التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4189 4458 - حدثنا علي، حدثنا يحيى وزاد: قالت عائشة: لددناه في مرضه، فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني، فقلنا كراهية المريض للدواء. فلما أفاق قال: "ألم أنهكم

[ ص: 621 ] أن تلدوني". قلنا: كراهية المريض للدواء. فقال: "لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر، إلا العباس، فإنه لم يشهدكم".
رواه ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. [5712، 6886، 6897- مسلم: 2213 - فتح: 8 \ 147]


ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

ذكره معلقا بلفظ: وقال يونس، عن الزهري: قال عروة قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر، فهذا أوان وجدت آنقطاع أبهري من ذلك السم".

والأبهر -بفتح الهمزة والهاء- عرق مستبطن القلب، قيل: هي النياط التي علق بها القلب فإذا انقطع [مات] ، فمات - عليه السلام - شهيدا رفعة له.

واسم المرأة التي سمته زينب بنت الحارث بن سلام، وقيل: أخت مرحب، وقد سبق في غزوة خيبر، في باب: الشاة التي سمت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر .

و (أوان) -بالفتح- على الظرف، وبنيت على الفتح لإضافتها إلى مبني وهو الماضي; لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، وروي بالرفع على خبر (هذا) -كما قاله عياض .

[ ص: 622 ] وقوله: "ما أزال أجد .. " إلى آخره، أي: إنه كان نقص من لذة ذوقه، قاله الداودي، وليس [ببين] ، كما قال ابن التين; لأن نقص الذوق ليس بألم.

الحديث الثاني:

حديث أم الفضل بنت الحارث: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بـ والمرسلات عرفا ، ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله.

وقد سلف ، وقولها: (ما صلى لنا بعدها) أي: في علمها، كما قاله الداودي، قال: وكان ذلك قرب وجعه، وكانت وفاته يوم الاثنين لاثني عشرة ليلة مضت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة حين اشتد الضحاء، وبدأ به وجعه في بيت ميمونة بنت الحارث يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، وصلى الصديق في مرض موته ست عشرة صلاة قبل موته، كما قاله الشيخ أبو محمد، فتكون آخر صلاة صلاها صلاة العصر.

قال الحاكم: والأثبت عندنا والأصح أنه توفي يوم الاثنين، حين زاغت الشمس منه، ودفن في تلك الساعة، وآخرهم عهدا به في القبر قثم على الأثبت والأصح، لا علي، ولا (...) ، ولا يصح المغيرة، بل لم يحضر دفنه.

الحديث الثالث:

ابن عباس رضي الله عنهما: كان عمر بن الخطاب يدني ابن عباس .. إلى آخره.

[ ص: 623 ] سلف في الفتح، ويأتي في التفسير .

الحديث الرابع:

قال ابن عباس أيضا: يوم الخميس، وما يوم الخميس! اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه فقال: "ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده".

سلف في الجزية، في باب: إخراج اليهود من جزيرة العرب، وفي جوائز الوفد من الجهاد ، وقوله: "لن تضلوا" في بعضها "لا تضلون"، قال ابن التين: هو صوابه، وقوله: (أهجر) سلف بيانه، وهو سؤال ممن حضر في البيت، هل هو هذيان؟ يقال: هجر العليل: إذا هذى، ويحتمل أن يكون من قائله على وجه الإنكار، كأنه قال: أتظنونه هجر؟ وقيل: إن عمر قال: غلبه الوجع، فيجوز أن يكون قال للذي ارتفعت أصواتهم على جهة الزجر، كقول القائل: نزل فلان الوجع فلا تؤذوه بالصوت، وقوله:

(فذهبوا يردون عنه) كذا في الأصول، وذكره ابن التين بلفظ: (يردوا) ثم قال: وصوابه (يردون).

وقوله: "أما الذي فيه خير مما تدعونني إليه" يريد ما أشرف عليه من لقاء ربه، قاله الداودي، وقال غيره: الذي أنا فيه من ترككم على كتاب خير مما تدعونني إليه أن أكتب لكم، وفيه نظر; لأنه لم يذكر أنهم دعوه إلى أن يكتب لهم، يدل عليه قول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب. كما ذكره في الحديث بعده.

[ ص: 624 ] الحديث الخامس:

حديثه أيضا لما حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت رجال، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده". الحديث.

واللغو: الكلام الذي لا محصول له، واللغط بكثير القول والاختلاف.

الحديث السادس:

حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة في

شكواه الذي قبض فيه، فسارها بشيء فبكت.

