التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4096 4353 ، 4354 - حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل عن حميد الطويل ، حدثنا بكر أنه ذكر لابن عمر أن أنسا حدثهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل بعمرة وحجة، فقال أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحج، وأهللنا به معه، فلما قدمنا مكة قال: " من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة". وكان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - هدي، فقدم علينا علي بن أبي طالب من اليمن حاجا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بم أهللت؟ فإن معنا أهلك". قال: أهللت بما أهل به النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: "فأمسك، فإن معنا هديا". [مسلم: 1232 - فتح: 8 \ 70]


ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث البراء - رضي الله عنه -: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع خالد بن الوليد إلى اليمن، قال ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه، فقال: "مر أصحاب خالد، من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب، ومن شاء فليقبل". فكنت فيمن عقب معه، قال: فغنمت أواق ذوات عدد.

[ ص: 517 ] التعقيب: أن يعقب الجيش بعد القفول ليصيبوا غرة من العدو، قاله الخطابي . وقال ابن فارس: التعقيب: غزاة بعد غزاة . وقال الداودي: هو أن تبعث قوما; ليبذل لهم قوم قد تقدم لهم الخروج في عمل آخر أو غزو ويخرجون في عقبهم.

واستدل به على جواز استعمال بني هاشم على الخمس، بخلاف حديث الفضل: أنهم لا يستعملون على الصدقات، ومن جوز جعله كالإجارة، فيجوز خمسا كالفيء بخلاف من يأخذها منهم من غير مقابل.

الحديث الثاني:

حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا إلى خالد بن الوليد ليقبض الخمس وكنت أبغض عليا، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟! فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرت ذلك له، فقال: "يا بريدة أتبغض عليا؟ ". فقلت: نعم. فقال: "لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك".

قوله: (وقد اغتسل) يريد أنه وقع على جارية صارت له في القسمة من الخمس، واعتذر عنه الشارع بأن له في الخمس أكثر من ذلك.

وقوله: (كنت أبغض عليا) لعله رأى منه ما ظن أنه تعدى فيه الحق فكرهه له، ففيه: الأمر بالمعروف على حسب ما تبين، وفيه: جوازالقول فيمن يظن أنه قارف ذنبا. وقد روي الحديث بأتم من هذا، قال بريدة: كنت في جيش فغنموا، فبعث أمير الجيش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ابعث من يخمسها، فبعث عليا - رضي الله عنه -، وفي السبي وصيفة من أفضل

[ ص: 518 ] السبي فوقعت في الخمس، ثم خمس فصارت في أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم خمس فصارت في آل علي، فأتى ورأسه يقطر .. وذكر الحديث ، ففيه بيان قسمته لنفسه وإصابته قبل الاستبراء، والجواب أن ما يقسم بالولاية من الأشياء التي هي من هذا الجنس يجوز أن يقع ذلك ممن هو شريك فيه، كما يقسم الإمام بالإمامة الغنائم بين أهلها وهو منهم، ومنصوب الإمام في ذلك كالإمام، وأما الاستبراء فيحتمل أن تكون غير بالغة، وقد قال بعدمه في حقها غير واحد من

العلماء منهم: القاسم بن محمد وسالم والليث وأبو يوسف. ويحتمل أن تكون عذراء، وهو رأي ابن عمر وإن بلغت -ذكره كله الخطابي- وفيه: أن شهادة العدو ومن في قلبه شنآن ويبغض صاحبه غير مقبولة .

الحديث الثالث:

حديث أبي سعيد الخدري: بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها، فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. الحديث.

الذهيبة: واحدة الذهب يذكر ويؤنث، والتأنيث لغة أهل الحجاز، قاله القزاز. وقال ابن فارس ربما أنث . وكذا قال الجوهري، قال: والقطعة: ذهبة، وتجمع على الأذهاب .

[ ص: 519 ] ونقدم الكلام عليه من وجوه:

أحدها: الذهيبة .. إلى آخره.

