التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
23 23 - حدثنا محمد بن عبيد الله قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي، وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره". قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدين". [3691، 7008، 7009 - مسلم: 2390 - فتح: 1 \ 73]
ذكر فيه حديثين من طريق أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وإسنادهما جميعا كلهم مدنيون، وهو من الطرف اقتران إسنادين مدنيين من طريقة راو واحد.

نا إسماعيل حدثني مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. فيخرجون منها قد اسودوا، فيلقون في نهر الحيا- أو الحياة، شك مالك- فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية؟ ". قال وهيب: نا عمرو "الحياة". وقال: "خردل من خير".

[ ص: 580 ] هذا الحديث قطعة من حديث طويل أخرجه مسلم أيضا. وفيه بعد ذكر مر المؤمنين على الصراط: "فناج مسلم ومخدوش ومكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فيقول المؤمنون: يا ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فيخرجون خلقا كثيرا فيقولون: ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، فيقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا. ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا، ثم يقول الله: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما".

وذكر الحديث وسيأتي -إن شاء الله- في كتاب: التوحيد حيث ساقه البخاري، وقد أخرجه هنا عن إسماعيل، عن مالك، وفي صفة الجنة والنار عن موسى عن وهيب بن خالد، ورواه مسلم في الإيمان أيضا عن هارون عن ابن وهب، عن مالك، وعن أبي بكر، عن عفان، عن وهيب، وعن حجاج بن الشاعر، عن عمرو بن عوف، عن خالد (بن) عبد الله ثلاثتهم عن عمرو بن [ ص: 581 ] يحيى به، وعلا البخاري في هذا الحديث على مسلم برجل كما ترى، (وسيأتي إن شاء الله في كتاب التوحيد حيث ساقه البخاري).

الوجه الثاني: في التعريف برجاله:

وقد سلف التعريف بأبي سعيد ومالك.

وأما يحيى فهو ابن (عمارة) بن أبي حسن الأنصاري (المازني) المدني، سمع أبا سعيد وعبد الله بن زيد، وعنه: ابنه والزهري وغيرهما، وثقه النسائي وابن خراش.

وأما ابنه: فهو عمرو بن يحيى بن (عمارة) -ووقع بخط النووي في "شرحه": عثمان -وهو تحريف- ابن أبي حسن -تميم بن عمرو، وقيل: يحيى بن عمرو حكاه الذهبي في "الصحابة"- بن قيس بن محرث بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار الأنصاري المازني المدني.

روى عن أبيه وغيره (من) التابعين، وعنه: يحيى بن سعيد الأنصاري وغيره من التابعين وغيرهم، والأنصاري من أقرانه، وروى عن يحيى بن أبي كثير وهو من أقرانه أيضا، وثقه أبو حاتم والنسائي. مات سنة أربعين ومائة.

[ ص: 582 ] فائدة:

(عمارة) صحابي بدري عقبي، ذكره أبو موسى، وأبو عمر وفيه نظر، نعم أبوه صحابي عقبي بدري. قال ابن سعد: وشهد الخندق وما بعدها.

[ ص: 583 ] فائدة أخرى:

أم عمرو هي: أم النعمان بنت أبي حنة -بالنون- عمرو بن غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن (غنم) بن مازن بن النجار.

[ ص: 584 ] فائدة:

المازني -بالزاي والنون- نسبة إلى مازن قبائل وبطون (منها) مازن الأنصار.

وأما إسماعيل فهو: (ابن عبد الله بن عبد الله بن أويس) بن أبي عامر الأصبحي المدني -عم مالك بن أنس أخي الربيع، وأنس وأبي سهيل نافع، أولاد مالك بن أبي عامر -وإسماعيل هذا ابن أخت الإمام مالك بن أنس.

[ ص: 585 ] سمع خاله وأباه وأخاه عبد (الحميد) وغيرهم.

وعنه: الدارمي والبخاري ومسلم وغيرهم من الحفاظ.