وسلف في مناقبها وغيره ، وشيخه هناك يحيى بن قزعة، وهنا يسرة -بالمثناة تحت، ثم سين مهملة- بن صفوان أبو صفوان، وهو من أفراده، مات سنة خمس عشرة أو ست عشرة ومائتين.

الحديث السابع:

حديثها أيضا رضي الله عنها قالت: كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة، فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحة يقول: مع الذين أنعم الله عليهم الآية [النساء: 69]، فظننت أنه خير. أي: أيقنت، البحة بضم الباء، يقال: بححت بالكسر أبح بحا، ورجل أبح، ولا يقال: باح، وامرأة بحاء.

الحديث الثامن:

حديثها أيضا: لما مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرض الذي مات فيه جعل يقول: "في الرفيق الأعلى".

[ ص: 625 ] الحديث التاسع:

حديثها أيضا: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صحيح يقول: "إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيا" أو: "يخير". فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال: "اللهم في الرفيق الأعلى". فقلت: إذا لا يجاورنا. فعرفت أنه حديثه الذي كان حدثنا، وهو صحيح.

والرفيق الأعلى: كأنه يتأول الآية: وحسن أولئك رفيقا [النساء: 69] والرفيق: الصاحب المرفق، وهو هنا يعني: الرفقاء، يعني: الملائكة، يقال للواحد والجماعة: رفيق كصديق وعدو، وقيل: الرفيق المرتفق: مرتفق الجنة.

وعن الداودي أنه اسم لكل ما سما، وأراد الأعلى منها; لأن الجنة فوق ذلك، وأنكر ذلك عليه لغرابته، وانفراده عن أهل اللغة به، وكأنه صحيف الرقيع بالقاف، وهو من أسماء السماء، وفي "الصحاح": الرفيق الأعلى: الجنة.

وقوله: (إذا لا يجاورنا) هو بفتح الراء لاعتماد الفعل على (إذا)، فإن اعترضت حشوا واعتمد الفعل على ما قبلها سقط عملها كأنا إذا أزورك، فيرفع لاعتماد الفعل على أنا.

وقوله: (ورأسه على حجر عائشة) في الروايات الأخرى: مات بين حاقنتي وذاقنتي وأخرى: بين سحري ونحري.

والجمع: أن ذلك حصل إنما في تلك الحالة أو غيرها.

الحديث العاشر:

حديثها أيضا: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

[ ص: 626 ] وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره، الحديث.

معنى: (يستن): يستاك. ومعنى: (أبده): أتبعه بصره لا يرتد طرفه عنه. وقولها: (فقضمته)، أصل القضم: الكسر، والقضامة من السواك ما يكسر من شعب أراكه ويفتت. وقيل معنى: قضمته أي: مضغت رأسه بأسنانها، وروي بالصاد المهملة. والحاقنة: نقرة الترقوة، وهما حاقنتان، أي: نقرتا الترقوتين وحبل العاتق، قيل: إنها المطمئن بين الترقوة والحلق، وقال ابن فارس: ما سفل عن البطن . وعبارة بعضهم: ما دون الترقوة من الصدر. وقيل: إنها التراقي. وقيل: إنها ما تحت السرة. وقال ابن دريد: تقول العرب: لألزقن حواقنه بذواقنه فقيل: الحواقن: ما سفل من البطن، والذواقن: ما على. وقال أبو عبيدة: الذواقن جمع ذقن وهو مجمع أطراف اللحيين. وقال ثابت: إنها طرف الحلقوم، وفسر أبو بكر لألزقن حواقنه بذواقنه: أعلاه وأسفله . وعبارة الخطابي: هو ما يناله الذقن من الصدر . وهذا كقولها: (بين سحري ونحري). وعبارة أبي الهيثم: أنها نقرة الذقن. وعبارة ابن فارس: أنها طرف الحلقوم الناتئ ، وقال أبو عبد الملك: ما بين سرتها وذقنها.

الحديث الحادي عشر:

حديثها أيضا: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه.

[ ص: 627 ] قيل: النفث أقل ريقا من التفل، وقيل: لا ريق معه. والمعوذات -بكسر الواو- قل أعوذ برب الفلق ، و قل أعوذ برب الناس وفي حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - لما سحر، عقد له إحدى عشرة عقدة; فأنزل الله إحدى عشرة آية: المعوذتين بكمالهن.

وقال الداودي: المعوذات: قل هو الله أحد ، والمعوذتين. وأصل أعوذ بالله: ألجأ إليه، وهو عياذي، أي: ملجئي.

الحديث الثاني عشر:

حديثها أيضا رضي الله عنها: أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصغت إليه قبل أن يموت، وهو مسند إلي ظهره يقول: "اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى". سلف.

