التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3760 3980 ، 3981 - حدثني عثمان، حدثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - على قليب بدر فقال: " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ثم قال إنهم الآن يسمعون ما أقول".

فذكر لعائشة، فقالت: إنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق". ثم قرأت: إنك لا تسمع الموتى [النمل: 80]. حتى قرأت الآية.
[انظر:1370- مسلم: 932 - فتح: 7 \ 301]


ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث عبد الله - رضي الله عنه - أنه أتى أبا جهل وبه رمق يوم بدر، فقال أبو جهل: هل أعمد من رجل قتلتموه؟!

ثانيها:

حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من ينظر ما صنع أبو جهل؟ ". فانطلق ابن مسعود ، فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد فقال: أنت أبا جهل؟ قال: فأخذ بلحيته. قال: وهل فوق رجل قتلتموه - أو: رجل قتله قومه؟

وأخرجه مسلم أيضا .

ثالثها:

وعن صالح بن إبراهيم، عن أبيه، عن جده في بدر. يعني: حديث ابني عفراء.

[ ص: 38 ] وقد سلف كل ذلك في باب من لم يخمس الأسلاب واضحا، فراجعه.

ومعنى (برد): سقط ولم يبق إلا خروج نفسه، وقال ابن فارس: برد: مات، ولعله أراد أنه في حكم الميت، ودليله قوله وهل فوق رجل قتلتموه، قال ابن فارس: ويقال للسيوف: البوارد، أي: القواتل عند قوم، وقال آخرون: مس الحديد بارد .

وقوله: (أأنت أبا جهل؟) يجوز على قول بعيد مثله قوله:


قد بلغا في المجد غايتاها إن أباها وأبا أباها



وقال الداودي: يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يقول له ذلك ويستحل اللحن ليغيظ أبا جهل كالمصغر له. الثاني: بإطناب أعني، وفيهما نظر كما أبداه ابن التين معللا بأنه إنما يصح إذا كثرت فيه النعوت، ويغيظه في مثل هذه بالحال، فاللحن فيه بعد.

ومعنى: أعمد إلى آخره: فوق رجل قتله قومه، كذا فسره أبو عبيد في "غريبه"، قال السهيلي: وفسره ابن هشام بقوله: ليس عليه عار وهو بمعناه، وقال: هو عندي من قولهم: عمد البعير يعمد: إذا (تفضح نابه) فهلك، أي: أهلك من رجل قتله قومه .

قلت: كله في "غريب أبي عبيد" وهذا لفظه: قوله: أعمد: هل

[ ص: 39 ] زاد على سيد قتله قومه، وفي نسخة جيدة أي: هل كان ذلك إلا هذا، تقول: إن هذا ليس بعار علي، وكان أبو عبيدة يحكي عن العرب: أعمد من كيل محق، أي: هل زاد على هذا ، وقال الداودي: قاله تكبرا وعتوا واحتقارا لغيره، قال: وهو من الأضداد; لقوله: لأنت الحليم الرشيد وفي رواية: فلو غير أكار قتلني -يريد الأنصار; لأنهم أصحاب نخل وزرع- وفي رواية أبي الحسن: هل أعذرتك أعمد، أي: أنه معذور، وقال الأزهري في "تهذيبه": عن شمر أنه استفهام، أي: (أعجز) من رجل قتله قومه ، وفي رواية: أن أبا جهل قال لابن مسعود: لمن الدائرة؟ قال: لله ولرسوله، وأن ابن مسعود جعل رجله على جبينه، فقال أبو جهل: يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقا صعبا ، وذكر عياض أن ابن مسعود إنما وضع رجله على عنق أبي جهل لتصدق رؤياه، أي: فإنه رأى ذلك مناما.

وقوله: (قد ضربه ابنا عفراء)، قد سلف الكلام فيهما في الباب المذكور، ولم يجرد قرشي يوم بدر غيره، جرده أبو سهل كما أسلفناه هناك، وروى الواقدي أنه - صلى الله عليه وسلم - سأل عكرمة بن أبي جهل من قتل أباك؟ قال الذي قطعت يده ، فدفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيفه لمعاذ بن عمرو بن الجموح فهو عند آله، وقد أسلفناه هناك أنه قتله ابن مسعود .

