التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4499 - حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا حميد، أن أنسا حدثهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كتاب الله القصاص". [انظر: 2703 - مسلم: 1675 - فتح: 8 \ 177]


ثم ساق حديث مجاهد سمعت ابن عباس يقول: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدية، فقال الله تعالى لهذه الأمة: كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف [البقرة: 178] فالعفو: أن يقبل الدية في العمد فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان يتبع بالمعروف ويؤدي بإحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة [البقرة: 178] مما كتب على من كان قبلكم. ومعنى فمن عفي له من أخيه شيء : قبول الدية من العمد. وقيل: هو فيمن قتل وله وليان، فعفا أحدهما فللآخر أن

[ ص: 65 ] يأخذ مقدار حصته من الدية.

وفيه تصريح بالنسخ المستفاد من الآية، وهو نسخ حكم بحكم القتل في بني إسرائيل إلى تخيير من له الدم.

وقوله: (فالعفو أن يقبل الدية) دال على أن التخيير عنده للأولياء لا للقاتل، وقد روي غيره، وهي مسألة خلاف لأهل العلم: هل الواجب القود، والدية بدل عنه عند سقوطه، أو أحد الأمرين لا بعينه؟ وهما قولان للشافعي . أصحهما أولهما. هو خلاف أيضا هل التخيير للولي أو للقاتل؟ والمشهور عنه الأول.

وفي "تفسير مقاتل " أن حكم أهل الإنجيل العفو ولا قصاص ولا دية. وتقتل الجماعة بالواحد، خلافا لداود. وحكي عن [ ابن] الزبير وجابر والزهري . وروى جويبر عن الضحاك : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل اثنان بواحد" وهذا كما ترى: ضعيف منقطع.

[ ص: 66 ] وفي "رءوس المسائل" للقرافي إحدى الروايتين: إذا قتلت الجماعة رجلا، يقتل واحد منهم، ويجب على الباقين الدية، وهو مذهبنا إذا قتل بعضهم أخذ حصة الباقين من الدية وتوزع على عدد رءوسهم.

قال الفراء : الآية نزلت في حيين من العرب كان لأحدهما طول على الآخر في الكثرة والشرف؛ فكانوا يتزوجون نساءهم بغير مهر؛ فقتل الأوضع من الحيين من الشريف قتلى، فأقسم الشريف ليقتلن الذكر بالأنثى، والحر بالعبد، وأن يضاعفوا الجراحات؛ فأنزل الله هذا على نبيه، ثم نسخت بـ النفس بالنفس . وحكاه النحاس عن ابن عباس .

وعنه: كان الرجل لا يقتل بالمرأة، ولكن يقتل الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة؛ فنزلت: أن النفس بالنفس .

وقال السدي : نزلت في فريقين وقعت بينهما قتلى فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقاد بينهما؛ ديات النساء بديات الرجال، وديات الرجال بديات النساء.

[ ص: 67 ] وقال علي والحسن : إنه على التراجع، إذا قتل رجل امرأة كان أولياء المرأة بالخيار بين قتله وأداء نصف الدية، وفي عكسه بالخيار بين قتلها وأخذ نصف الدية أو الدية كاملة. وإذا قتل رجل عبدا؛ فإن شاء سيده قتله وأخذ بقية الدية بعد ثمن العبد، وفي عكسه: إن شاءوا قتلوه وأخذوا بقية الدية، وإن شاءوا أخذوا الدية.

وقيل: إن الآية معمول بها يقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، ويقتل الرجل بالمرأة، وعكسه، والحر بالعبد وعكسه. لقوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ، ولقول رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم" وهو قول الكوفيين في العبد خاصة إلا عبد نفسه، خلافا للنخعي فيه.

وعند أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما كانت النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة ودي بمائة وسق، فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فقالوا: بيننا وبينكم رسول الله فأتوه، فنزلت: وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط [المائدة: 42]. وقالت طائفة: الآية مبينة للحكم، النوع مع النوع فقط لا لأحدهما مع الآخر فهي محكمة.

[ ص: 68 ] فائدة:

أصل القصاص المماثلة والمساواة.

قوله: ( فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم [البقرة: 178] قتل بعد قبول الدية). وقال قتادة : يقتل ولا تؤخذ منه الدية.

ثم ذكر حديث الربيع، وقد سلف في: الصلح، ويأتي في: الديات، وفي سورة المائدة.

وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه .

وهو دال على جواز أخذ الدية في العمد، وذكر عبد بن حميد عن علي - رضي الله عنه : كان الرجل في الجاهلية إذا قتل قتيلا جاء قومه يصالحون بالدية فيجيء القاتل وقد أمن على نفسه فيعمد ولي المقتول فيقتله، ثم يطرح إليهم الدية.

واختلف العلماء فيمن قتل بعد أخذها على قولين: أحدهما أنه كمن قتل ابتداء إن شاء قتله وإن شاء عفا عنه، وعذابه في الآخرة، وهو قول جماعة منهم مالك والشافعي .

والثاني: عذابه القتل ولا يمكن الحاكم الولي من العفو، قاله قتادة وعكرمة والسدي وغيرهم.

[ ص: 69 ] وفي أبي داود من حديث الحسن عن جابر - رضي الله عنه - ولم يسمع منه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لا أعفو عمن قتل بعد أخذ الدية.

وروي مرسلا عن الحسن وكأنه أشبه. قال أبو الليث : معناه عندنا: أنه إذا طلب الولي القتل، فأما إذا عفا عنه الثاني وتركه جاز عفوه؛ لأنه قتل بغير حق فكان كالقاتل الأول؛ لأنه لو عفا عنه جاز ذلك فكذلك الثاني.

التالي السابق


الخدمات العلمية