الحديث الثالث عشر:

حديثها أيضا قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود، اتخذوا".

الحديث سلف في أواخر الجنائز .

الحديث الرابع عشر:

حديثها أيضا: لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذن له، الحديث سلف مختصرا في: الصلاة، في باب: حد المريض أن يشهد الجماعة .

وفي الطهارة أيضا في باب: الغسل في المخضب مطولا .

[ ص: 628 ] والوكاء: الخيط الذي يربط به. والمخضب: شبه المركن: إجانة يغسل فيها الثياب. قال الداودي: هو من حجارة كالجفنة.

الحديث الخامس عشر:

حديثها، وعبد الله بن عباس قالا: لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". يحذر ما صنعوا. سلف من طريق عائشة قريبا .

الحديث السادس عشر:

حديثها أيضا، قالت: لقد راجعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا، وإلا كنت أرى أنه لم يقم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به، فأردت أن يعدل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أبي بكر. رواه ابن عمر وأبو موسى وابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. سلف

الحديث السابع عشر:

حديثها أيضا، مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. سلف.

الحديث الثامن عشر:

حديث الزهري قال: أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري -وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين- تيب عليهم أن ابن عباس أخبره، أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - خرج من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجعه الذي توفي منه، فقال الناس: يا أبا حسن، كيف أصبح رسول

[ ص: 629 ] الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا. فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب، فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لأرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوف يتوفى من وجعه هذا
.. الحديث بطوله.

ومعنى: عبد العصا: أنه - صلى الله عليه وسلم - يموت ويلي غيره، فيكون علي وغيره مأمورين ومأجورين.

وفيه: صراحة أن عليا لم يسأل الولاية، وحلف على ذلك، واعلم أن البخاري تفرد بهذا الإسناد. وفي سماع الزهري من عبد الله المذكور نظر، نبه عليه الدمياطي وقد سلف في حديث كعب، وكذلك هو عند مسلم الزهري عن عبد الله عن أبيه . وتارة الزهري، عن عبد الرحمن، [عن أبيه و] ، عن عمه عبيد الله جميعا، عن كعب .

الحديث التاسع عشر:

حديث أنس - رضي الله عنه -: أن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم الاثنين، وأبو بكر يصلي لهم لم يفجأهم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كشف سجف حجرة عائشة، الحديث، وفي آخره: ثم دخل الحجرة وأرخى الستر.

يقال: فجأني الأمر يفجؤني إذا جاء بسرعة. ولما صلى -في حديث عائشة - خلف أبي بكر كانت صلاة الظهر يوم الأحد، وتوفي في يوم الاثنين.

[ ص: 630 ] الحديث العشرون:

حديثها أيضا أنها كانت تقول: إن من نعم الله علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين ريقي وريقه عند موته.

ثم ذكرت قصة عبد الرحمن السالفة.

وقولها: (بين سحري ونحري) السحر: الرئة، وقال الداودي: هو ما بين الثديين.

وقوله: (وبين يديه ركوة أو علبة) يشك عمر -يعني ابن سعيد- أحد رواته. والركوة: من الأدم، راؤها مثلثة كما سلف، والعلبة: قدح من خشب ضخم يحلب فيه، أو من جلود الإبل، أو أسفله جلد وأعلاه خشب مدور أو غصن أو جذور، وجمعه: علب وعلاب.

وقولها: (وأنا مسندة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وقولها بعده (وهو مستند إلى صدري)، وفي حديث جابر بن عبد الله- عند ابن سعد- عن علي رضي الله عنه أنه قال: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مسنده إلى صدري، وفي حديث عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجري، قلت: يا عباس أدركني; فإني هالك، فكان جدهما جميعا أن أضجعاه.

وعن علي بن حسين: قبض ورأسه في حجر علي - رضي الله عنه -. وكذا قال الشعبي وابن عباس. قال أبو غطفان: فقلت له: إن عروة حدثني، عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سحري ونحري. فقال ابن عباس: أتعقل؟ والله لتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنه لمستند إلى صدر علي، وهو الذي غسله وأخي الفضل، وأبى أبي أن يحضر.

[ ص: 631 ] وقال أنه - عليه السلام - كان يستحي أن أراه حاسرا
.

وروى الحاكم في "إكليله" من حديث عمرو بن ثابت بن أبي المقدام، عن أبيه، عن جده العرني، عن علي - رضي الله عنه -، قال: أسندت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى صدري فسالت نفسه. ومن حديث أم سلمة: كان علي - رضي الله عنه - آخرهم عهدا به جعل يسارة فاه على فيه حتى قبض.

