التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4315 [ ص: 250 ] 18 - باب: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا [النساء: 94]

السلم، والسلم، والسلام واحد.

4591 - حدثني علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا [النساء: 94]. قال: قال ابن عباس: كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك إلى قوله عرض الحياة الدنيا [النساء: 94] تلك الغنيمة. قال: قرأ ابن عباس: السلام . [ مسلم: 3025 - فتح: 8 \ 258]


(السلم والسلم والسلم والسلام واحد). الأولى: فتح السين واللام، والثانية: بفتح السين وإسكان اللام، والثالثة: بكسر السين وإسكان اللام، وحكي عن قراءة أبان بن يزيد عن عاصم والرابعة بلام ألف، واختارها أبو عبيد ، وخالفه أهل النظر، وقالوا: السلم هنا أشبه؛ لأنه بمعنى الانقياد والتسليم، كقوله تعالى: فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء [النحل: 28].

ولا شك أن السلم بفتح اللام: الاستسلام والانقياد، والسلم بإسكان اللام وفتح السين وكسرها: الإسلام والصلاة.

وقراءة ابن عباس السلام باللام -كما سيأتي- وقد أسندها عبد بن حميد في "تفسيره" عنه، يحتمل أن يكون بمعنى السلم، وأن يكون بمعنى التسليم، والبخاري ذكر أن السلم والسلام واحد وكذا ما قبله.

[ ص: 251 ] وقرأ نافع وابن عامر وحمزة (السلم) بغير ألف، والباقون بثبوتها، وقوله: مؤمنا قرأ علي وابن عباس وغيرهما بفتح الميم الثانية مشددة اسم مفعول من أمنه.

ثم ساق البخاري حديث ابن عباس ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا قال ابن عباس : كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك إلى قوله: عرض الحياة الدنيا [النساء: 94]: تلك الغنيمة. قرأ ابن عباس : السلام .

وفي لفظ: رجل من بني سليم.

وذكر الواحدي عن سعيد بن جبير أن المقداد بن الأسود خرج في سرية، فمروا برجل في غنيمة له، فأرادوا قتله فقال: لا إله إلا الله. فقتله المقداد . وعن ابن أبي حدرد: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إضم قبل مخرجه إلى مكة، فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فحيا بتحية الإسلام فنزعنا عنه، فحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينه وبينه في الجاهلية فقتله، واستلبه أي بعيره ومتاعه ووطب لبن معه، فانتهينا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرناه بخبره، فنزلت.

قال السهيلي ثم مات محلم بإثر ذلك فلم تقبله الأرض مرارا، فألقي بين جبلين. ويروى: عمدوا إلى صدفتين فسطحوه عليها ثم رضموا عليه الحجارة حتى واروه، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شأنه فقال: "والله إن الأرض

[ ص: 252 ] لتطابق على من هو شر منه، ولكن الله أراد أن يعظكم في جرم ما بينكم بما أراكم منه" قال: وكان أمير السرية أبو الدرداء . وقيل: رجل اسمه فديك.


قال الواحدي : وذكر السدي أنه - عليه السلام - بعث أسامة بن زيد على سرية، فلقي مرداس بن نهيك الضمري فقتله، وكان من أهل فدك ولم يسلم من قومه غيره، فقال له - صلى الله عليه وسلم: "هلا شققت عن قلبه" فنزلت.

واعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا قتادة في ثمانية نفر في أول رمضان سنة ثمان إلى بطن إضم، وهي فيما بين ذي خشب وذي المروة، وبينها وبين المدينة ثلاثة برد؛ ليظن ظان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توجه تلك الناحية، ولأن تذهب بذلك الأخبار، وكان في السرية محلم بن جثامة -كما سلف- بن قيس الليثي، ثم نزلت الآية، فمضوا ولم يلقوا جمعا، فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خشب فبلغهم توجهه - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة فتوجهوا حتى لقوه بالسقيا، فلما كان يوم حنين قام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيينة بن حصن والأقرع بن حابس يختصمان في عامر بن الأضبط؛ عيينة يطلب بدم عامر وهو سيد غطفان يومئذ، والأقرع يدفع عن محلم؛ لمكانه من خندف، فتداولا الخصومة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عيينة: والله يا رسول الله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرقة ما أذاق نسائي. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا وخمسين إذا رجعنا" وهو يأبى عليه، فلم يزل بهم حتى قبلوا الدية، ثم قال: "أين صاحبكم؟ " فقام رجل آدم ضرب طويل

[ ص: 253 ] عليه حلة قد كان تهيأ للقتل فيها، حتى جلس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "ما اسمك" قال: أنا محلم بن جثامة. فقال: "أمنته بالله ثم قتلته! اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة" فما مكث (إلا سبعا) حتى مات
-كما سلف.

فائدة:

في هذه الآية صحة إسلام من أظهر، وإجراؤه على أحكامهم، ومقتضاه أن من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو: أنا مسلم ، أنه يحكم له بالإسلام. وقال محمد بن الحسن في "السير الكبير": لو أن يهوديا أو نصرانيا قال: أنا مسلم لم يكن مسلما؛ لأنهم كلهم يقولون: نحن مسلمون ومؤمنون. ويقولون: إن ديننا هو الإيمان.

قال: ولو أن رجلا من المسلمين حمل على رجل من المشركين ليقتله فقال: لا إله إلا الله. كان مسلما، ولو رجع عن هذا ضربت عنقه لأن هذا هو الدليل على الإسلام. وقال اللؤلؤي -عن أبي حنيفة : إن اليهودي والنصراني إذا تلفظ بالشهادتين، ولم يتبرأ من اليهودية والنصرانية لم يكن بذلك مسلما. ووجهه أن هؤلاء منهم من يقول: محمد رسول الله ولكن إليكم، ومنهم من يقول: لم يبعث بعد وسيبعث. وقال ابن عباس -فيما ذكره الثعلبي : إن الله حرم على المؤمنين أن يقولوا لمن قال: أشهد أن لا إله إلا الله: لست مؤمنا. كما حرم عليهم الميتة، فهو آمن على ماله ودمه فلا تردوا عليه.

[ ص: 254 ] فائدة:

تعلق من قال: إن الإيمان هو القول بهذه الآية، وقالوا لما قال: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا فمنع قتلهم بمجرد القول، فلولا أن هذا القول لم (يبح) قتلهم قيل لهم: القوم إنما شكوا في حاله هل قاله تعوذا؟ والله لم يجعل إلى عباده غير الحكم بالظاهر، ألا ترى أن المنافقين كانوا يقولون هذا القول وليسوا بمؤمنين، فثبت أن الإيمان هو الإقرار وغيره، وأن حقيقة الصدق بالقلب كما قال: "فهلا شققت عن قلبه" وفيها رد على أصحاب القدر؛ لأنه تعالى أخبر أنه من على المؤمنين من بين جميع الخلق بأن خصهم بالتوفيق؛ لأنه لو خلق الخلق كلهم للإيمان -كما زعمت القدرية- فما معنى اختصاصه بالمنة.

التالي السابق


الخدمات العلمية