التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3838 4065 - حدثنا عبيد الله بن سعيد، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما كان يوم أحد هزم المشركون، فصرخ إبليس لعنة الله عليه: أي عباد الله، أخراكم. فرجعت أولاهم، فاجتلدت هي وأخراهم، فبصر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال: أي عباد الله أبي أبي. قال: قالت: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه. فقال حذيفة: يغفر الله لكم. قال عروة: فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لحق بالله.

بصرت: علمت، من البصيرة في الأمر، وأبصرت من بصر العين، ويقال بصرت وأبصرت واحد. [انظر: 3290 - فتح: 7 \ 361]


[ ص: 159 ] ذكر فيه ثلاثة عشر حديثا:

أحدها:

حديث جابر - رضي الله عنه - قال: نزلت هذه الآية فينا: إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا [آل عمران: 122] بني سلمة وبني حارثة، وما أحب أنها لم تنزل، والله يقول: والله وليهما .

ذكر في غير هذا الموضع أن بني سلمة من الخزرج وبني حارثة من الأوس، والفشل: الجبن، والمولى: الناصر.

الحديث الثاني والثالث:

حديث جابر - رضي الله عنه - في تزويجه الثيب وحديثه بعده في وفائه دين والده. وقد سلفا.

وقوله: ("فهلا جارية تلاعبك") معنى "هلا" مشدد اللام وهو التحضيض، ونصب "جارية" بإضمار تزوجت، وإنما يجوز هذا أو أجرى ذكر الفعل، ومعنى لولا وإلا مثل هلا، وهي قياس من حروف التحضيض. و"تلاعبك" من اللعب لا من اللعاب. يوضحها رواية "تداعبها وتداعبك" والدعابة: المزاح، يقال: لعب بكسر العين من اللعب ولعب بفتحها من اللعاب.

وقوله: (فترك تسع بنات كن لي تسع أخوات) وفي الرواية التي بعدها: (ست بنات)، وقال في باب استئذان الرجل الإمام: (لي أخوات صغار) فلم يعين عددهن، وفي السيرة عند الخروج إلى حمراء الأسد: إن أبي خلفني على أخوات لي سبع . كذا هو

[ ص: 160 ] بتقديم السين الباء، ولا إشكال فذكر القليل لا ينفي ذكر الكثير، وقوله: (كن لي تسع أخوات) مع قوله: (تسع بنات) لعله لرفع المجاز.

وقوله: (فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن) أي: لا رفق فيها للأشياء. قال ابن فارس: الخرق نقيض الرفق . ويحتمل أن يريد أنها خجلة من الحياء والأول أظهر.

وقوله: ("أصبت") يدل على أن الثيب في هذه الحالة أولى من البكر الصغيرة، وهذا هو المراد بقول الفقهاء: البكر أولى إن لم يكن عذر فيما يظهر.

وشيخ البخاري في الثاني هو (أحمد بن أبي سريج)، وهو أبو جعفر بن محمد بن أبي سريج، واسمه الصباح النهشلي الداري، من أفراد البخاري لا تعرف وفاته .

و (الجذاذ) بفتح الجيم وكسرها وكذا كل ما يدل على وقت الحصاد والدراس.

وقوله: (كأنهم إنما أغروا بي) أي: كأنما أغروا بذلك وترسوا على ذلك.

والبيدر: الموضع الذي يجمع فيه التمر، كذا يسميه أهل العراق ويسميه أهل الحجاز الميدر، والشام (...) الأندر، ويسميه أهل اليمامة المسطح، وأهل نجد الجرين.

[ ص: 161 ] وقوله: (حتى كأني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنها لم تنقص تمرة واحدة)، هذا من بركة آثاره. وادعى الداودي أن هذا ليس في أكثر الروايات.

الحديث الرابع:

حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهما ثياب بيض، كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد.

هما من الملائكة كما قاله ابن التين، وانفرد به، وفيه معنى كتاب مسلم أنهما جبريل وميكائيل . وفي "الجمع " لأبي نعيم الحداد (أشد) بحذف الكاف، ونقل الداودي أن ابن عوف هو الرائي الذي رآهما، والذي في الكتاب أن سعد بن أبي وقاص هو الذي رآهما.

