التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3643 3856 - حدثنا عياش بن الوليد، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: حدثني عروة بن الزبير قال: سألت ابن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي- صلى الله عليه وسلم- قال بينا النبي- صلى الله عليه وسلم- يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله [غافر: 28] الآية. تابعه ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عروة عن عروة، قلت لعبد الله بن عمرو.

وقال عبدة، عن هشام، عن أبيه: قيل لعمرو بن العاص.

وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة: حدثني عمرو بن العاص. [انظر: 3678- فتح: 7 \ 165]


ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث خباب: أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة،

وقد لقينا من المشركين شدة.

[ ص: 478 ] سلف في باب: علامات النبوة. واحمر وجهه من الغضب. والمشط: واحد الأمشاط التي يمتشط بها. قال الصاغاني في "شوارده" : مشط ومشاط، كرمح ورماح، وقرط وقراط، وخف وخفاف. وهؤلاء الذين امتشطوا بأمشاط الحديد يجوز أن يكونوا أنبياء وأتباعهم، وكان في الصحابة من لو فعل به ذلك لصبر قال الصديق حين توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لو لم أجد إلا نفسي لقاتلتهم، يعني أهل الردة ومن تعرض لمثل هذا لا يقعد عما هو أعظم منه.

قال الفاروق في شيء: والله لأن تضرب عنقي - إلا أن تتغير لي نفسي عند الموت- أحب إلي من كذا. واحتسب عثمان نفسه، وكان علي يقاتل أول النهار ثم يخرج آخره في إزار ورداء، فيقال له: أنت تقاتل وتغفل عن هذا، فيقول: والله ما أبالي سقطت على الموت أو سقط علي، يعني: إذا كان في الله. وأعتق الصديق سبعة عذبوا في الله. وقيل لابن عمر: أي بني الزبير أشجع؟ فقال: كلهم شجاع مشى للموت وهو يراه. وكان عبد الله يصلي بجانب البيت وحجارة المنجنيق تمر على يمينه وعن شماله ولا يتحرك، وما زال من الصحابة فمن بعدهم يؤذون في الله، ولو أخذوا بالرخصة لساغ لهم.

[ ص: 479 ] الحديث الثاني:

حديث الأسود عن عبد الله: قرأ النبي- صلى الله عليه وسلم- النجم.. الحديث سلف في سجود التلاوة.

الحديث الثالث:

حديث عمرو بن ميمون عن عبد الله- رضي الله عنه- في قصة سلا الجزور، وقد سلف في الطهارة وغيرها، والمراد بعبد الله: هو ابن مسعود من غير شك ولا مرية.

وعجب من الداودي في قوله: ذكر أنه عن عبد الله، وإنما تصح الرواية عن ابن عمرو ليس ابن عمر. وابن التين حيث قال: الظاهر أنه ابن مسعود; لأنه في الأكثر يطلقونه كذلك.

وقوله: (وأمية بن خلف أو أبي بن خلف). شعبة الشاك، وقد أسلفنا أنه أمية من غير شك، وهو الصحيح; لأن أبيا قتله - عليه السلام- بيده يوم أحد، طعنه بالعنزة، فقال: قتلني ابن أبي كبشة.

[ ص: 480 ] ولم يقتل منهم يومئذ صبرا إلا عقبة.

الحديث الرابع:

حديث سعيد بن جبير: أمرني عبد الرحمن بن أبزى قال: سل ابن عباس عن هاتين الآيتين ما أمرهما؟ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق [الإسراء: 33]، ومن يقتل مؤمنا متعمدا [النساء: 93]، فسألت ابن عباس، فقال: لما أنزلت التي في الفرقان، قال مشركو [أهل مكة] : قد قتلنا النفس التي حرم الله، ودعونا مع الله إلها آخر، وقد أتينا الفواحش. فأنزل الله: إلا من تاب الآية [الفرقان: 70]، فهذه لأولئك، وأما التي في النساء: الرجل إذا عرف الإسلام وشرائعه، ثم قتل، فجزاؤه جهنم. فذكرته لمجاهد، فقال: إلا من ندم.

كذا وقع في الرواية ( ولا تقتلوا ) والتلاوة ولا يقتلون النفس [الفرقان: 68].

وذكر البخاري في التفسير أن سعيد بن جبير قال: اختلف أهل الكوفة فرحلت إلى ابن عباس-أي: بالحاء المهملة- وعند ابن ماهان في مسلم: (فدخلت) بالخاء المعجمة-أي: بعد رحلتي- وفي رواية: (فسألته)، وفي رواية: (أمرني عبد الرحمن بن أبزى)، ولعله كما قال القاضي: أمرني ابن عبد الرحمن إما عبد الله

[ ص: 481 ] أو سعيد، وإن كنا لا نمنع أن يكون عبد الرحمن سأل، فإن ابن عباس كان يسأله من أقدم منه صحبة وأعلم.

وقوله: فجزاؤه جهنم خالدا فيها قيل: هي منسوخة بقوله: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك [هود: 107].

وأما قول ابن عباس: (إذا عرف الإسلام). فلعله ذكره تغليظا على ظاهر الآية، وقيل: معنى الآية أن يقتله مستحلا لقتله فيكون كافرا يستوجب الخلود. وقيل: نزل هذا بمكة الذي في الفرقان، وأنزل: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم [الزمر: 53] ثم أنزلت بالمدينة بعد ثماني سنين ومن يقتل مؤمنا متعمدا مبهمة لا مخرج لها.

