التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4299 [ ص: 202 ] 2 - باب: قوله: ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف الآية [النساء: 6]

وبدارا [النساء: 6]: مبادرة. أعتدنا : أعددنا، أفعلنا من العتاد.

4575 - حدثني إسحاق، أخبرنا عبد الله بن نمير، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - في قوله تعالى: ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف [النساء: 6]: أنها نزلت في مال اليتيم إذا كان فقيرا، أنه يأكل منه مكان قيامه عليه، بمعروف. [انظر: 2212 - مسلم: 3019 - فتح: 8 \ 241]


حدثني إسحاق، أنا عبد الله بن نمير، ثنا هشام ، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف [النساء: 6]: أنها نزلت في والي اليتيم إذا كان فقيرا، أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بالمعروف.

الشرح:

إسحاق هذا هو ابن منصور كما صرح به خلف وأبو نعيم .

وهذا الأثر سلف في الوصايا عن عبيد بن إسماعيل بن أبي أسامة، عن هشام ، عن أبيه، عنها. وسلف الكلام عليه واضحا.

[ ص: 203 ] وأخرجه في البيوع، ومسلم أيضا.

ومعنى (مبادرة) أن يكبروا فيأخذوها منكم.

وقوله: ( أعتدنا : أعددنا) يريد أن معناهما واحد؛ لأن العتيد: الشيء المعد، قال تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة هذا قول أبي عبيدة في "مجازه" والآية نزلت في ثابت بن رفاعة وعمه، كما قال مقاتل ؛ وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتا فولي ميراثه عمه، وروى الطبري من حديث العرني مرسلا أنه - صلى الله عليه وسلم - لما سأله عمه عما يأكل من ماله، قال: "غير متأثل منه مالا ولا واق مالك بماله"، وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني لا أجد شيئا، وليس لي شيء، وليتيمي مال، قال: "كل منه غير مسرف ولا متأثل مالا" قال: وأحسبه قال: "ربما تقد مالك بماله".

[ ص: 204 ] وفي الحميدي في رواية عثمان بن فرقد قال: أنزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح في ماله إن كان فقيرا يأكل بالمعروف.

وقول عائشة في الآية هو قول عمر ، وقال عبيدة وعطاء والشعبي وأبو العالية : ليس له أن يأخذ منه إلا قرضا، وقال مجاهد : لا يأخذ قرضا ولا غيره، وبه قال مالك ، وأبو يوسف، وقال: الآية منسوخة، نسختها: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة وهذا ليس تجارة، فإن احتاج إلى أن يسافر من أجله فله أن يأخذ ما يحتاج إليه ولا يقتني شيئا، وهو قول أبي حنيفة ومحمد فيما حكاه النحاس . قال: وعن ابن عباس : نسخ الظلم والاعتداء ونسختها: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما .

ثم افترق الذين قالوا: إن الآية محكمة فرقا، فقال بعضهم: إن احتاج اقترض ورد إذا أيسر، ونقل الطبري عن سعيد بن جبير أنه إن حضر الموت ولم يوسر تحلله من اليتيم، وإن كان صغيرا تحلله من وليه، وهو قول جماعة من التابعين وفقهاء الكوفة، وقال أبو قلابة : فليأكل بالمعروف مما يجيء من الغلة، فأما المال الناض فليس له أن يأخذ منه شيئا قرضا ولا غيره.

[ ص: 205 ] وقال الحسن: أيما احتاج أكل بالمعروف ولا قضاء، والمعروف قوته. وهو قول النخعي وقتادة .

واختلف عن ابن عباس ، وعنه: أنه يقوت نفسه من ماله حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم، قال النحاس : وهو أحسن ما روي في تفسير الآية. وهو اختيار إلكيا الطبري . وعن ابن عباس رواية أخرى ذكرها ابن جرير عنه قال: يأكل بالمعروف: بأطراف أصابعه.

ومذهب الشافعي أنه يجوز الأكل للفقير إذا انقطع عن كسب، ولا يرد بدله، ويأخذ أقل الأمرين من النفقة وأجره عليه.

وعن الحسن بن حي: الأكل بالمعروف لوصي الأب دون وصي الحاكم ؛ لأنه يأخذ أجرا فلا حاجة إلى الأكل أيضا، بخلاف الأول. وقال بعض العلماء منهم ربيعة ويحيى بن سعيد : أن المخاطب بهذه الآية ولي اليتيم إن كان غنيا وسع الولي عليه، وعف عن ماله، وإن كان فقيرا أنفق عليه بقدره.

[ ص: 206 ] وهو من باب خطاب العين، والمراد به: الغير، والخطاب لليتامى والمراد به: الأولياء، وهو بعيد.

ونقل الطبري عن عائشة رضي الله عنها وغيرها: يضع يده مع أيديهم ويأكل معهم بقدر خدمته وعمله، وقال عكرمة : يدك مع أيديهم ولا تتخذ منه قلنسوة. وعن إبراهيم: بالمعروف ليس بلبس الكتان ولا الحلل ولكن ما يسد الجوع ويواري العورة، وكذا ذكره عن مكحول .

ونقل النحاس عن عمر وغيره: أن له أن يأكل من جميع مال يتيمه إذا كان يلي ذلك، وإن أتى على المال ولا قضاء عليه، وقد أوضحنا الكلام على ذلك أيضا في الوصايا وأعدناه هنا؛ لبعد العهد به.

فائدة:

اختلف في الإشهاد في الآية: هل هو على وجه الندب؛ لأنه أمين أو الإيجاب؛ لأنه أمين الأب فقط. وقال عمر بن الخطاب وسعيد بن جبير : إنما هو على دفع الوصي ما استقرضه من مال اليتيم حال فقره.

وفي الإشهاد فوائد: السلامة من الغرم عند الإنكار، وحسم مادة تطرق سوء الظن بالولي، وامتثال الأوامر، وطيب قلب اليتيم بزوال ما كان يخشاه من فوات ماله ودوامه تحت الحجر. وعن بعض أصحاب مالك أن الأمر بالإشهاد منسوخ بقوله: وكفى بالله حسيبا واحتج بها ابن القاسم في قوله: من دفع إليه مال ليدفعه إلى غيره أن عليه أن يشهده وإلا غرم.

[ ص: 207 ] وقال عبد الملك : لا شيء عليه إلا أن يقول: اشهد عليه أو أحص معي، ومعنى الآية عنده دفع التنازع، وإلا فكل مولى القول قوله.

التالي السابق


الخدمات العلمية