التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
3897 4124 - وزاد إبراهيم بن طهمان، عن الشيباني، عن عدي بن ثابت، عن

[ ص: 242 ] البراء بن عازب: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم قريظة لحسان بن ثابت: " اهج المشركين، فإن جبريل معك". [انظر: 3213- مسلم: 2486 - فتح: 7 \ 416]


ذكر فيه سبعة أحاديث:

أحدها:

حديث عائشة رضي الله عنها: لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل - عليه السلام - فقال: قد وضعت السلاح .. الحديث. وأشار إلى بني قريظة.

وقد سلف بطوله في الجهاد في باب الغسل بعد الحرب . وكانت قريظة في ذي القعدة سنة خمس. قال الواقدي: في بقية ذي القعدة وأول ذي الحجة . وقال ابن سعد: خرج إليهم يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة في ثلاثة آلاف رجل والخيل ستة وثلاثون فرسا، فحاصرهم خمس عشرة ليلة . وقيل: خمسا وعشرين ليلة. وعند الحاكم: بضعا وعشرين ليلة. قال ابن سعد: وانصرف راجعا يوم الخميس لثمان خلون من ذي الحجة . وقد ساق ابن إسحاق وغيره القصة بطولها، وكانت أعانت الأحزاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: وأنزل الذين ظاهروهم [الأحزاب: 26].

الحديث الثاني:

حديث حميد بن هلال، عن أنس - رضي الله عنه - قال: كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني قريظة.

[ ص: 243 ] روينا عن أبي بكر الشافعي من حديث العمري عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها رأته على صورة دحية .

وروينا أيضا أنه - صلى الله عليه وسلم - حين سار قال لقومه: "هل مر بكم نفر؟ " قالوا: مر بنا دحية الكلبي قال: "ذاك جبريل سار إلى بني قريظة يزلزلهم" .

الحديث الثالث:

حديث ابن عمر رضي عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة". فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها. وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك. فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحدا منهم. أي: ممن تأول ذلك. وقد سلف قبل العيد .

ففيه: تصويب المجتهدين كما قاله الداودي وغيره، ويشهد له قصة داود وسليمان في الحرث، وأنكره الخطابي وقال: إنما هو ظاهر خطاب خص بنوع من الدليل، ألا تراه قال: (بل نصلي، لم يرد منا ذلك) .

[ ص: 244 ] واستدل به على قضاء العامد، وقد سلف قريبا.

وفيه: أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية، فقد صلت طائفة منهم قبل الغروب وقالوا: لم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إخراج الصلاة عن وقتها، وإنما أراد الحث والإعجال.

الحديث الرابع:

حديث أنس - رضي الله عنه - قال: كان الرجل يجعل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - النخلات، حتى افتتح قريظة والنضير، وإن أهلي أمروني أن آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسأله الذي كانوا أعطوه أو بعضه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعطاه أم أيمن، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي تقول: كلا والله الذي لا إله إلا هو لا يعطيكم وقد أعطانيها. أو كما قالت. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لك كذا". وتقول: كلا والله. حتى أعطاها، حسبت أنه قال: "عشرة أمثاله". أو كما قال.

ما ذكر في النخلات إنما كانت الأنصار أعطت المهاجرين من ثمارهم، فلما فتحت بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع قال - عليه السلام - للأنصار: "إن شئتم قسمت لكم، وبقيتم على ما كنتم عليه، وإن شئتم رجعت إليكم أموالكم وقسمت لهم دونكم" فاختاروا رد أموالهم، فلذلك كلموا أم أيمن.

الحديث الخامس:

حديث أبي سعيد الخدري: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ .. الحديث.

سلف في الجهاد في باب إذا نزل العدو على حكم رجل

[ ص: 245 ] (وقال) هنا: ("قوموا إلى سيدكم") أو ("خيركم").

وفيه: فقال: "قضيت بحكم الله". وربما قال: "بحكم الملك".

وفيه: تشريف الرجل الصالح والتنبيه على معرفة فضيلته، وجواز القيام له بشرط أن لا يحبه له ولا يختاره، وقد قام - عليه السلام - لغير واحد، وكانت فاطمة تقوم له ويقوم لها، وحديث: "من سره أن يتمثل له الرجال قياما" وروي "يستخيم" بالخاء كما قال ابن قتيبة، من خام يخيم إذا قام بمكانه، فالمراد من أقام: أراد أن يقام الرجال على رأسه كما يقام بين يدي الملوك والأمراء، بدليل رواية: "من سره أن يقوم له الرجال صفونا" والصافن: الذي أطال القيام ورفع إحدى قوائمه ليستريح وقد سلف ذلك أيضا في الجهاد واضحا.

والذرية: بضم الذال كذا نحفظه، وقال أبو عبد الملك: هي بنصب الذال وتأويلها: النساء والصبيان. قال: وبالرفع النسل. واختلف في وزن ذرية بالضم هل هي فعلية أو فعليلة. واختلف من قال بالثاني هل أصله من (ذر) فيكون أصله (ذرورة) فأبدلت إحدى الراءات ياء، [أو أصله] من (ذرأ)، فأبدل من الهمزة ياء.

[ ص: 246 ] والملك: بكسر اللام وروي بفتحها وهو جبريل. وروي: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة" . أي: سبع سماوات. كما جاء في الصحيح; لأنها رفعت بالنجوم، وفي رواية بذلك طرقني الملك سحرا. وفي أخرى ذكرها صاحب "شرف المصطفى": أصبت حكم الله ورسوله.