وروى مسلم أيضا عن رجل عنه، وأخرج له أيضا أبو داود والترمذي وابن ماجه، ولم يخرج له (النسائي) ; لأنه ضعفه.

قال أبو حاتم: محله الصدق، وكان مغفلا، وقال يحيى بن معين: هو ووالده ضعيفان، وعنه: يسرقان الحديث، وعنه: إسماعيل صدوق ضعيف العقل ليس بذاك يعني (أنه) لا يحسن الحديث، ولا يعرف أن يؤديه أو يقرأ (من) غير كتابه، (وعنه: مخلط) يكذب ليس بشيء، وعنه: يساوي فلسين، وعنه: لا بأس به. وكذا قال أحمد.

قال أبو القاسم اللالكائي: بالغ النسائي في الكلام عليه بما يؤدي إلى تركه، ولعله بان له ما لم يبن لغيره; لأن كلام هؤلاء كلهم يئول إلى أنه ضعيف.

[ ص: 586 ] وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح.

وقال ابن عدي: روى عن خاله مالك أحاديث غرائب لا يتابعه أحد عليها.

وأثنى عليه ابن معين وأحمد، والبخاري (يحدث) عنه بالكثير، وهو خير من أبيه.

وقال الحاكم: عيب عليه وعلى مسلم إخراجهما حديثه، وقد احتجا به معا، (وغمزه) من يحتاج إلى كفيل في تعديل نفسه، وهو النضر بن سلمة، أي: فإنه قال: كذاب، هذا كلامه. وقد علمت أنه (قد) غمزه من لا يحتاج إلى كفيل، ومن قوله حجة مقبول كما سلف، وقد أخرجه البخاري عن غيره كما سلف، فاللين الذي فيه يجبر إذن.

مات سنة ست، ويقال: في رجب سنة سبع وعشرين ومائتين.

[ ص: 587 ] وأما وهيب: فهو ابن خالد بن عجلان الباهلي، مولاهم البصري أبو بكر صاحب الكرابيس، روى عن هشام وعمرو وغيرهما، وعنه القطان وابن مهدي وأبو داود الطيالسي، وخلق، ثقة بالاتفاق، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث حجة، وكان يملي من حفظه، مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة.

وكان قد سجن فذهب بصره، قال البخاري: حدثني أحمد بن أيوب قال: أخبرني غير واحد قالوا: مات وهيب بن خالد سنة خمس وستين ومائة.

الوجه الثالث: في ألفاظه ومعانيه:

الأول: المثقال: وزن مقدر، والله أعلم بقدره، وليس المراد المقدر، هذا المعلوم، فقد جاء مبينا، "وكان في قلبه من الخير ما يزن برة".

[ ص: 588 ] الثاني: الحبة من الخردل هنا مثل; ليكون عيارا في المعرفة، وليس بعيار في الوزن; لأن الإيمان ليس بجسم يحصره الوزن أو الكيل، ولكن ما يشكل من المعقول فإنه يرد إلى عيار المحسوس; ليفهم، قاله الخطابي.

وقال غيره: يجعل عمل العبد وهو عرض في جسم على مقدار العمل عند الله ثم يوزن، وفيه قوة لاسيما على من قال: إن المراد بالوزن الأعمال; لقوله: "من خير".

وقال إمام الحرمين : الوزن: الصحف المشتملة على الأعمال، والله تعالى يزنها على قدر أجور الأعمال، وما يتعلق بها من ثوابها وعقابها، وجاء به الشرع وليس في (العقل) ما يحيله. وقال غيره: للوزن معنيان:

أحدهما: هذا. والثاني: تمثل الأعراض بجواهر فيجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة، وفي كفة السيئات (سود) مظلمة.

[ ص: 589 ] وحكى الزجاج وغيره من المفسرين من أهل السنة أنه إنما (يوزن خواتيم) العمل، فإن كانت خاتمة عمله حسنا جوزي بخير، ومن كانت خاتمة عمله شرا جوزي بشر.