وعن ابن إسحاق: لما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - البشير بقتل أبي جهل استحلفه

[ ص: 40 ] ثلاثة أيمان بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته قتيلا، فحلف له فخر - صلى الله عليه وسلم - ساجدا
، وعن عروة قال: التمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا جهل فلم يجده حتى عرف ذلك في وجهه، وقال: "اللهم لا يعجزن فرعون هذه الأمة" فسعى له الرجال حتى وجده ابن مسعود .

الحديث الرابع:

حديث أبي مجلز -واسمه لاحق بن حميد السدوسي البصري- عن قيس بن عباد -بضم العين وتخفيف الموحدة- عن علي أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة. وقال قيس بن عباد: وفيهم أنزلت هذان خصمان اختصموا في ربهم [الحج:19] قال: قال: هم الذين تبارزوا يوم بدر: حمزة بن عبد المطلب، وعلي، وعبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة.

وعن قيس: قال علي: فينا نزلت هذه الآية: هذان خصمان اختصموا في ربهم

الخامس:

عن أبي هاشم -وهو يحيى بن عباد الرماني; لنزوله قصر الرمان الواسطي- عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبي ذر قال: نزلت: هذان خصمان اختصموا في ربهم في ستة من قريش. فذكرهم كما سلف.

[ ص: 41 ] وبه: عن قيس: سمعت أبا ذر يقسم: لنزلت هؤلاء الآيات في هؤلاء الرهط يوم بدر. نحوه.

وبه: سمعت أبا ذر يقسم قسما: إن هذه الاية نزلت في الذين برزوا يوم بدر.

وحديث أبي ذر هذا ذكره البخاري في التفسير في سورة الحج كما ستعلمه ، وقال مجاهد: سألت ابن عباس فقال: سورة الحج نزلت بمكة سوى ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة في ستة نفر من قريش: ثلاثة مؤمنون، وثلاثة كافرون، فالمؤمنون: علي وحمزة وعبيدة، وذكره الباقي مثل ما في الكتاب فنزل فيهم: هذان خصمان إلى تمام ثلاث آيات.

الحديث السادس:

ذكر فيه حديث أبي إسحاق: سأل رجل البراء - رضي الله عنه -وأنا أسمع- أشهد علي بدرا؟ قال: بارز وظاهر.

هو من أفراده.

الحديث السابع:

حديث عبد الرحمن بن عوف، قال: كاتبت أمية بن خلف، فلما كان يوم بدر، فذكر قتله وقتل ابنه، فقال بلال: لا نجوت إن نجا أمية.

وقد سلف الإشارة إليه في باب من قتل ببدر.

الحديث الثامن: حديث عبد الله في السجود في والنجم وقد سلف.

[ ص: 42 ] الحديث التاسع:

حديث عروة: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف، إحداهن في عاتقه. قال: إن كنت لأدخل أصابعي فيها. ألعب وأنا صغير قال: ضرب ثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك.

وفيه: أن [في] سيفه فلة فلها يوم بدر، وأنشد عبد الملك بن مروان:


بهن فلول من قراع الكتائب



قال هشام: فأقمناه بيننا ثلاثة آلاف، وأخذه بعضنا، ولوددت أني كنت أخذته.

وعنه: كان سيفه محلى بفضة. قال هشام: وكذا سيف عروة.

وعنه: في شدة يوم اليرموك: حتى شق صفوفهم، ثم رجع مقبلا، فأخذوا بلجامه، فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر. قال عروة: كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير. قال: وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ، وهو ابن عشر سنين، فحمله على فرس وكل به رجلا.

فيه: ذكر المرء لمناقب والده.

واليرموك، بسكون الراء. وتعداد الضربات اختلف في موضعها ومكانها هل إحداهن في عاتقه، أو كلهن، أو ثنتين يوم بدر والأخرى يوم اليرموك، أو عكسه. وأول البيت المذكور:


ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم



وقراع الكتائب هو أن تضرب بعض الجيوش بعضا.

[ ص: 43 ] وقوله: (فأقمناه)، يقال: قومت الشيء تقويما: وهو ما يقوم من ثمنه مقامه، وأهل مكة يقولون: استقمت المتاع، أي: قومته

وفيه: المنافسة في سيف الشجاع، وأن الفل لا يعيب السيف الجيد بل يبين فضله، وضبط الدمياطي فلها بضم الفاء خطأ.

