التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4121 4382 - حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن خالد عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح". [انظر: 3744- مسلم: 2419 - فتح: 8 \ 94]


حديث صلة بن زفر، عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيا فلاعناه، لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا. فقال: "لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين".

[ ص: 555 ] فاستشرف لها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح". فلما قام قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا أمين هذه الأمة".


ثم ساق حديث صلة بن زفر، عن حذيفة قال: جاء أهل نجران إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ابعث لنا رجلا أمينا .. الحديث.

وسلف في مناقبه، وقال ههنا: (فاستشرف لها الناس) وقال هناك: (فاستشرف أصحابه).

ثم ذكر حديث أنس: "إن لكل أمة أمينا .. " الحديث، سلف أيضا هناك.

الشرح:

كان أهل نجران أهل كتاب، والسيد والعاقب: علماؤهم وملوكهم. ذكر ابن سعد أنه - عليه السلام - (كتب) إلى أهل نجران، فخرج إليه وفدهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، فيهم: العاقب -وهو عبد المسيح من كندة- وأبو الحارث بن علقمة -رجل من ربيعة- وأخوه (كوز) ، وأوس والسيد ابنا الحارث، وزيد بن قيس وشيبة وخويلد، وخالد وعمرو وعبيد الله، وفيهم ثلاثة نفر يتولون أمرهم:

[ ص: 556 ] العاقب أميرهم وصاحب مشورتهم والذي يصدرون عن رأيه، وأبو الحارث أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم. والسيد، وهو صاحب رحالهم، ويقدمهم كوز وهو يقول:


إليك تعدو قلقا وضينها

معترضا في بطنها جنينها

    مخالفا دين النصارى دينها



ودخلوا المسجد وعليهم ثياب الحبرة وأردية مكفوفة بالحرير، فقاموا يصلون في المسجد نحو الشرق، فقال - عليه السلام -: "دعوهم" ثم أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعرض عنهم ولم يكلمهم، فقال لهم عثمان: ذلك من أجل زيكم. فانصرفوا بزيهم ذلك، ثم غدوا عليه بزي الرهبان، فسلموا، فرد عليهم ودعاهم إلى الإسلام، فأبوا وأكثروا الكلام واللجاج بينهم، وتلا عليهم القرآن وقال: "إن أنكرتم ما أقول لكم فهلم أباهلكم" فانصرفوا على ذلك.

فغدا عبد المسيح ورجلان من ذوي رأيهم فقالوا: قد بدا لنا أن لا نباهلك، فاحكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك، فصالحهم على ألفي حلة، ألف في رجب، وألف في صفر، أو قيمة ذلك من الأواقي، وعلى عارية ثلاثين درعا، وثلاثين رمحا، وثلاثين بعيرا، وثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد، ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة

[ ص: 557 ] محمد - صلى الله عليه وسلم - النبي، على أنفسهم (وملائهم) وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبيعهم، ولا يغير أسقف عن سقيفاه، ولا راهب عن رهبانيته، ولا واقف عن وقفانيته، وأشهد على ذلك شهودا، منهم: أبو سفيان، والأقرع بن حابس، والمغيرة بن شعبة، ورجعوا إلى بلادهم فلم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فأسلما) وأقام أهل نجران على ما كتب لهم حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما ولي أبو بكر كتب بالوصاة بهم، ثم أصابوا ربا فأخرجهم عمر من أرضهم، وكتب لهم: هذا ما كتب عمر أمير المؤمنين لنجران، من سار منهم أنه آمن بأمان الله، لا يضرهم أحد من المسلمين; وفاء لهم بما كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر. أما بعد: فمن وقعوا به من أمراء الشام وأمراء العراق فليوسعهم من جريب الأرض، فما اعتملوا من ذلك فهو لهم صدقة، وعقب لهم بمكان أرضهم، لا سبيل عليهم لأحد ولا مغرم.

أما بعد: فمن حضرهم من رجل مسلم فلينصرهم على من ظلمهم فإنهم أقوام لهم الذمة، وجزيتهم عنهم متروكة أربعة وعشرين شهرا بعد أن تقدموا، ولا يكلفوا إلا من ضيعتهم التي اعتملوا غير مظلومين ولا معنوف عليهم. شهد عثمان بن عفان ومعيقيب، فوقع ناس منهم بالعراق فنزلوا النجرانية التي بناحية الكوفة .

فصل:

العقب هنا: الذرية، وقيل: كل الورثة.

التالي السابق


الخدمات العلمية