الثالث: المراد بحبة الخردل: زيادة على أصل التوحيد، وقد جاء في الصحيح بيان ذلك. ففي رواية فيه: " (فأخرجوا) من قال: لا إله إلا الله وعمل من الخير ما (يزن) كذا" ثم بعد هذا يخرج منها من لم يعمل خيرا قط غير التوحيد.

قال القاضي: هذا هو الصحيح أن معنى الخير هنا أمر زائد على الإيمان; لأن مجرده لا يتجزأ، إنما يتجزأ الأمر الزائد عليه، وهي الأعمال الصالحة من ذكر خفي، أو شفقة على مسكين، أو خوف من الله، ونية صادقة (في) عمل وشبهه. بدليل الرواية السالفة. وذكر القاضي عن قوم أن المعنى في قوله: "من إيمان ومن خير" وما جاء معه أي: من اليقين.

[ ص: 590 ] وذكره غيره إلا أنه قال: المراد ثواب الإيمان الذي هو التصديق، وبه يقع التفاضل فإن (أتبعه بالعمل) عظم ثوابه، وإن كان على خلاف ذلك نقص ثوابه فإن قلت: كيف يعلمون ما كان في قلوبهم في الدنيا من الإيمان ومقداره؟ قلت: لعله بعلامات كما يعلمون أنهم من أهل التوحيد (بدارات السجود).

الرابع: النهر بفتح الهاء، (وسكونها) لغتان.

فالمشهور في القراءة: فتحها، وقرأ حميد بن قيس [ ص: 591 ] بإسكانها، وأصله: الاتساع والسيلان، ومنه أنهر الدم، وجمعه أنهار ونهر -بضمتين- وقوله تعالى: في جنات ونهر [القمر: 54]، المراد به (الأنهار) فعبر بالواحد عن الجمع.

الخامس: (الحيا): مقصور ومده الأصيلي، ولا وجه له كما نبه عليه القاضي، والمراد: كل ما يحيا به الناس، والحيا: (المطر، والحيا: الخصب)، فيحيون بعد غسلهم فيها فلا يموتون، وتخصب أجسامهم.

السادس: صرح البخاري في روايته هنا بأن الشك من مالك، ولم يفصح به مسلم.

وقوله: (قال وهيب: حدثنا عمرو: "الحياة" معناه: قال وهيب بن خالد -وهو في درجة مالك-: نا عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد به. وقال فيه: نهر الحياة -بالهاء ولم يشك كما شك مالك، ويقرأ "الحياة" بالجر على الحكاية، وهذا التعليق من البخاري قد أسنده في باب: صفة الجنة والنار، لكنه قال: "حبة من خردل من إيمان" [ ص: 592 ] ولم يقل: "من خير" كما ساقها هنا عنه، وسقطت اللفظة بجملتها عند مسلم من طريق وهيب عن عمرو، واتفقا على لفظة: "من إيمان"، عند مالك.

السابع: الحبة -بكسر الحاء وتشديد الباء-، والكثير حبب -بكسر الحاء وفتح الباء المخففة- وهي: اسم لبذر العشب، هذا هو الصحيح من الأقوال. وعبارة بعضهم: أنه بذر البقول مما ليس بقوت، وعبارة "المحكم" أنها (بذور) البقول والرياحين. قال: واحدها حب، قال: وقيل: إذا كانت الحبوب مختلفة من كل شيء (شيء) (فهو) حبة، ثم حكى غير ذلك. ثم قال: وقال أبو حنيفة الدينوري : الحبة -بالكسر- جمع بذور النبات، واحدتها حبة -بالفتح-، عن الكسائي، قلت: والحبة بالفتح القطعة من الشيء، وبالضم مع تخفيف الباء اسم للحب الداخل في بطن العنب.

قال الحربي: ما كان من الحب له حب فاسم ذلك الحب حبة.

