التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
351 [ ص: 286 ] 358 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن سائلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في ثوب واحد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " أولكلكم ثوبان؟ " [365 - مسلم: 515 - فتح: 1 \ 470] .


وهذا ذكره بعد مسندا، والعاتق: يذكر ويؤنث.

ثم ساق من حديث عمر بن أبي سلمة أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه.

ثم ساق من حديثه أيضا أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة، قد ألقى طرفيه على عاتقيه.

ثم ساق حديثه أيضا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد مشتملا به في بيت أم سلمة، واضعا طرفيه على عاتقيه.

ثم ساق حديث أبي مرة -مولى أم هانئ بنت أبي طالب- عن أم هانئ أنها ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره، قالت: فسلمت عليه، فقال: "من هذه؟ " فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب. فقال: "مرحبا يا أم هانئ". فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثماني ركعات، ملتحفا في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله، زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا قد أجرته فلان بن هبيرة. فقال - صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ". ثم قالت أم هانئ: وذلك ضحى.

ثم ساق من حديث أبي هريرة، أن سائلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في ثوب واحد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "أولكلكم ثوبان؟ " [ ص: 287 ] أما حديث عمر بن أبي سلمة فخرجه مسلم أيضا في الصلاة والأربعة، وأما حديث أم هانئ: فسلف في الغسل مختصرا.

وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه مسلم أيضا وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وبقية الباب سلف في الباب قبله وهو صريح وهو قوله - عليه السلام: "أولكلكم ثوبان".

والتوشح أن يأخذ طرف الثوب، الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ الطرف الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى، ثم يعقدهما على صدره، صرح به ابن سيده وغيره.

قال الجوهري: والتحفت بالثوب تغطيت به، وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به، والتوشح هو نوع من الاشتمال تجوز الصلاة به؛ لأن فيه مخالفة طرفي الثوب على عاتقه كما فعله الشارع وأمر به، واشتمال الصماء المنهي عنه خلاف هذا، ومعنى مخالفته بين طرفيه لئلا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع، وقد يقال: المعنى: عدم السقوط إذا ركع وإذا سجد.

ثم في حديث أم هانئ فوائد فلنوردها مختصرة:

فيه: سلام المرأة والتلبية والملاطفة بقوله: مرحبا أي صادفت رحبا وسعة.

[ ص: 288 ] والكلام على الاغتسال، وهذه الصلاة: صلاة الضحى كما جاء في بعض طرقه، وفي بعضها أنها صلاة الإشراق، وهذا يرد قول من ادعى أنها صلاة الصبح.

ومعنى زعم هنا: ذكر أمرا لا أعتقد موافقته فيه. وقولها: (ابن أمي) تعني: عليا، فإنه أخوها شقيقها، وإنما قالت: ابن أمي؛ لتؤكد الحرمة والقرابة والمشاركة في بطن وكثرة ملازمة الأم، وهو موافق لقوله تعالى: حكاية عن هارون لموسى قال: قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي [طه: 94].

وقولها: (فلان بن هبيرة) هو والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، كذا هو في كتاب الزبير بن بكار، وفي الطبراني: فقلت: يا رسول الله، إني أجرت حموي، وفي رواية حموي ابن هبيرة وفي وراية حموي ابني هبيرة.

وفي كتاب الأزرقي أنها أجارت عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي والحارث بن هشام.

وقال ابن عبد البر: استتر عندها رجلان من بني مخزوم وأجارتهما، قيل: إنهما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية. وقيل: أحدهما جعدة بن هبيرة. قال: والأول أصح. قال: وهبيرة بن أبي وهب زوجها، وولدت له جعدة وغيره.

قال ابن الجوزي: قولها: (فلان بن هبيرة) إن كان من أولاده منها، فالظاهر أنه جعدة. قلت: لكن رواية حموي بعيدة، ولم تكن تحتاج إلى إجارة ابنها.

[ ص: 289 ] أمان المرأة: قال ابن عبد البر: أجازه العلماء كلهم -أجاز ذلك الإمام أو لم يجزه- وهو ظواهر الأخبار. وشذ ابن الماجشون فمنع أمانها.

قلت: وكأنه يقول: إنما تمت إجارتها بإجازة الشارع، ولو كانت إجارتها لازمة لم يقل: "أجرنا".

وقوله في حديث أبي هريرة "أولكلكم ثوبان": لفظة استخبار، ومعناه: إخبار عن ضيق حالهم وتقريرها عندهم، وفي ضمنه الفتوى من طريق الفحوى ثم استقصر علمهم واستبطأ فهمهم، فكأنه قال: إذا كان ستر العورة واجبا والصلاة لازمة، وليس لكل واحد ثوبان، فكيف لم يعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد ليست جائزة؟ قال الطحاوي: وصلاته - صلى الله عليه وسلم - في الثوب الواحد في حال وجود غيره، من الأخبار المتواترة، قلت: وقد سلف جملة منها في الباب قبله وسيأتي أيضا.

التالي السابق


الخدمات العلمية