التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3735 [ ص: 18 ] 3 - باب: قصة غزاة بدر

وقول الله تعالى: ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فينقلبوا خائبين [آل عمران: 123 - 127 ] وقال وحشي: قتل حمزة بن عبد المطلب طعيمة بن عدي بن الخيار يوم بدر. [انظر: 4072]، وقوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم الآيات [الأنفال: 7].

3951 - حدثني يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك - رضي الله عنه - يقول: لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب أحد تخلف عنها، إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. [انظر: 2757- مسلم: 2769 - فتح: 7 \ 285]


ثم ساق حديث كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب أحد تخلف عنها، إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد.

الشرح:

غزوة بدر القتال كان خروجه إليها يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان على رأس ستة عشر شهرا، وقبلها غزوةذات العشيرة في جمادى كما سلف، وكانت قبلها غزاة بدر الأولى، خرج في طلب كرز بن جابر حين أغار على سرح المدينة، خرج في طلبه في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا حتى بلغ واديا يقال له: سفوان من ناحية

[ ص: 19 ] بدر، وفاته كرز، وكانت بدر الموعد خلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهرا بعد أحد، فاعلم ذلك، وبعد بدر الأولى سرية عبد الله بن جحش في رجب، ومعه مائة من المهاجرين إلى نخلة بين مكة والطائف يترصد أخبار قريش فغنموا، وأنكر عليهم القتل، وأنزل: يسألونك عن الشهر الحرام الآية، وقوله: إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله وهي أول غنيمة غنمها المسلمون، وقتل فيها عمرو بن الحضرمي، وهو أول من قتله المسلمون، واستؤسر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وهما أول من أسر المسلمون، وفيها سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين .

فائدة: في هذه السنة حولت القبلة، وفرض صوم رمضان، وزكاة الفطر، وسنة الأضحية.

إذا تقرر ذلك ففي سبب تسميتها بدرا قولان:

أحدهما: ببدر بن الحارث بن مخلد بن النضر بن كنانة، وقال السهيلي: احتفرها رجل من بني غفار، ثم من بني النجار اسمه بدر بن كنانة ، قال الواقدي: ذكرت هذا لعبد الله بن جعفر، ومحمد بن صالح فأنكراه وقالا: لأي شيء سميت الصفراء؟ ولأي شيء سمي الجار؟ إنما هو اسم الموضع، قال: وذكرت ذلك ليحيى بن النعمان الغفاري، فقال: سمعت شيوخنا يقولون -يعني: بني غفار- هو مأوانا ومنزلنا، وما ملكه أحد قط اسمه بدر، وما هو من بلاد جهينة إنما هو من بلاد غفار. قال الواقدي: هو المعروف عندنا.

[ ص: 20 ] القول الثاني: سميت بدرا; لاستدارتها كالبدر، وقيل: لصفائها، ورؤية البدر فيها، قال البكري: هي على ثمانية وعشرين فرسخا من المدينة، ومنها إلى الجار ستة عشر ميلا، وبه عينان جاريتان عليهما الموز والنخل والعنب .

وقال صاحب "الإكليل": بدر موضع بأرض العرب يقال لها: الأثيل بقرب ينبع والصفراء والجار والجحفة، وهو موسم من مواسم العرب ومجمع من مجامعهم في الجاهلية، وبها قليب وآبار ومياه تستعذب، وعن الزهري: كان بدر متجرا يؤتى في كل عام.

ثم الكلام على ما أورده البخاري من وجوه:

أحدها: في معاني الآثار التي ذكرها:

معنى وأنتم أذلة : قليلو العدد، كما ستعلمه في باب عدتهم. (منزلين) أي: النصر.

فورهم : وجههم أو غضبهم أو قيل السكون.

(مسومين) معلمين من السومة أو: مرسلين. قال الداودي: السومة المعلمة للقتال، قال عروة: كانت الملائكة يومئذ على خيل بلق، وعمائمهم صفر ، وقال ابن إسحاق: عمائمهم بيض، وقال الحسن: علموا على أذناب خيلهم ونواصيهم بصوف أبيض ، وقال عكرمة: عليهم سيما القتال، وقال مجاهد: الصوف في أذناب

[ ص: 21 ] الخيل ، وقرئ بكسر الواو; لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر: "سوموا فإن الملائكة قد سومت خيلها وأنفسها".

وادعى الداودي نزول قوله: إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم إلى قوله: خائبين أن ذلك كله أنزل في أحد، وهو عجيب; فإن أولها في بدر.

و الشوكة : (الحد) أي: السلاح، وقال ابن إسحاق: أي: الغنيمة دون الحرب ، وفي "تفسير الثعلبي": إحدى الطائفتين: أبو سفيان مع العير، والأخرى أبو جهل مع النفير.

قال الداودي: أمدوا يوم بدر بألف من الملائكة مردفين، فقال: إذ تستغيثون ربكم الآية، ووعدهم يوم بدر إن صبروا خمسة آلاف مسومين، فلم يصبروا فلم يمدهم بالملائكة.

والوجه الثاني: قوله: (طعيمة بن عدي بن الخيار).