[ ص: 593 ] فإن قلت: لم شبههم في الحديث بالحبة؟ قلت: (لأوجه) : بياضها، وسرعة نباتها لأنها تنبت في يوم وليلة، وهو أسرع النبات، ومن حيث ضعف النبات.

الثامن: قوله: ("في جانب السيل")، كذا هنا، وجاء: "حميل" بدل "جانب "، وفي رواية وهيب: "حمأة السيل"، (والحميل بمعنى: المحمول)، وهو ما جاء به من طين أو غثاء، والحمأة: ما تغير لونه من الطين، وكله بمعنى، فإذا اتفق فيه حبة على شط مجراه فإنها تنبت سريعا، فأخبر بذلك عن سرعة نباتهم كما سلف.

[ ص: 594 ] التاسع: أتى البخاري بتعليق وهيب هنا; لفائدتين:

الأولى: أن فيها الحياة من غير شك بخلاف رواية مالك.

والثانية: (أنه) أتى (بالتحديث) عن عمرو، ورواية مالك أتى فيها بـ (عن) تنبئ عن التدليس، وقد سلف الخلاف فيها في أول الكتاب، أنها هل تحمل على السماع؟ وفائدة ثالثة: أن فيها: "من خير" بدل "إيمان" لكن أسلفنا أنه أتى بها في: صفة الجنة مسندة بلفظ: "إيمان".

العاشر: في الحديث أنواع من العلم منها ما ترجم له، وهو تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، فإنه المراد من: "خير" كما سلف.

ومنها إثبات دخول طائفة من عصاة الموحدين النار، وقد تظاهرت عليه النصوص، وأجمع عليه من يعتد به. ومنها إخراجهم من النار، ومنها أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار، وهو مذهب أهل السنة خلافا للخوارج والمعتزلة.

وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة على [ ص: 595 ] ما ذكرناه عن أهل السنة، ومنها أن الأعمال من الإيمان لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خردل من إيمان". والمراد: ما زاد على أصل التوحيد كما أسلفناه.

الحديث الثاني:

نا محمد بن عبيد الله نا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي، وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره". قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدين".

[ ص: 596 ] الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

هذا الحديث أخرجه البخاري هنا عن محمد، وفي التعبير عن يعقوب، عن صالح، وفي فضل عمر، عن يحيى بن بكير، عن الليث، عن عقيل، وفي التيمم عن سعيد بن عفير، عن الليث عن ابن شهاب به.

ورواه مسلم في الفضائل عن منصور، عن إبراهيم، عن صالح، وعن زهير والحلواني، وعبد بن حميد، عن يعقوب، عن أبيه، عن صالح.

الثاني: في التعريف برواته.

وقد سلف التعريف بأبي سعيد وابن شهاب وصالح.

[ ص: 597 ] وأما أبو أمامة فهو أسعد بن سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن (حنش) بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، أخي الخزرج (ابني حارثة) -وقد سلف باقي نسبهم في الأنصار- الأنصاري الأوسي المدني الصحابي (ابن الصحابي).

أمه: حبيبة بنت أبي أمامة أسعد بن زرارة النقيب. سمي باسمه، وكني بكنيته، فعل ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم .

فإن أبا أمامة أوصى ببناته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فزوج حبيبة سهل بن حنيف فولدت له أسعد هذا، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكناه بكنية جده لأمه واسمه وبرك عليه.

روى له الجماعة عن الصحابة، والنسائي وابن ماجه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مات سنة مائة عن نيف وتسعين سنة.

[ ص: 598 ] وأما إبراهيم: فهو أبو إسحاق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (بن عبد عوف) بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري المدني، سكن بغداد، سمع أباه والزهري وغيرهما من التابعين وغيرهم، وعنه شعبة وابن مهدي، وابناه يعقوب ومحمد، وخلق.

وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم وأبو زرعة، وكان كثير الحديث، وربما أخطأ في أحاديث، ولي بيت المال ببغداد، مات سنة ثلاث (وثمانين) ومائة عن خمس وسبعين سنة، وأبوه قاضي المدينة من جلة التابعين.

