التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
385 393 - قال ابن أبي مريم: أخبرنا يحيى، حدثنا حميد، حدثنا أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم. وقال علي بن عبد الله: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا حميد قال: سأل ميمون بن سياه أنس بن مالك قال: يا أبا حمزة، ما يحرم دم العبد وماله؟ فقال: من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم. [انظر: 391 - فتح: 1 \ 497] .


هذا التعليق ثابت في بعض النسخ، وقد أسنده البخاري بعد.

ثم ذكر البخاري في الباب حديث أنس من طريق مسندا ومن آخر معلقا. أسنده من حديث عمرو بن عباس قال: حدثنا ابن المهدي قال: حدثنا منصور بن سعد، عن ميمون بن سياه، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، [ ص: 401 ] فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته".

ثم أخرجه معلقا فقال: وقال ابن المبارك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فإذا قالوها وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله".

كذا ذكره معلقا عن ابن المبارك، وفي بعض النسخ: حدثنا نعيم: قال ابن المبارك، وذكره خلف في "أطرافه" كما ذكراه أولا. ثم قال: وقال حماد بن شاكر راوي "صحيح البخاري" عنه قال نعيم بن حماد: قال ابن المبارك. واستخرجه أبو نعيم من حديث أحمد بن الحجاج وأحمد بن حنبل كلاهما عن ابن المبارك.

ثم قال: رواه البخاري، فقال: وقال ابن المبارك. ولم يذكر من دونه، وأراد نعيم بن حماد عنه.

وأخرجه أبو داود في الجهاد، والترمذي في الإيمان: عن سعيد بن يعقوب عن ابن المبارك. والنسائي في المحاربة: عن محمد بن حاتم عن حبان عن ابن المبارك.

ثم أخرجه البخاري ثالثا معلقا موقوفا فقال:

[ ص: 402 ] وقال علي بن عبد الله، ثنا خالد بن الحارث، ثنا حميد قال: سأل ميمون بن سياه أنس بن مالك قال: يا أبا حمزة، ما يحرم دم العبد وماله؟ فقال: من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم.

ثم قال: قال ابن أبي مريم: أخبرنا يحيى، حدثنا حميد، حدثنا أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم.

وأما ما علقه عن علي بن المديني فأسنده النسائي عن أبي موسى محمد بن المثنى، عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن حميد الطويل قال: سأل ميمون بن سياه أنسا. فذكره موقوفا كما ذكره البخاري.

قال الإسماعيلي: والحديث حديث ميمون وإنما سمعه حميد منه، ولا يحتج بيحيى بن أيوب في قوله: عن حميد ثنا أنس. قال: ويدل على ذلك ما أخبرنا يحيى بن محمد البختري، ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا حميد، عن ميمون: سألت أنسا: ما يحرم دم المسلم وماله؟ الحديث.

قال: وما ذكره البخاري عن علي عن خالد فهو يثبت ما جاء به معاذ بن معاذ؛ لأن ميمون بن سياه هو الذي سأل وحميد سمع منه.

وأما ما علقه عن ابن أبي مريم ففيه فائدة، وهي تصريح حميد بسماعه إياه من أنس، لكن قد علمت طعن الإسماعيلي فيه.

وقد وصله أبو نعيم من حديث يحيى بن أيوب: أخبرني حميد سمع أنسا فذكره، والطريقة الأولى المسندة التي أخرجها البخاري عن عمرو بن عباس أخرجها النسائي عن حفص بن عمر ، قال الكسار، [ ص: 403 ] راوي النسائي: سمعت عبد الصمد البخاري يقول: حفص بن عمر لا أعرفه إلا أن يكون سقط (...) عمرو فيكون حفص بن عمرو الزبالي.

قلت: لكن حفص هذا لم يرو عنه النسائي، وروى عنه ابن ماجه فقط. قال: هذا هو حفص بن عمر أبو عمرو المهرقاني الرازي معروف.

إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:

أحدها: ميمون بن سياه ورع صدوق، ضعفه ابن معين. ومنصور بن سعد هو البصري صاحب اللؤلؤ ثقة. وعمرو بن عباس بالباء الموحدة انفرد به، مات سنة خمس وثلاثين ومائتين، ولا أعرف حاله، وباقي رجال إسناده معروفون.

ثانيها: قوله: "وأكل ذبيحتنا": جاء في الإسماعيلي: "وذبحوا ذبيحتنا"، وذلك أن طوائف من الكتابيين والوثنيين يتحرجون من أكل ذبائح المسلمين.

وقوله: ("ذمة الله وذمة رسوله") أي: ضمان الله وضمان رسوله.

قال صاحب "المحكم": الذمام: الحق، والذمة: العهد والكفالة.

وقال ابن عرفة: الذمة: الضمان، وبه سمي أهل الذمة لدخولهم في [ ص: 404 ] ضمان المسلمين. وقال الأزهري في قوله تعالى إلا ولا ذمة أي: أمانا. وقوله: ("ولا تخفروا الله"): أي: لا تخونوا، وهو رباعي؛ يقال: أخفرته إذا غدرت به، وخفرته إذا كنت له خفيرا وضمنته، وفي "الفصيح": يقال: خفرت الرجل إذا أجرته، وأخفرته إذا نقضت عهده. وقال كراع وابن القطاع: أخفرته بعثت معه خفيرا.

وذكر ابن الأثير أن المراد هنا أن لا تزيلوا خفارته، وقوله له: (ما للمسلم وعليه ما على المسلم) أي: يسلم عليه، ويعاد إذا مرض ويشهد جنازته إذا مات... إلى غير ذلك مما يلزم المسلم للمسلم.

ثالثها: حديث: "أمرت أن أقاتل الناس" سلف الكلام عليه في باب: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، من كتاب الإيمان، فراجعه منه، وهناك ذكر الزيادة الثابتة لكن من حديث ابن عمر.

قال الطبري: ووجه هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قاله لأهل الأوثان الذين كانوا لا يقرون بالتوحيد، إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون [الصافات: 35] فدعا لهم إلى الإقرار بالوحدانية وخلع ما دونه من الأوثان، فمن أقر بذلك منهم كان في الظاهر داخلا في الإسلام.

والرواية الأخرى التي فيها الزيادة الثابتة جاءت لمن قال بالتوحيد، وإنكار نبوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لأن كفرهم كان جحدا للتوحيد، ثم يراجع الكلمة الأخرى، فإن أنكروا شيئا من الفرائض عادوا حربيين، وفي هذا الجمع نظر؛ لأن....

التالي السابق


الخدمات العلمية