهم من منعهن ذلك، منهم: عروة، والقاسم، ويحيى بن سعيد، ومالك، وأبو يوسف، وأجازه أبو حنيفة مرة ومنعه أخرى.

وفي الترمذي عن ابن المبارك: أكره الآن خروجهن في العيدين، فإن أبت ذلك فللزوج أن يمنعها. ويروى عن الثوري أنه كره اليوم خروجهن.

[ ص: 119 ] وحكى القرطبي عن قوم منع الشابة دون غيرها، منهم: عروة، والقاسم في رواية أخرى لهما.

ثامنها:

منع الحائض المصلى للتنزيه والصيانة والخلطة بالرجال من غير حاجة، وفيه وجه بعيد أنه للتحريم، والصواب الأول.

تاسعها:

لا يصح الاستدلال بهذا الأمر على وجوب صلاة العيدين والخروج إليها؛ لأنه إنما يوجه إلى من ليس بمكلف بالصلاة باتفاق، وإنما قصد به التدرب على الصلاة والمشاركة في الخير وإظهار جمال الإسلام لقلته إذ ذاك.

عاشرها:

فيه جواز استعارة الثياب للخروج إلى الطاعات، وغزو النساء المتجالات ومداواتهن لغير ذوي المحارم، وقبول خبر المرأة، وجواز النقل عمن لا يعرف اسمه من الصحابة خاصة إذا بين مسكنه ودل عليه، وغير ذلك من الفوائد التي بسطتها في شرح "العمدة".

التالي السابق


الخدمات العلمية