ومعنى مقروظ: مدبوغ بالقرظ، وهو شجر يدبغ بورقه، ولونه إلى الصفرة.

وقال الخليل: هو ورق السلم .

وقوله: (لم تحصل من ترابها) أي: لم تخلص من تراب المعدن.

ثانيها:

عيينة بن بدر هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو [بن] جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة -واسمه: عمرو، ضربه أخ له ففزره فسمي فزارة -واسم عيينة: حذيفة فأصابته لقوة فجحظت عيناه، فسمي: عيينة، يكنى أبا مالك، وكان يقال لجده حذيفة: رب معد، وشهد عيينة والأقرع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا، وقيل: إنهما شهدا الفتح. وكان عيينة من المنافقين ارتد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعثه خالد في وثاق إلى أبي بكر فأسلم وعفا عنه، وخارجة بن حصن أخوه، وابن أخيه الحر بن قيس بن حصن، أسلما في وفد فزارة بعد رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك، وكانوا بضعة عشر رجلا.

[ ص: 520 ] والأقرع بن حابس لقب واسمه فراس، وكان في رأسه قرع فلقب بذلك، [ذكر ذلك] عن ابن دريد -وهو: ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع أخي نهشل، ابني دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك أخي سعد، ابني زيد مناة أخي عمرو، ابني تميم بن مر بن أد بن طابخة. قدم في وفد تميم، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين مائة من الإبل -كما سلف في الخمس، وصعصعة بن ناجية بن عقال- جد الفرزدق الشاعر ابن همام بن غالب بن صعصعة- قدم فأسلم.

وعياض بن (حمار) بن سفيان، كذا نسبه ابن الكلبي وابن سعد ، [روى] له مسلم.

وعلقمة هو: ابن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، من المؤلفة وكان سيدا في قومه حليما عاقلا.

[ ص: 521 ] وعامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب فارس بني عامر، وذكره وهم -كما قال الدمياطي- قال: لأنه مات كافرا، وعمه أبو براء هو ملاعب الأسنة عامر بن مالك بن جعفر، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر الشاعر.

ثالثها:

قوله: (فقام رجل غائر العينين) أي: غارت عيناه ودخلتا، فهو ضد الجاحظ، يقال: غارت عينه تغور غورا فهي غائرة.

قوله: (مشرف الوجنتين) أي: ليس بسهل الخد، وقد أشرفت وجنتاه، أي: علتا على ما حوله، والوجنتان: العظمان المشرفان.

و (ناشز الجبهة): ناتئها، وكل ناتئ ناشز، وأخذ من: النشز، وهو ما ارتفع من الأرض، ومنه قوله تعالى: فانشزوا أي: ارتفعوا.

و (الجبهة): ما بين الجبين من الإنسان وهو الموضع الذي تمسه الأرض من السجود.

(كث اللحية): كثير شعرها، وقيل: لحية مجتمعة، قال الهروي في صفته - عليه السلام -: كث اللحية، يقال: الكثوثة فيها: أن تكون غير رقيقة ولا طويلة ولكن فيها كثافة، ورجل كث اللحية، وقوم كث .

وقوله: (محلوق الرأس) كانوا لا يحلقون رءوسهم ويفرقون شعورهم.

وقوله: (مشمر الإزار) شمره: رفعه عن الكعب.

رابعها:

قوله: (لعله يصلي) مفهومه قتل تاركها، وفيه خلاف مشهور.

[ ص: 522 ] وقوله: ("لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس")، النقب من قولهم: نقب الحائط نقبا: إذا فتح فيه فتحا.

وقوله: (وهو مقف) أي: مول، يقال: قفى الرجل القوم: إذا ولاهم قفاه، وقد أقفاه يقفهم إذا فعل ذلك فهو مقف.

وقوله: ("يخرج من ضئضئي هذا") أي: أصله، يقال هو من ضئضئي صدف. أي: من أصل صدف. ومن ضوض صدف مثله.