الحديث الخامس:

حديث هاشم بن هاشم السعدي، جده عتبة بن أبي وقاص، (نسب هاشم لسعد بن أبي وقاص لأنه سيد أمر قبيلتهم) قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: نثل لي النبي - صلى الله عليه وسلم - كنانته يوم أحد وقال: "ارم فداك أبي وأمي".

معنى (نثل): نثر، يقال: نثلت كنانتي نثلا إذا استخرجت ما فيها من

[ ص: 162 ] نبل وكذلك إذا نفضت ما في الجراب (...) وهو بنون، ثم مثلثة، وضبطها بعضهم بمثناة أي: قدمها إليه تقول: استنتل فلان من الصف إذا تقدم أصحابه، واستنتل للأمر: استعد له. والكنانة التركاش الذي يجمع فيه النبل.

وقوله: ("فداك أبي وأمي") هي كلمة تقولها العرب على الترغيب أي: إن كان إلى الفداء سبيل فديتك بهما أجمعين، هما يكبران عندي، وجمعه لأبويه سلف في باب مناقبه ، وأنه جمعهما للزبير أيضا .

الحديث السادس:

ويجمع أحاديث سعد، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعدا يقول: جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه يوم أحد.

هذا سلف في مناقبه، ثم ساقه أيضا من هذا الوجه: جمع لي يوم أحد أبويه كليهما يريد حين قال: "فداك أبي وأمي" وهو يقاتل.

قوله: (كليهما) كذا هو في البخاري وهو الصواب، وادعى ابن التين أنه وقع فيه كلاهما وأن صوابه كليهما.

ثم ساق عن علي - رضي الله عنه -: ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع أبويه لأحد غير سعد.

ولا يرد حديث الزبير; لأنه نفى السماع فقط، ثم ساقه أيضا عن علي - رضي الله عنه -: ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك، فإني سمعته يقول يوم أحد "يا سعد، ارم، فداك أبي وأمي".

[ ص: 163 ] وشيخ البخاري (يسرة بن صفوان) وهو بالمثناة تحت أوله وجده جميل لخمي دمشقي ثقة ثبت مات سنة ست عشرة ومائتين وهو من أفراده وابنه صفوان روى عن إسماعيل بن عياش وزاد الترمذي في هذا "ارم أيها الغلام الحزور " قال الزهري: رمى سعد يومئذ ألف سهم. وفي "شرف المصطفى": فما من سهم رمى به إلا قال - عليه السلام -: "هيا سعد فداك أبي وأمي". قلت: وكان سعد حينئذ يرمي، وقال له - عليه السلام -"ارم رمى الله لك"، ووقع في "الجمع بين الصحيحين" لأبي نعيم الحداد أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع له أبويه يوم الخندق، كذا قال.

العاشر:

حديث معتمر، عن أبيه قال: زعم أبو عثمان أنه لم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض تلك الأيام التي يقاتل فيهن غير طلحة وسعد عن حديثهما.

وهذا قد أسلفته وأنه لما ولى المسلمون يوم أحد تحيز - عليه السلام - إلى الجبل فلف طلحة فصحبه، وذكر أنه كان معهما اثنا عشر رجلا من الأنصار فلحقهم المشركون فاستأذن طلحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتالهم فلم يأذن له، فاستأذن طلحة فلم يأذن له، واستأذنه أنصاري فأذن، ومضى - عليه السلام - بمن معه فلبثوا ساعة ثم جدوا في الطلب فلحقوهم فاستأذنه أنصاري فأذن ومضى - صلى الله عليه وسلم - بمن معه فلبثوا معه ساعة، ثم جدوا في الطلب فلحقوهم، فاستأذن طلحة فلم يأذن له، واستأذنه أنصاري فأذن له، فلم يزل كذلك حتى قتل الاثنا عشر ولحق - عليه السلام - بالجبل ومعه طلحة. ذكره كذلك ابن التين.

[ ص: 164 ] الحديث الحادي عشر:

حديث السائب بن يزيد قال: صحبت عبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والمقداد، وسعدا فما سمعت أحدا منهم يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا أني سمعت طلحة يحدث عن يوم أحد.

سببه أن القوم فيهم من يكفي الناس بما عنده، وخشي هؤلاء السهو فحذروا أن يقعوا في قوله: "من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار" .