وفيه: تحليته بالفضة، وفيه: تعليم الطفل القتال بحضور والده معه.

الحديث العاشر:

حديث قتادة قال: ذكر لنا أنس بن مالك، عن أبي طلحة -وهو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمير بن مالك بن النجار ابن عم حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام- أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث .. الحديث.

والطوي: البئر المطوية، وزاد الخطابي: وضربت بالحجارة لئلا تنهار، والركي: النهر قبل أن تطوى، والأطواء جمع طوي .

والصناديد: العظماء، والخبيث: ضد الطيب، وأخبث الرجل إذا كان أصحابه خبثاء، فكأنه استعار للطوي ذلك لما دخلوا فيه فهو خبيث في نفسه مخبث بهم. والعرصة: بسكون الراء كل جوبة منفتقة لا بناء فيها.

و (القليب): مثل الركي، وقيل: البئر العادية.

وقوله: (لما ناداهم على شفة الركي).

فقال عمر: ما تكلم من أجساد لا روح فيها!. قال: "والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم". قال قتادة: أحياهم الله حتى

[ ص: 44 ] أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقيمة، قال الخطابي: هذا أحسن من ادعاء عائشة على ابن عمر الغلط -كما يأتي بعد، قال:- ويؤيد ما رواه ابن عمر حديث أبي طلحة ، هذا وأجاب بعضهم بأنه جائز أن يسمعوا في وقت ما أو حال ما، فلا تنافي، وقد قال: "إنه ليسمع قرع نعالهم" وسؤال الملكين له في قبره، وقوله لهما وغير ذلك مما لا ينكر ، وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: "ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يصحبه في الدنيا فيسلم عليه، إلا عرفه ورد عليه السلام". ذكره أبو عمر في "تمهيده" ، وقال الإسماعيلي: إن كانت عائشة قالت ما قالته رواية، فرواية ابن عمر: إنهم يسمعون وعلمهم لا يمنع من سماعهم، وأما تلاوتها فهو لا تسمعهم ولكن الله، والإسماع ليس الصوت من السمع أو وقوع الصوت في أذن السامع، وإنما المراد الاستجابة، فعليه التبليغ والدعاء وعليهم الإجابة، ولا يقع ذلك إلا بالتوفيق.

قال السهيلي: وعائشة لم تحضر، وغيرها ممن حضر أحفظ للفظه، وقد قالوا له: أتخاطب قوما قد جيفوا؟ فقال: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحال عالمين، جاز أن يكونوا سامعين: إما بآذان رءوسهم إذا قلنا: إن الأرواح تعاد إلى الأجساد عند المساءلة وهو قول الأكثر من أهل السنة، وإما بآذان القلب أو الروح على مذهب من يقول بتوجه السؤال إلى الروح من غير

[ ص: 45 ] رجوع منه إلى الجسد أو إلى بعضه. فإن قلت: فما معنى إلقائهم في القليب؟ قلت: لأن من سنته في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بدفنه ولا يسأل عنه كما أخرجه الدارقطني ، فإلقاؤهم من هذا الباب، غير أنه كره أن يشق على أصحابه كثرة الجيف، فكان جرهم إلى القليب أيسر عليهم، ووافق أن البئر حفره رجل من بني النجار كما سيأتي، فكان مناسبا لهم.

الحديث الحادي عشر:

حديث عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما الذين بدلوا نعمت الله كفرا [إبراهيم: 28] قال: هم والله كفار قريش. قال عمرو: هم قريش، ومحمد نعمة الله، وأحلوا قومهم دار البوار [إبراهيم: 28] قال: النار يوم بدر.

قلت: وروي عن ابن عباس أيضا: أنهم قادة المشركين يوم بدر ، والبوار لغة: الهلاك، وقيل في التبديل: جعلوا شكر نعمته (...) أن عبدوا غيره.

الحديث الثاني عشر:

حديث هشام، عن أبيه لما ذكر عند عائشة، أن ابن عمر رفع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الميت يعذب ببكاء أهله" .. الحديث سلف قريبا الإشارة إليه.

[ ص: 46 ] الثالث عشر:

حديث ابن عمر رضي الله عنهما: وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - على قليب بدر بمعناه، وقد سلف في الجنائز .

التالي السابق


الخدمات العلمية