وصوابه كما قال الدمياطي: طعيمة بن عدي بن نوفل بن عبد مناف أخو المطعم بن عدي، وعم جبير بن مطعم، والخيار جد عبد الله بن عدي الأكبر بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، روى عن عمر وعثمان، والمقداد، وأم عبيد الله أم قلال بنت أسيد بن أبي العيص بن أسد بن عبد شمس.

وقوله: (وقال وحشي: إلى آخره) أسنده البخاري بعد .

[ ص: 22 ] الثالث:

وقعة بدر كانت في رمضان كما أسلفناه، وأن خروجه كان يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان، وهو ما قاله ابن سعد ، وقال ابن إسحاق: خرج في ليال مضت من رمضان، وقال ابن هشام: لثمان خلون منه، واستعمل على المدينة عمرو بن أم مكتوم، ثم رد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة ، قال الحاكم: ولم يتابع ابن إسحاق على ذكر أبي لبابة، وقد روينا عن الزهري وغيره أن أبا لبابة كان زميل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الغزوة، لكن ذكره في "مستدركه" عن عروة بن الزبير أيضا ، ونحوه ذكره ابن سعد وابن عقبة وابن حبان ، وقد يحمل كلام الزهري وغيره على ابتداء المسير، ولما ذكر البيهقي حديث ابن مسعود: كنا يوم بدر نتعاقب ثلاثة على بعير، علي وأبو لبابة زميلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: كذا في الحديث; والمشهور عند أهل المغازي: مرثد بن أبي مرثد بدل أبي لبابة، فإن أبا لبابة رده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الروحاء فاستخلفه على المدينة .

رابعها:

كانت سنة اثنتين كما سلف، إما على رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة، أو لسنة ونصف كما حكاه في "الإكليل" عن مالك، أو لثمان

[ ص: 23 ] عشرة شهرا كما قاله موسى بن عقبة. قال ابن إسحاق: خرج إليها في ثلاثمائة رجل وخمسة نفر، كان المهاجرون منهم أربعة وسبعين وباقيهم من الأنصار، وثمانية تخلفوا لعلة ضرب لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهامهم وأجرهم، وهم: عثمان بن عفان فخلفه على امرأته رقية، وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بعثهما يتحسسان خبر العير، وأبو لبابة خلفه على المدينة، وعاصم بن عدي خلفه على أهل العالية، والحارث بن حاطب رد من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف; لشيء بلغه عنهم، والحارث بن الصمة كسر بالروحاء، وخوات بن جبير كسر أيضا فهؤلاء ثمانية، لا اختلاف فيهم عندنا.

وقال الحاكم في "إكليله": كانوا ثلاثمائة وخمسة عشر كما خرج طالوت، وهو قول الأوزاعي، وفي رواية ابن إسحاق وأربعة عشر ، وقال مالك: وثلاثة عشر، وقيل: وفي "الأوائل" للعسكري: حضر بدرا ثلاثة وثمانون مهاجريا، وأحد وستون أوسيا، ومائة وسبعون خزرجيا، وهو مطابق لرواية ابن إسحاق، وابن عطية وفي مسلم: وتسعة عشر ، ولابن الأثير: وثمانية عشر ، وعلى قول ابن إسحاق عدد البصريين ثلاثمائة وأربعة عشر فزاد عليه خمسة عشر فالجملة تسعة وعشرون، وسيأتي عند تعدادهم أكثر من ذلك.

وكان المشركون ما بين تسعمائة وألف، معهم مائة فرس، وليس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة أفراس: فرس عليه الزبير، والثاني: المقداد،

[ ص: 24 ] والثالث: مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وقال ابن عقبة: ويقال: كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسان، على أحدهما مصعب بن عمير، وعلى الأخرى سعد بن خيثمة، ومرة الزبير، ومرة المقداد، وكان طالوت ملكا ليس بنبي، كان في جيشه داود، فقتل داود جالوت فخرج إليه بمقلاع وهو الحجر الرطب، ومعه ثلاث حجارات، فقال له: خرجت إلي كما تخرج إلى الكلب، قال: نعم، وأنت كلب فأصابه بتلك الأحجار كلها في جبهته فقتله الله، وكان طالوت وعد داود إذا قتل جالوت أن

يزوجه ابنته، ثم بدا له بعد أن قتله مطله بذلك على ود، فأجاب داود فتنحى، ثم أتاه ليلا وهو نائم فأخذ شعرات من لحيته، وعاد إلى مكانه، وقال له حين أصبح: لو شئت قتلتك، وهذه شعرات من لحيتك، فآمنه وزوجه ابنته.

خامسها:

كانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان كما سلف. قال ابن سعد: الثبت عندنا أن الالتقاء كان يوم الجمعة وحديث يوم الاثنين شاذ عن أيوب هي: إما لسبع عشرة خلت، أو ثلاث عشرة بقيت أو لاثنتي عشرة بقيت، أو لتسع عشرة خلت ، وعند الطبري من طريق الواقدي إلى عبد الله قال: كانت صبيحة لسبع عشرة من رمضان، قال الواقدي: فذكرت ذلك لمحمد بن صالح فقال: هذا أعجب الأشياء ما رأيت أن أحدا من أهل الدنيا يشك في أنها صبيحة سبع عشرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية