التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
340 [ ص: 214 ] 8 - باب: التيمم ضربة

347 - حدثنا محمد بن سلام قال: أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق قال: كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى الأشعري، فقال له أبو موسى: لو أن رجلا أجنب، فلم يجد الماء شهرا، أما كان يتيمم ويصلي فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدةفلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا [المائدة: 6] فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد. قلت: وإنما كرهتم هذا لذا؟ قال: نعم. فقال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة فأجنبت، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا". فضرب بكفه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه، فقال عبد الله: أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟ وزاد يعلى، عن الأعمش، عن شقيق: كنت مع عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثني أنا وأنت فأجنبت فتمعكت بالصعيد، فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرناه، فقال: "إنما كان يكفيك هكذا". ومسح وجهه وكفيه واحدة؟ [انظر: 338 - مسلم: 368 - فتح: 1 \ 455] .


ذكر فيه حديث أبي موسى مع عبد الله، وقوله: ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة. إلى قوله: "إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا". فضرب بكفه ضربة على الأرض.. الحديث. وقد سلف فقهه فيما مضى.

وقوله: (زاد يعلى عن الأعمش) إلى آخره. هذا وصله الإسماعيلي عن ابن زيدان عن أحمد بن حازم عن يعلى به.

واختلف العلماء في صفة التيمم على أقوال:

[ ص: 215 ] أحدها: أنه ضربة واحدة، وعليه بوب البخاري، وهو أصح من رواية ضربتين كما سلف.

وثانيها: أنه ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، روي هذا عن ابن عمر والشعبي والحسن وهو قول مالك والثوري والليث وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي، وذكره الطحاوي عن الأوزاعي.

وهؤلاء كلهم لا يجزئه عندهم المسح دون المرفقين إلا مالكا، فإن الفرض عنده إلى الكوعين. وروي عن علي مثل هذا: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى الكوعين، وهذا قول ثالث.

وفيه قول رابع: أنه ضربتان يمسح بكل ضربة منهما وجهه وذراعيه إلى مرفقيه، وهذا قول ابن أبي ليلى والحسن بن حي.

وفيه قول خامس: أنه ضربة واحدة للوجه والكفين إلى الكوعين، روي هذا عن عطاء ومكحول، ورواية عن الشعبي، وهو قول [ ص: 216 ] الأوزاعي وأحمد وإسحاق، واختاره ابن المنذر. وروى ابن القاسم عن مالك: إن مسح وجهه ويديه بضربة واحدة أرجو أن تجزئه، ولا إعادة عليه. والاختيار عنده ضربتان.

وحجة من جعله إلى المرفقين القياس على الوضوء، وابتغوا فعل ابن عمر، وقد روي من حديث ابن عمر أيضا مرفوعا، صححه الحاكم.

وقالوا: لما كان غسل الوجه بالماء غير غسل اليدين، فكذلك يجب أن تكون الضربة للوجه في التيمم غير الضربة لليدين.

والقول الرابع شاذ لا سلف له فيه، وأصح ما في حديث عمار أنه ضرب ضربة واحدة لكفيه ووجهه. رواه الثوري وأبو معاوية وجماعة عن الأعمش عن أبي وائل. وسائر أحاديث عمار مختلف فيها.

واحتج لهذا القول أيضا بأنه إذا ضرب يديه إلى الأرض، فبدأ بمسح وجهه فإلى أن يبلغ في حد الذقن لا يبقى في يديه شيء من التراب، فإذا جاز في بعض الوجه ذلك ولم يحتج أن يعيد ضرب يديه على الأرض لم يحتج أن يضرب بيديه ليديه؛ لأنه ليس كالماء الذي من شرطه أن يماس كل جزء من الأعضاء.

وفي المسألة قول سادس غريب: أنه يضرب أربع ضربات: ضربتان للوجه، وضربتان لليدين، حكاه ابن بزيزة في "شرح أحكام عبد الحق" ثم قال: وليس له أصل في السنة، وما أقصر في ذلك، ثم قال: وقال [ ص: 217 ] بعض العلماء: يتيمم الجنب إلى المنكبين. وغيره إلى الكوعين. ثم قال وهو قول ضعيف. وهو كما قال أيضا.

وفي "قواعد ابن رشد" روي عن مالك الاستحباب إلى ثلاث، والفرض اثنتان. وقال ابن سيرين: ثلاث ضربات، الثالثة لهما جميعا. وفي رواية عنه: ضربة للوجه، وضربة للكف، وضربة للذراعين.

التالي السابق


الخدمات العلمية