التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3593 3804 - حدثنا محمد بن عرعرة، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن أناسا نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأرسل إليه فجاء على حمار، فلما بلغ قريبا من المسجد قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "قوموا إلى خيركم" أو "سيدكم". فقال: " يا سعد، إن هؤلاء نزلوا على حكمك". قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم. قال: "حكمت بحكم الله" أو "بحكم الملك". [انظر: 3043- مسلم: 1768- فتح: 7 \ 123]


هو أبو عمرو سيد الأوس بدري كبير القدر، ووالده معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل.

[ ص: 404 ] ذكر البخاري فيه أحاديث:

أحدها:

حديث البراء- رضي الله عنه- يقول: أهديت للنبي- صلى الله عليه وسلم- حلة حرير، فجعل أصحابه يمسونها ويعجبون من لينها، قال: "أتعجبون من لين هذه؟! لمناديل سعد بن معاذ خير منها". أو "ألين".

رواه قتادة والزهري، سمعا أنسا، عن النبي- صلى الله عليه وسلم-.

وحديث قتادة سلف في باب: ما جاء في صفة الجنة مسندا، وفي موضع آخر، وقال سعيد عن قتادة، فذكره، وأخرجه ابن سعد، عن يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو، عن [واقد بن عمرو بن] سعد بن معاذ قال: دخلت على أنس فذكر لنا: "لمناديل سعد في الجنة أحسن ما ترون"، وهو منقبة ظاهرة له.

الحديث الثاني:

حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ". وعن الأعمش، ثنا أبو صالح، عن جابر، عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مثله.

فقال رجل لجابر: فإن البراء يقول: "اهتز السرير". فقال: إنه كان بين هذين الحيين ضغائن، سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ".

[ ص: 405 ] قد أسلفنا أن مالكا أنكر أن يتحدث بهذا الحديث.

ويتأول على وجهين:

أحدهما: أن العرش السرير الذي حمل عليه، وكان ذلك فضيلة له، كما تحرك حراء وفوقه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.

والثاني: أن المراد به عرش له، كما بينه في حديث جابر، والمراد به حملة العرش، وإنكار مالك ليس من جهة الإسناد، بل من جهة أنه لم يتعلق به علم شرعي فيخاض فيه.

ومعنى الاهتزاز هنا السرور والاستبشار، ومنه اهتز النبات إذا حسن واخضر، ومنه: فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ، ويجوز أن يكون ذلك علامة يعينها لموت ولي من أوليائه، ينبه به ملائكته، يشعرهم بفضله، ويجوز أن يكون ذلك من باب تفخيم الأمر وتعظيمه فنسب إلى أعظم الأشياء; تقول: قامت لموت فلان القيامة وأظلمت الأرض، وتأوله الهروي على فرح حملة العرش المحمول عليه.

[ ص: 406 ] وقول البراء: (اهتز السرير) أخذه من جهة التأويل، فإن العرش عند العرب السرير.

وقول جابر: (كان بين هذين الحيين) يريد الأوس والخزرج.

وسعد من الأوس، ويبعد على البراء ما حمل عليه جابر، وإنما تأول العرش السرير، كذا قاله ابن التين، وليس كما قال، فإن سعدا هو ابن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ابن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ابن حارثة، والبراء هو ابن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم ابن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك ابن الأوس.

فائدة:

أبو سفيان المذكور في الإسناد هو طلحة بن نافع القرشي المكي، سكن واسطا، انفرد به مسلم محتجا به.

وفيه: فضل بن مساور أبو المساور البصري من أفراد البخاري.

[ ص: 407 ] فائدة ثانية:

روى اهتزاز العرش لسعد جماعة غير جابر، منهم: أبو سعيد الخدري، وأسيد بن حضير، ورميثة، وأسماء بنت يزيد بن السكن، وعبد الله بن بدر، وابن عمر بلفظ: "اهتز العرش فرحا بسعد" ذكرها الحاكم، وحذيفة بن اليماني، وعائشة ذكرها ابن سعد والحسن ويزيد بن الأصم مرسلا، وسعد بن أبي وقاص ذكره أبو عروبة الخزاعي في "طبقاته" وفي "الإكليل" بإسناد جيد: أن جبريل أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- حين قبض سعد فقال: "من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واستبشر بموته أهلها؟ ".

وفي الترمذي مصححا عن أنس: لما حملت جنازة سعد قال المنافقون: ما أخف جنازته، وذلك لحكمه في بني قريظة فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن الملائكة كانت تحمله".

زاد أبو عروبة في "طبقاته": "اهتز لها عرش الرحمن". ولابن سعد لما قال المنافقون قال- صلى الله عليه وسلم-: "لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا جنازة سعد، ما وطئوا الأرض قبل اليوم".

[ ص: 408 ] وكان رجلا جسيما، وكان يفوح في قبره رائحة المسك، وأخذ إنسان قبضة من تراب قبره فذهب بها ثم نظر إليها بعد ذلك، فإذا هي مسك.

قال الحاكم في "الإكليل": والأحاديث التي تصرح باهتزاز العرش مخرجة في "الصحيح"، والتي تعارضها ليس لها في الصحيح ذكر.

فذكر حديث عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: "اهتز العرش فرحا بلقاء الله سعدا حتى سحب أعواده على عواتقنا". قال ابن عمر: يعني عرش سعد الذي يحمل عليه.

الحديث الثالث:

حديث أبي سعيد الخدري- صلى الله عليه وسلم- أن أناسا نزلوا على حكم سعد بن معاذ.. الحديث، سلف في الجهاد في باب: إذا نزل العدو على حكم رجل، ويأتي في المغازي أيضا.

وقوله: ("قوموا إلى خيركم وسيدكم") يعني: سعد بن معاذ كان سيد الأوس، ونقيب بني النجار، وكان أصابه سهم في أكحله يوم الخندق، وكان بينهم رمي بالنبل طائفة من النهار; فقال: لا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة فرقأ الدم، فلما حكم فيهم انفجر عرقه فمات منه.

وقوله: ("سيدكم") فيه جواز إطلاق ذلك، ويجوز أن يقال: سيد العبد، وكره مالك أن يدعى بيا سيدي. قاله الداودي. ولعله يريد غير العبد، كما قاله ابن التين، وقيل لمالك: هل كره أحد بالمدينة أن يقول لسيده: يا سيدي؟ قال: لا، قال تعالى: وألفيا سيدها لدى الباب

[ ص: 409 ] وقال تعالى وسيدا وحصورا وقيل: يقولون: السيد هو الله قال: أين هو في كتاب الله؟ وإنما في القرآن: ربنا ربنا.

وقوله: ("حكمت بحكم الله" أو "بحكم الملك") يروى بكسر اللام، يريد الله-عز وجل- وهو الصواب، وبفتحها يريد الملك الذي نزل بالوحي، وكانت بنو قريظة حلفاء قوم سعد، فرجوا أن يبقيهم فآثر الله ورسوله.

وفيه: من الفقه أن من نزل من أهل الكفر على حكم مسلم نفذ حكمه إذا وافق الحق.

التالي السابق


الخدمات العلمية