وقوله: (إني سمعت طلحة يحدث عن يوم أحد) فيه ذكر المرء لعمله الصالح ليؤدي ما علم مما لم يعلم غيره; لأنه انفرد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذ.

الحديث الثاني عشر:

حديث إسماعيل، عن قيس قال: رأيت يد طلحة شلاء، وقى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد.

الشلاء: اليابسة. رجل أشل من شلت يده، تشل بالفتح شللا، وأشلها الله، وفي رواية أخرى: قطعت أصبعه، فقال: حس. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لو ذكرت الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك" والحديث سلف أنه بقي معه سعد أيضا فلعله لحق بهما ويحتمل أن يكون قتال طلحة قبل تحيزه إلى الجبل.

الحديث الثالث عشر:

حديث أنس - رضي الله عنه -: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،

[ ص: 165 ] وأبو طلحة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجوب عليه بحجفة له، وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا ..

الحديث.

معنى (مجوب عليه بحجفة) ستره بها; لأن الجوب: الترس، وقد جاء مفسرا: تترس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بترس واحد.

و (الحجفة): الترس الصغير من الجلود ليس فيه خشب ولا عقب، وهي الدرقة، والجمع حجف، وقال الداودي: مجوب عليه. أي: ينحني عليه بها. قال: والنزع: شدة الرمي; لأنه كان شديد النزع، والجعبة -واحدة الجعاب- النشاب، وهي الكنانة التي تجعل فيها السهام، والنبل السهام العربية، وهي مؤنثة، وقال ابن دريد: أصل [الجعب] الجمع يقال جعبت الشيء جعبا، قال: وإنما يكون ذلك في الشيء اليسير . وسلف بقية الحديث في الجهاد في باب غزو النساء.

ومعنى (تنقزان) سلف. وقال غيره: تنقلان، وقال الداودي: هو مثل تنقلان والذي ذكر أهل اللغة أن النقز الوثب فلعلهما (كانتا تنهضان بالحمل وتنقزان وأنكره الخطابي، وإنما هو توقران أي: تحملان .

[ ص: 166 ] والأفواه جمع في، كما قال الداودي، والفم لا جمع له من لفظه، والذي ذكر أهل اللغة أن أصل الفم فوه فأبدل من الواو ميما والجمع يرد الشيء إلى أصله، كما أن ماء أصله موه، ولذلك قالوا في جمعه أمواه.

وقوله: (وقع السيف من يد أبي طلحة) أي: لأجل النعاس الذي ألقى الله عليهم أمنة منه.

الحديث الرابع عشر:

حديث عائشة رضي الله عنها: لما كان يوم أحد هزم المشركون، فصرخ: أي عباد الله، أخراكم. فرجعت أولاهم، فاجتلدت هي وأخراهم، فبصر حذيفة فإذا هو بأبيه اليماني فقال: أي عباد الله، أبي أبي. فقال: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه. فقال حذيفة: يغفر الله لكم. قال عروة: فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لحق بالله.

معنى (بصر): علم، من البصيرة في الأمور، وأبصرت من بصر العين، ويقال بصرت وأبصرت واحد.

وسبب قتل اليماني: ما رواه ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد قال: فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أحد رفع حسيل بن جابر -وهو اليماني أبو حذيفة بن اليماني- وثابت بن وقش في الآطام مع النساء والصبيان فقال أحدهما: لصاحبه، وهما - شيخان كبيران: لا أبا لك ما تنتظر؟ فوالله إن بقي لواحد منا من عمره إلا ظمء حمار ، إنما نحن هامة اليوم أو غد، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذا أسيافهما، ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما،

[ ص: 167 ] فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما اليماني فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه، فقال حذيفة: أبي والله. قالوا: والله إن عرفناه، وصدقوا، فقال حذيفة: يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين. فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرا .


وقوله: (فصرخ إبليس: أخراكم ) يخبرهم أن أخراهم صافوا العدو، وأنهم يخشى عليهم فرجعوا فتطاعنوا، وكل فرقة تحسب الأخرى عدوها، ولم يذكر في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يديه فتصدق بها حذيفة على المسلمين.

التالي السابق


الخدمات العلمية