الحديث السادس:

حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له: حبان ابن العرقة، رماه في الأكحل، الحديث.

وقد سلف مختصرا في أوائل الصلاة في باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم . وذكر فيه هنا أن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرد الحكم إلى سعد، كذا هنا أنهم نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرده إلى سعد، والحديث قبله أنهم نزلوا على حكم سعد.

وفي "الأموال" لأبي عبيد: قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأبوا واختاروا النزول على حكم سعد . وقال ابن التين: لعله رد الحكم قبل نزولهم وكانوا من حلفاء قومه فرجوا أن يستبقيهم.

وقول سعد: (اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك ..) إلى آخره. إما أن يكون أراد في ذلك الوجه، أو لحرب الذين ثابوا راجعين إلى المدينة كما فعلوا في أحد والأحزاب، أو أراد من ظاهرهم من أهل الكتاب، وإنما ضرب له الشارع خيمة في المسجد;

[ ص: 247 ] لئلا يفوته أكثر شأنه، وأنه يتولى غسله; لئلا يفوته كما فاته غسل حنظلة غسيل الملائكة، غسلوه بين السماء والأرض، فسئلت امرأته فقالت: ألم بي ثم خرج إلى القتال فاستشهد .

وقوله: (وإن كنت وضعت الحرب فافجرها) هو بوصل الألف وضم الجيم ثلاثي من فجر يفجر، فجعله ثلاثيا متعديا وذلك جائز، وقد قرئ: (أو تفجر الأنهار خلالها تفجيرا) فجعله ثلاثيا بضم الجيم وفتح التاء .

وقوله: (فانفجرت من لبته) اللبة: موضع القلادة من الصدر.

وقوله: (فلم يرعهم) أي: فلم يخفهم.

وقوله: (يغذو جرحه دما) أي: يسيل. وقال ابن سعد: مرت عليه عنز وهو مضطجع فأصابت الجرح بظلفها، فما رقأ حتى مات .

وفي "السيرة": فلما مات أتى جبريل معتجرا بعمامة من استبرق، فقال: "يا محمد من هذا الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ " فقام - صلى الله عليه وسلم - سريعا، يجر إليه ثوبه فوجده قد مات، ولما حمل

[ ص: 248 ] نعشه وجدوا له خفة، فقال: "إن له حملة غيركم" . وقال ابن عائذ فيه: لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا سعدا ما وطئوا الأرض إلا يومهم هذا .

ودعاء سعد هذا على قريش لعله يدخر له في الآخرة; لأن الله لم يضع حرب قريش، وحمله على بني قريظة خروج عن الظاهر; لأنه قال: (فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له). وقيل: يحتمل أن يكون أراد في ذلك الوجه أداء لحرب الذين ثابوا راجعين إلى المدينة كما فعلوا في أحد والأحزاب.

فائدة:

حبان بكسر الحاء المهملة ثم باء موحدة ثم ألف ثم نون، والعرقة: أمه هي بنت سعيد بن سعد بن سهم، سميت العرقة لطيب ريحها، وأبوه عبد مناف بن منقذ ذكره السهيلي .

وابن الكلبي يقول فيه: حبان بن أبي قيس بن عاصم بن عبد مناف، وموسى بن عقبة يقول فيه: جبار بن قيس بالجيم والراء أحد بني العرقة.

الحديث السابع:

حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم قريظة لحسان بن ثابت "اهج المشركين، وإن جبريل معك".

فيه: فضل ظاهر له.

[ ص: 249 ] فصل:

لم يقتل من النساء في هذه الغزوة إلا امرأة واحدة، واسمها نباتة، كما وجد بخط السلفي وبخط غيره (بنانة) كانت ألقت رحى على خلاد بن سويد فقتلته. واستدل به السهيلي على قتل المرتدة ، فرد عليه من خالف فيه، وهذه كان قتلها قصاصا.

فصل:

وكان بعث بنو قريظة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ابعث لنا أبا لبابة بن عبد المنذر نستشيره في أمرنا، فقالوا: أترى أن ننزل على محمد؟ قال: نعم. وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح ثم تاب الله عليه بعد ذلك، ثم نزلوا بعد على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم فوض إلى سعد، وكان - عليه السلام - قد جعل سعدا في خيمة لامرأة من [أسلم] يقال لها: رفيدة كانت تداوي الجرحى.

واختلف في قدرهم، فقال ابن عباس: كانوا سبعمائة وخمسين وعند موسى بن عقبة: ستمائة مقاتل. وللنسائي عن جابر: أربعمائة ، وقال السهيلي: كانوا [ستمائة أو سبعمائة] ، والمكثر يقول: ما بين

[ ص: 250 ] الثمانمائة إلى التسعمائة .

فصل:

كان الحكم في بني قريظة أن كل من أنبت قتل، وخمست غنائمهم وهو أول فيء وقعت فيه السهمان، وخمس، واصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو.

وأنزل الله في أمر الخندق وبني قريظة يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم إلى قوله: قديرا [الأحزاب: 9 - 27 ].

فصل:

لما بعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببغلة، وجبة من سندس، جعل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبون من حسن الجبة، فقال - عليه السلام -: "لمناديل سعد بن معاذ في الجنة -يعني- أحسن من هذا"، وسلف ذلك في مناقبه أيضا .

فصل:

استشهد يوم بني قريظة خلاد بن سويد الحارثي المطروح عليه الرحى كما سلف، زاد ابن عائذ: ومنذر بن محمد أحد بني جحجبا، ومات أبو سنان بن محصن الأسدي، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحاصر بني قريظة فدفن في مقبرتهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية