التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4208 [ ص: 28 ] 4 - باب: قوله تعالى: وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى [البقرة: 57]

وقال مجاهد: المن صمغة. والسلوى طائر.

4478 - حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن عبد الملك، عن عمرو بن حريث، عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين". [4639، 5708 - مسلم: 2049 - فتح: 8 \ 163]


حدثنا أبو نعيم ، ثنا سفيان ، عن عبد الملك ، عن عمرو بن حريث ، عن سعيد بن زيد: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين".

قلت: تابعه شعبة عن عبد الملك ، ذكره في سورة الأعراف والطب.

الشرح:

المن: مثل الترنجبين فهو من محض لم يشبه عمل.

وأثر مجاهد هذا أخرجه عبد، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه.

قال قتادة : كان يسقط عليهم في مجلسهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كسقوط الثلج، ثم يأخذ كل واحد منهم قدر ما يكفيه يومه ذلك، فإذا تعداه فسد، ويأخذ يوم الجمعة ما يكفيه ليومه ويوم السبت.

[ ص: 29 ] والسلوى طائر يشبه السمان.

وقال الضحاك : هو السمانى. وعبارة بعضهم أنه أكبر من العصفور. وعن وهب : المن خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقى، والسلوى طير سمين يأخذون منه من سبت إلى سبت. وأغرب المؤرج فقال: السلوى: العسل. لا جرم قال ابن عطية : إنه طير بإجماع المفسرين.

ثم الكلام على الحديث من وجوه:

ويأتي في سورة الأعراف والطب، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .

[ ص: 30 ] أحدها:

هذا الحديث يروى من طرق أخرى.

قال الترمذي بعد أن أخرجه من حديث أبي هريرة : وفي الباب عن سعيد بن زيد وأبي سعيد وجابر . ثم أخرجه من حديث سعيد بن زيد وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي من حديث شهر بن حوشب عن ابن عباس ، وأخرجه أبو سهل أحمد بن محمد بن سهل القطان من حديث عائشة .

وابن أبي عاصم في "الطب" من حديث بريدة وصهيب وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري .

وعند الدارقطني من حديث ابن عيينة عن عبد الملك بزيادة: "من المن الذي أنزل على بني إسرائيل". ورواه عطاء بن السائب ، عن عمرو بن حريث ، عن أبيه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم. ووهم في قوله: عن أبيه، ولا يعلم لأبيه حريث صحبة، وقد قيل: إن سعيد بن زيد زوج أم عمرو بن حريث فكان عمرو ربيبه؛ فلذلك قال: حدثني أبي، وإنما روى عن سعيد بن زيد زوج أمه.

وسفيان المذكور هنا هو الثوري وإن كان ابن عيينة يروي أيضا عن عبد الملك كما مر؛ لأن الدارقطني بين الزيادة التي رواها ابن عيينة على حديث سفيان الثوري ؛ لأن الغالب إذا أطلق سفيان ، عن عبد الملك يكون الثوري ، كذا ذكره أبو مسعود لما ذكر هذا الحديث.

[ ص: 31 ] ولأبي نعيم من حديث رشدين بن سعد ، عن معاوية بن صالح ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعا: "ضحكت الجنة فأخرجت الكمأ".

الوجه الثاني:

الكمأة: نبات معروف. وفي الترمذي من حديث شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن ناسا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: الكمأة جدري الأرض، فقال - صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن" ثم قال: حسن. وقد أوضحها ابن سيده وابن البيطار في "جامعه" وأبو حنيفة .

وقيل: إنها إلى الغبرة والسواد. والكمأة جماعة على الأصح واحدها كمء، وهو نادر؛ لأن حذف الهاء علامة للجمع إلا في هذا. ولها عدة أسماء ذكر ابن خالويه في كتاب "ليس" فوق العشرة منها بنات أوبر. وقال أبو عمرو مثلها وأهمل اسما آخر. ذكرها كراع في "المنجد"، وذكر القزاز العرجون والفطر؛ لأن الأرض تنفطر عنها، وسمي أيضا بنات الرعد؛ لأنها تكثر بكثرته.

الثالث:

ذهب أبو هريرة إلى ظاهره، روى الترمذي من حديث قتادة قال: حدثت أن أبا هريرة قال: أخذت ثلاثة أكمؤ أو خمسا أو سبعا فعصرتهن وجعلت ماءهن في قارورة وكحلت به جارية فبرئت.

[ ص: 32 ] وذهب غيره إلى أنه يضاف إليه أدوية ثم يكحل به، وبه جزم الخطابي لا بحتا فإنه يؤذي العين ويقذيها. وقال ابن العربي: الصحيح أنه ينتفع بصورته في حال وبإضافته في أخرى.

وقيل: إن كان في العين حرارة فماؤها وحده، وإن كان لغير ذلك فمع غيره. وذكر ابن الجوزي أن الأطباء يقولون: أكل الكمأة يجلو البصر. وقيل: يؤخذ فيشق ويوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها، ثم يؤخذ فيصير في ذلك الشق وهو فاتر فيكتحل به، ولا يجعل الميل في مائها وهي باردة يابسة. وقيل: أراد الماء الذي تنبت به، وهو أول مطر ينزل الأرض فتربى به الأكحال. ونقله عن سعيد أبو بكر بن عبد الباقي وقال: قاله لنا.

الرابع:

قد أسلفنا رواية الدارقطني : "إنها من المن الذي أنزل على بني إسرائيل". وأما الخطابي فقال: لم يرد الكمأة من نوع المن الذي أنزل على بني إسرائيل، وإنما معناه أنه شيء ينبت بنفسه من غير استنبات ومؤنة وتكلف له، فهو بمنزلة المن الذي كان ينزل عليهم فيكون قوتا لهم، وإنما نالت هذا الثناء؛ لأنها من الحلال الذي ليس في اكتسابه شبهة، وكذا قال الداودي يريد أنه ليس زريعة، إنما ينبت بماء السماء. وقيل: أراد أنه لم ينفع من في هذه العين، حكاه ابن التين. قال: وفي رواية: "ماؤها شفاء من العين". وقيل: يريد: من داء العين، فحذف المضاف.

التالي السابق


الخدمات العلمية