التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3610 3821 - وقال إسماعيل بن خليل: أخبرنا علي بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك، فقال: "اللهم هالة". قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيرا منها! [مسلم: 2437- فتح: 7 \ 134]


ذكر فيه حديث علي- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "وخير نسائها خديجة".

وشيخ البخاري فيه محمد هو ابن سلام.

وحديث: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة-هلكت قبل أن يتزوجني- لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن.

وفي لفظ: من كثرة ذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إياها، وتزوجني بعدها بثلاث سنين وأمره ربه-أو جبريل- أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب.

وفي لفظ: قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: "إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد".

[ ص: 429 ] وشيخه في هذا عمر بن محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي الكوفي المعروف بابن التل من أولاده، قال النسائي: صدوق، مات في شوال سنة خمسين ومائتين.

وحديث إسماعيل قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما-: بشر النبي- صلى الله عليه وسلم- خديجة؟ قال: نعم، ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.

وحديث أبي هريرة- صلى الله عليه وسلم- قال: أتى جبريل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.

وقال إسماعيل بن خليل: أنا علي بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضي الله عنها-: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة- رضي الله عنها- على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك، فقال: "اللهم هالة". قالت: فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيرا منها!

الشرح:

خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، أول من أسلم، وأول زوجاته، وأم سائر ولده خلا إبراهيم فمن مارية، وماتت في رمضان سنة عشر.

وقوله: ("خير نسائها خديجة") يعني: خير نساء زمانها، وماتت خديجة وعائشة بنت ثلاث سنين، وقيل: أربع، فيحتمل أن يكون دخلت فيمن خيرت عليه خديجة، ويحتمل أن يريد البوالغ ذكرها ابن التين.

[ ص: 430 ] و(القصب) هنا اللؤلؤ المجوف الواسع كالقصر المنيف، وقد جاء في رواية عبد الله بن وهب قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وما بيت من قصب؟ قال: "من لؤلؤة مجوفة". رواه السمرقندي مجوفة، والخطابي مجوبة، أي: قطع داخلها الثقب، فتفرغ وخلا من قولهم: جبت الشيء إذا قطعته، وروى أبو القاسم بن مطير من حديث صفوان بن عمرو، عن مهاجر بن ميمون، عن فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: يا رسول الله، أين أمي خديجة؟ قال: "في بيت من قصب لا لغو فيه ولا نصب، بين مريم وآسية امرأة فرعون". [قالت: يا رسول الله، أمن هذا القصب؟ قال: "لا بل من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت"] ثم قال: لا يروى عن فاطمة إلا بهذا الإسناد تفرد به صفوان.

وفي رواية: بشرها بقصر من درة مجوفة.

فإن قلت: كيف بشرها ببيت وأدنى أهل الجنة منزلة من يعطى مسيرة ألف عام في الجنة كما في حديث ابن عمر عند الترمذي، وكيف لم ينعت البيت بشيء من أوصاف النعيم أكثر من نفي الصخب، وهو رفع الصوت.

قلت: قال أبو بكر الإسكاف في "فوائده": بشرت ببيت زائد على ما أعد الله لها مما هو ثواب لأعمالها، ولذلك قال: "لا صخب فيه

[ ص: 431 ] ولا نصب" أي: لم ينصب فيه، ولم يصخب أي إنما أعطيته زيادة على جميع العمل الذي نصبت فيه، ولا شاهد لما ذكره.

وقال الخطابي: يقال: البيت هنا عبارة عن قصر، وقد سلف كذلك في رواية أسلفناها، وقد يقال لمنزل الرجل بيته، وهو كما قال يغالي في القوم: هم أهل بيت شرف وعز، وفي التنزيل: غير بيت من المسلمين [الذاريات: 36]

قال السهيلي: وذكر البيت هنا، ولم يقل بقصر لمعنى لائق بصورة الحال، وذلك أنها كانت ربة بيت في الإسلام لم يكن على الأرض بيت إسلام إلا بيتها حين آمنت، وأيضا فإنها أول من بنى بيتا في الإسلام بتزويجها سيد الأنام، ورغبتها فيه، قال: وجزاء الفعل يذكر بلفظ الفعل، وإن كان أشرف منه كما جاء "من كسا مسلما على عري كساه الله من حلل الجنة، ومن سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق"، ومن هذا الباب: "من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة"، ولم يرد مثله في كونه مسجدا، ولا في صفته، ولكنه قابل البنيان بالبنيان أي: كما بنى يبنى له، كما قابل الكسوة بالكسوة، والسقيا بالسقيا فها هنا وقعت المماثلة لا في ذات الشيء المكسو، وإذا ثبت هذا فمن هنا اقتضت الفصاحة أن يعبر لها عما بشرت به بلفظ البيت، وإن كان فيه ما لا عين رأت، ومن يسميه الجزاء على الفعل بالفعل في عكس ما ذكرناه قوله تعالى نسوا الله فنسيهم ومكروا ومكر الله

[ ص: 432 ] فأما قوله: "لا صخب فيه ولا نصب". فإنه أيضا من باب ما كنا بسبيله دعاها إلى الإيمان فأجابته عفوا لم تحوجه إلى أن يصخب كما يصخب البعل إذا تعصت عليه حليلته ولا أن ينصب، بل أزالت عنه كل نصب، وآنسته من كل وحشة وهونت عليه كل مكروه، وأزاحت بمالها كل كدر ونصب فوصف منزلها الذي بشرت به بالصفة المقابلة لفعلها وصورة حالها; قال ابن دحية: فهي فيه مع سيد الأمة متفردة به كما تفردت بكفالته قبل النبوة وبعدها فلا يصاحبها في هذا البيت أحد من نسائه، ممن تعذر أن تصف ما في ذلك البيت جزاء لكفالته.

قال السهيلي: وأما قوله: "من قصب"، ولم يقل من لؤلؤ، ولكن في اختصاصه هذا اللفظ من المشاكلة المذكورة، والمقابلة بلفظ الجزاء للفظ العمل; لأنها كانت قد أحرزت قصب السبق إلى الإيمان دون غيرها من الرجال والنساء، والعرب تسمي السابق محرزا للقصب، واقتضت البلاغة أي يعبر بالعبارة المشاكلة لعملها في جميع ألفاظ الحديث.

فصل:

إقراء جبريل عليها السلام من ربها-جل جلاله- دال على فضل خديجة على عائشة، وقد أقرأ عائشة- رضي الله عنها- أيضا الرب-جل جلاله- السلام كما رواه الطبراني في "أكبر معاجمه" من حديثها، وسنده جيد فيما علمت; لأنه- عليه السلام- أقرأها سلام جبريل كذا استنبطه ابن داود وإن كان فيه خلاف عنده، وسئل أيضا أيما أفضل خديجة أم فاطمة؟

[ ص: 433 ] فقال: الشارع قال: "فاطمة بضعة مني"، ولا أعدل ببضعة منه أحدا، وتوقف ابن التين فقال: الله أعلم أيهما أفضل خديجة أم عائشة؟.

فصل:

وقد سلف تفسير: "لا صخب فيه ولا نصب" وقال الداودي: الصخب: العيب، والنصب: المعوج، وقيل: بشرها بقصر من زمردة مجوفة، أو من لؤلؤة مجوفة، وبيت الرجل قصره وداره.

وقوله: (حمراء الشدقين)، يروى بالحاء والراء المهملتين، وبالجيم والزاي.

وقوله: (قد أبدلك الله خيرا منها)، في سكوته- صلى الله عليه وسلم- دلالة على فضل عائشة إلا أن يريد أحسن صورة وأصغر سنا.

التالي السابق


الخدمات العلمية