وقال الداودي: من ضيضي هذا، أي: ممن يقول مقالته. وقيل: هو الولد والنسل، وهو الأصل. وقال ابن فارس: الضئضئ: كثرة النسل وبركته. ذكره في باب الضاد المعجمة ، وروي بالمهملة.

وقوله: ("يتلون كتاب الله رطبا") قيل: سهلا كما في الرواية الأخرى: (لينا) . وقال الخطابي: أي: واظب عليها فلا يزال لسانه رطبا بها، ويكون أيضا تحسين الصوت بالقراءة، ومن الثقافة والحذق بها فيجري لسانه بها ويمر عليها مرا لا (يغير) ولا يتكسر. كل هذه الوجوه محتملة، وهذا شبيه بما روي من قوله: "من أراد أن يقرأ القرآن غصا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد" ، وقيل: يريد الذي لا شدة في صوته وهو لين رطب. وقيل: يريد أنه يحفظ ذلك حفظا حسنا.

[ ص: 523 ] وقوله: ("لا يجاوز حناجرهم") أي: لا يرفع فيما يرفع من العمل الصالح.

وقيل: لم يتمكن في قلوبهم كثير شيء من اليقين به، وإنما يحفظونه بالألسن، وهي مقاربة الحناجر، فنسب إليها ما قاربها.

("ويمرقون من الدين") أي: الطاعة دون الملة.

وقوله: ("لأقتلنهم قتل ثمود") إن قلت: إذا كان قتلهم واجبا فكيف منع خالدا أن يقتله؟ فالجواب، كما قال الخطابي: إنما منعه لعلمه بأن الله سيمضي قضاءه فيه حتى يخرج من نسله من يستحق القتل لسوء فعله ومروقه من الدين، فيكون قتلهم عقوبة لهم، فيكون أدل على الحكمة وأبلغ في المصلحة .

الحديث الرابع: حديث جابر في إهلال علي، سلف في الحج سندا ومتنا . وزاد هنا: (فقدم علي بسعايته)، وزاد في آخره: (فأهدى له علي هديا). والمراد بالسعاية: ما أخذ من خالد.

ومعنى: (أهدى له هديا): أعطاه شيئا أهداه، ليس أنه أوجب هديا ثم أعطاه له عليا، وإن كان الظاهر خلافه، ويحتمل أن يكون علي بدلا من الضمير في (له) فيكون علي مخفوضا على هذا، ذكره ابن التين.

الحديث الخامس:

حديث بكر أنه ذكر لابن عمر أن أنسا حدثهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل بعمرة وحجة .. الحديث. وفيه: فقال - صلى الله عليه وسلم -: "بم أهللت؟ فإن معنا أهلك". قال: أهللت بما أهل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: "فأمسك، فإن معنا هديا".

[ ص: 524 ] يريد بأهله فاطمة، فأعلمه إن كان أهل بعمرة أنها تحل له، فلما أخبره (أنه) أمره بالإمساك عن الإحلال، وأن يجعل نيته عن الحج، وهو دال على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن متمتعا وإنما كان مفردا أو قارنا.

خاتمة: قال ابن سعد: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا إلى اليمن، يقال: مرتين. إحداهما في رمضان سنة عشر من مهاجره، وعقد له لواء وعممه بيده، وقال له: "امض ولا تلتفت ولا تقاتلهم حتى يقاتلوك" فخرج في ثلاثمائة فارس ففرق أصحابه وأتوا بنهب فجعل عليها بريدة بن الحصيب الأسلمي ثم لقي جمعهم، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، فقاتلهم ثم أسلموا فقسم الغنائم ثم وافى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، وقد قدمها حاجا سنة عشر . وذكر الدمياطي بعثه في هذه السنة فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، فكتب بذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قرأ كتابه خر ساجدا، ثم جلس. فقال: "السلام على همدان". وتتابع أهل اليمن على الإسلام. ويشبه أن يكون ما ذكره هو السرية الأولى والباقي الثانية.

[ ص: 525 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية