التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3762 3983 - حدثني إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: سمعت حصين بن عبد الرحمن، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي - رضي الله عنه - قال بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا مرثد والزبير وكلنا فارس، قال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها امرأة من المشركين، معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين". فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: الكتاب. فقالت: ما معنا كتاب. فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا، فقلنا: ما كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك. فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها - وهى محتجزة بكساء -فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر: يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "ما حملك على ما صنعت". قال حاطب: والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "صدق، ولا تقولوا له إلا خيرا". فقال عمر إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال "أليس من أهل بدر؟ ". فقال: " لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة"، أو "فقد غفرت لكم". فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. [انظر: 3007- مسلم: 2494 - فتح: 7 \ 304]


[ ص: 48 ] ذكر فيه حديث أنس - رضي الله عنه -: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع؟ فقال: "ويحك، أو هبلت؟ أو جنة واحدة هي؟! إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس".

هذا الحديث سلف في أوائل الجهاد.

وشيخ البخاري فيه عبد الله بن محمد المسندي، وفيه أيضا: أبو إسحاق الراوي عن حميد، عن أنس، وهو إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، أحد الأعلام ابن عم مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء الفزاري. قال أبو حاتم: ثقة، مأمون، إمام ، مات بالمصيصة بعد الثمانين ومائة سنة ثمان أو خمس أو ست، ومات مروان بمكة فجأة سنة ثلاث وتسعين ومائة.

و (حارثة) هو ابن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، أول قتيل قتل من الأنصار ببدر وكان خرج نظارا وهو غلام فرماه حبان بن العرقة بسهم، وهو يشرب من الحوض فقتله، وأمه الربيع -بضم الراء وتشديد المثناة تحت- بنت النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، عمة أنس بن مالك، وفي "الجمع بين الصحيحين" لأبي نعيم عبيد الله بن الحسن بن أحمد الحداد: قاله قتادة عن أنس، أمه أم الربيع بنت البراء.

[ ص: 49 ] وكان حارثة بن سراقة أصابه سهم غرب، وأغرب ابن منده قال: استشهد حارثة يوم أحد. ورده أبو نعيم، وذكر أن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى حارثة في الجنة فقال: "كذاكم البر" وكان بارا بأمه.

قلت: الذي في "مسند أحمد" وغيره: أن هذا يقول فيه حارثة بن النعمان بن لقع بن زيد الأنصاري النجاري البدري من فقهاء الصحابة، رأى جبريل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمقاعد .

قال ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دخلت الجنة فسمعت قراءة، فقلت: من هذا؟ فقالوا حارثة بن النعمان. فقال: كذاكم البر" ، وكان برا بأمه بقي إلى إمرة معاوية، وقد أسلفنا ذلك فيما مضى، وفي "معجم الصحابة" للذهبي: حارثة بن الربيع، وهي أمه قيل: هي التي قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد علمت منزلة حارثة مني، وكان أصيب يوم بدر، وهو حارثة بن سراقة، ووهم من قال: يوم أحد، وقد أسلفناه.

وقوله: ("ويحك")، هو ترحم وإشفاق كما سلف، وقال الداودي: هو توبيخ.

وقوله: ("أو هبلت") هو بإسكان الواو ، يقال: هبلته أمه تهبله هبلا، أي: ثكلته، وقد تستعمل في معنى المدح والإعجاب، والإهبال: الإثكال.

[ ص: 50 ] وقال أبو موسى: أصله إذا مات الولد في المهبل، وهو موضع الولد من الرحم، كأن أمه وجعت مهبلها، ولا يبقى مع وجع المهبل ولد فيه ، وقال الداودي: أو هبلت أي: لم تعلم أجهلت، وقال مرة: "وهبلت، وطاش حكمك لموته"، والذي ذكره أهل اللغة أن الهبل الثكل، مصدر، قولك: هبلته أمه أي: ثكلته، والإهبال: الإثكال، والهبول من النساء: الثكول، والثكل: فقدان المرأة ولدها، نبه على ذلك ابن التين في كتاب: الرقاق قال: وضبط بضم الهاء من رواية أبي الحسن وبفتحها من رواية أبي ذر، وكذا قال ابن فارس: الهبل: الثكل . والظاهر أنه أراد: أبك جنون؟ أما لك عقل؟

والجنان جمع: جنة، وهي البستان، والنون مخففة، وقال الداودي: جمع جنة في القليل: جنات، وفي الكثير: جنان. قال: وقد يقال في الواحد جنان; لأن قطعها جنات، قال الجوهري: العرب تسمي النخيل جنة .

وقال الأزهري: كل شجر متكاتف يستر بعضه بعضا فهو مشتق من جنيته إذا سترته .

وقال ابن فارس: يقال الجنة عند العرب النخيل الطوال ، وأنشد فيه بيتا ذكره الجوهري للأولين .

[ ص: 51 ] والفردوس: قال الفراء: عربي، وقال ابن عزير: بلسان الروم، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الفردوس: ربوة الجنة، وأوسطها وأفضلها" .

وذكر البخاري فيه أيضا حديث علي - رضي الله عنه - قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا مرثد والزبير بن العوام وكلنا فارس، فقال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب إلى المشركين" ... الحديث. ذكره أيضا في الفتح كما سيأتي ، وسلف في باب: الجاسوس من الجهاد ، وهذه المرأة سارة، وقيل: أم سارة.

وقوله: (فأنخناها) الوجه فأنخنا بها، والحجزة من الإزار: معقده.

التالي السابق


الخدمات العلمية