ومن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حضره الموت: "ادعو إلي حبيبي" فقلت: أدعو علي بن أبي طالب، فوالله ما يريد غيره. فلما رآه نزع الثوب الذي كان عليه ثم أدخله فيه، فلم يزل يحتضنه حتى قبض ويده عليه .

الحديث الحادي بعد العشرين:

حدثنا إسماعيل: حدثني سليمان بن بلال، قال هشام بن عروة: وأخبرني أبي، عن عائشة رضي الله عنها أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول: "أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ ". الحديث.

وإسماعيل هذا هو ابن أبي أويس، ومات سنة ست أو سبع وعشرين ومائتين، ومات شيخه سليمان سنة اثنتين أو سبع وسبعين ومائة بالمدينة. قال أبو حاتم في الأول: محله الصدق مغفل، وضعفه النسائي .

الحديث الثاني بعد العشرين:

حديثها أيضا: توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتي وفي يومي، وبين سحري

[ ص: 632 ] ونحري،
الحديث. وهو بمعنى ما سلف.

الحديث الثالث بعد العشرين:

حديثها أيضا: أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل، فد خل، الحديث.

وقد سلف في: فضائل الصديق .

والسنح بإسكان النون منازل بني الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة، وقوله: (فتيمم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي قصده.

والحبرة: ثوب. وقيد ابن التين بالأخضر، قال: يستحب للموتى أن يسجوا به وربما كفنوا فيه.

وقوله: (فقبله وبكى) فيه: أنه لا بأس بتقبيل الميت والبكاء عليه بعد موته ما لم يعلن.

وقوله: (لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها) وقد أسلفنا أن المراد: ليس عليك بعد هذه الموتة كرب مقبورا، ولا عند نشرك، ولا في الموقف، ولا في أحوال يوم القيامة كلها.

وقال الداودي: لا يموت في قبره موتة أخرى كما قيل في الكافر والمنافق بعد أن ترد إليه روحه ثم يقبض، وقال قبله: أي لا يجمع الله عليك كرب هذا الموت، قد عصمك الله من عذابه ومن أهوال يوم القيامة، وقيل: أراد بذلك ردا لقول من قال لم يمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأشد من كان في ذلك عمر، وذلك أنه قال: ليبعثه الله فليقطعن أيدي رجال، فأخبر أبو بكر أنه مات، وليس يحيى ثم يموت، فيكون

[ ص: 633 ] له موتتان، وقد عالج من الموت شدة، وقال: "إن للموت سكرات"، وقيل: أراد: موتك في موت شريعتك; يدل على ذلك قوله في الحديث: "من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات". وقول عمر - رضي الله عنه -: (ما هو إلا أن سمعت قوله في الحديث: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات- أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي) أي: تحيرت ودهشت.

عن ابن الأعرابي: عقر الرجل ونحر: إذا تحير، ضبطه أبو الحسن بضم العين، وضبطه غيره بفتحها، وكذا هو في كتب أهل اللغة. وتقلني: تحملني، قال تعالى: حتى إذا أقلت سحابا ثقالا [الأعراف: 57].

قوله: (وحتى هويت إلى الأرض) هوى بالفتح يهوي هويا: سقط إلى أسفل، وهوي يهوى: إذا أحب، وأهوى إليه بيده ليأخذه، وبتلاوة الصديق هذه الآية: وما محمد إلا رسول إلى قوله: الشاكرين [آل عمران: 144] ،كان يسمى: أمير الشاكرين .

الحديث الرابع والخامس بعد العشرين:

حديثها وابن عباس - رضي الله عنه -: أن أبا بكر قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته.

فيه ما تقدم وأنه لا بأس بتقبيله، وزاد: فقالت عائشة: لددناه في مرضه.

اللدود: أن يسقى الإنسان الدواء من أحد شقيه، ومنه لديدا الوداي: جانباه، وقيل: هو ما صب في وسط الفم، وقيل: ما صب في الحلق.

[ ص: 634 ] وقوله: (لا يبقى في البيت أحد إلا لد) فيه مشروعية القصاص فيما يصاب به الإنسان عمدا.

وفيه: أنه - صلى الله عليه وسلم - ربما انتقم لنفسه، ويكون معنى حديث عائشة رضي الله عنها: إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها، أي: ما أصيب به في بدنه قد انتهكت به حرمة الله، وإن ترك الانتقام ترك الأموال.

وفيه: أن التأويل البعيد لا يعذر به صاحبه.

التالي السابق


الخدمات العلمية