[ ص: 599 ] قال الخطيب: حدث عنه يزيد بن عبد الله بن الهاد، والحسين بن سيار الحراني، وبين وفاتيهما مائة واثنتا عشرة سنة.

فائدة:

في البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه إبراهيم بن سعد خال هذا.

وأما محمد: فهو أبو ثابت محمد بن عبيد الله بن محمد بن زيد بن أبي زيد القرشي الأموي، مولى عثمان بن عفان المدني، سمع جمعا من الكبار، وعنه (البخاري)، والنسائي عن رجل عنه، وغيرهما من الأعلام، قال أبو حاتم: صدوق.

الوجه الثالث: في ألفاظه ولغاته.

قوله: ("بينا أنا نائم")، قال الجوهري: بينا: فعلى، أشبعت [ ص: 600 ] الفتحة فصارت ألفا، وأصله: بين، وبينما بمعناه زيدت فيه ما، تقول: بينا نحن نرقبه أتانا، أي: أتانا بين أوقات رقبتنا إياه. ثم حذف المضاف الذي هو أوقات، وولى الظرف -الذي هو بين- الجملة التي أقيمت مقام المضاف إليه.

وكان الأصمعي يخفض ما بعد بينا إذا صلح في موضعه بين. وغيره يرفع ما بعد بينا وبينما على الابتداء والخبر.

والقمص: جمع قميص (ويجمع) أيضا على قمصان وأقمصة. والثدي -بضم الثاء، ويجوز كسرها وكسر الدال وتشديد الياء- جمع ثدي -بفتح الثاء- وفيه لغتان التذكير والتأنيث، والتذكير (أفصح) وأشهر، ولم يذكر جماعة من أهل اللغة غيره، ويجمع أيضا على (أثد) ويطلق على الرجل والمرأة، ومنهم من منع إطلاقه في الرجل وليس بشيء، والأحاديث ترده.

[ ص: 601 ] قال ابن فارس: ويقال لذلك من الرجل: ثندوة. بفتح الثاء بلا همز، وبالضم والهمز، والأول هو المشهور.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ("ومنها ما دون ذلك") أي: أقصر، فيكون فوق الثدي لم ينزل إليه، ولم يصله لقلته.

قال ابن بطال: معلوم أن عمل عمر في إيمانه أفضل (من عمل من) بلغ قميصه ثديه، وتأويله - صلى الله عليه وسلم - ذلك بالدين يدل على أن الإيمان الواقع على العمل يسمى دينا كالإيمان الواقع على القول.

وقال أهل التعبير: القميص في النوم: الدين، وجره يدل على بقاء آثاره الجميلة، وسننه الحسنة في المسلمين بعد وفاته ليقتدى به. قال القاضي: (أخذوه) من قوله تعالى: وثيابك فطهر [المدثر: 4] يريد نفسك، وإصلاح عملك ودينك، على تأويل بعضهم; لأن العرب تعبر عن العفة بنقاء الثوب والمئزر، وجره عبارة عما فضل عنه وانتفع الناس به، بخلاف جره في الدنيا للخيلاء فإنه مذموم.

[ ص: 602 ] الوجه الرابع: في الإشارة إلى بعض فوائده:

الأولى: أن الأعمال من الإيمان; فإن الإيمان والدين بمعنى.

الثانية: تفاضل أهل الإيمان.

الثالثة: بيان عظم فضل عمر، رضي الله عنه .

الرابعة: تعبير الرؤيا وسؤال العالم بها عنها.

الخامسة: إشاعة العالم الثناء على الفاضل من أصحابه إذا لم يخش فتنة بإعجاب ونحوه، ويكون الغرض التنبيه على فضله; لتعلم منزلته، ويعامل بمقتضاها، ويرغب في الاقتداء به، والتخلق بأخلاقه.

التالي السابق


الخدمات العلمية