وقوله: ( إلا من تاب ) على ما ذكره ابن عباس أي: من تاب من الشرك ودخل الإسلام.

الحديث الخامس:

حديث الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني محمد بن إبراهيم التيمي قال: حدثني عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو ابن العاصي: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله- صلى الله عليه وسلم-. قال: بينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله.

سلف آخر مناقب الصديق.

[ ص: 482 ] ثم قال البخاري: تابعه ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عروة، عن عروة: قلت لعبد الله بن عمرو.

وقال عبدة، عن هشام، عن أبيه: قيل لعمرو بن العاصي.

وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة: حدثني عمرو بن العاصي. متابعة ابن إسحاق رويناها في "سيرته" أخرجها البزار عن أبي طلحة موسى بن عبد الله، ثنا بكر بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عنه.

وقول عبدة أسنده أبو عبد الرحمن في كتابه عنه به من مسند عمرو بن العاصي في كتاب التفسير.

وقول محمد بن عمرو أخرجه أبو القاسم في "معجمه" عن عبد بن عباد، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، عن محمد به. وكفى بالفاعل شقاوة، وبالصديق- رضي الله عنه- رفعة.

فصل: يتعلق بحديث ابن عباس الذي قبله:

روى الواحدي في "أسبابه" عن ابن عباس قال: أتى وحشي بن حرب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أشركت وقتلت النفس وزنيت فنزلت إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية [النساء: 48] فقال: لعلي ممن لا يشاء. فنزلت قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم فقال: نعم، الآن لا أرى شرطا فأسلم.

[ ص: 483 ] وروى الطبري في "تفسيره" عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن امرأة سألته فقالت: إني زنيت وولدت فقتلته، فهل لي من توبة؟ فقال : لا، ولا نعمة عين، ثم سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: " [بئس] ما قلت لها"، ثم قرأ هذه الآية إلا من تاب وآمن وعمل صالحا الآية.

وحكى النحاس عن بعض العلماء أنه لا توبة لمن يقتل مؤمنا متعمدا، وبعض من قاله قال: الآية التي في الفرقان منسوخة بآية النساء، ومن العلماء من قال: له توبة; لأن هذا مما لا يقع ناسخ ولا منسوخ; لأنه خبر ووعيد، ومنهم من قال: إنه تحت المشيئة، وقيل: جزاؤه إن جازاه. وقيل: قتله مستحلا.

والأول يروى عن زيد بن ثابت وابن عباس من طرق صحاح مع ما روى ابن مسعود مرفوعا: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" وقوله- صلى الله عليه وسلم-: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، و"من أعان على قتل مسلم جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله".

[ ص: 484 ] والقول الثاني عليه جماعة من العلماء، وهو مروي عن زيد بن ثابت وابن عباس، وروي عنه أنها نزلت في أهل الشرك، وأن التي في النساء منسوخة نسختها. وحجة القائلين به ظاهرة من قوله تعالى وإني لغفار لمن تاب وآمن [طه:82]، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده [الشورى: 25]، وهذه أخبار لا يقع فيها ناسخ.

والقول الثالث عليه الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه والشافعي، وقول من قال: إن كان مستحلا قاله عكرمة; لأنه روى أن الآية نزلت في رجل قتل مؤمنا متعمدا ثم ارتد، وقول من قال: فهو جزاؤه إن جازاه قاله أبو مجلز. قال النحاس: وغلطه فيه بين.

وقال ابن الحصار في "ناسخه": إذا لم تتوارد الآي على حكم واحد فلا تعارض بينهما، وإنما نزلت آية النساء فيمن قتل مؤمنا متعمدا للتكذيب من غير جهالة، فتكذيبه كتكذيب إبليس، وعلماء اليهود والنصارى المتعمدين بجحد ما أنزل الله، ولذلك قال ابن عباس: لا توبة له، فالآية على هذه ليست عامة في الكافرين، فكيف

[ ص: 485 ] يدخل فيها المؤمنون، وكيف يشكل حكم هذه الآية على عالم؟ وآية الفرقان نزلت في الكفار.

وروى أبو صالح عن ابن عباس أنها نزلت-يعني آية النساء- في مقيس بن صبابة قتل أخوه هشام في غزوة ذي قرد سنة ست مسلما، أصابه رجل من الأنصار، وهو يرى أنه من الكفار.

وزعم ابن منده أن ذلك كان ببني المصطلق فأرسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زهير بن عياض الفهري إلى بني النجار فجمعوا لمقيس بن صبابة الدية، فلما قبضها قتل زهيرا ورجع إلى مكة مرتدا، فقال:


وترت به فهرا وحملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع     وأدركت ثأري واضطجعت موسدا
وكنت إلى الأوثان أول راجع



فأهدر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دمه فقتل يوم الفتح كافرا، وقال القاضي إسماعيل: وهذه الآية حكم من أحكام الآخرة، ليس بالناس حاجة أن يبرموا فيه قولا، غير أنا نرجو قبول التوبة من عباده المسلمين أجمعين.

وروي أن رجلا قال لسفيان: إني أريد أن أقتل رجلا فهل لي من توبة؟ قال: لا. وقال لمن قتل واستفتاه في ذلك: لك توبة. أراد بالأول تعظيم القتل; لئلا يقع فيه، وبالثاني لئلا يقنط.

التالي السابق


الخدمات العلمية