التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4389 4666 - حدثنا محمد بن عبيد بن ميمون، حدثنا عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد قال: أخبرني ابن أبي مليكة: دخلنا على ابن عباس فقال: ألا تعجبون لابن الزبير قام في أمره هذا؟! فقلت: لأحاسبن نفسي له، ما حاسبتها لأبي بكر ولا لعمر، ولهما كانا أولى بكل خير منه، وقلت: ابن عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن الزبير، وابن أبي بكر، وابن أخي خديجة، وابن أخت عائشة، فإذا هو يتعلى عني ولا يريد ذلك فقلت: ما كنت أظن أني أعرض هذا من نفسي، فيدعه، وما أراه يريد خيرا، وإن كان لا بد لأن يربني بنو عمي أحب إلي من أن يربني غيرهم. [انظر: 4664 -

فتح: 8 \ 326]


(السكينة فعيلة من السكون) أي: والوقار، ليس ضد الحركة. قيل: الضمير على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل: على أبي بكر . وهو حسن؛ لأن الشارع لم تزل عليه.

ثم ساق حديث أبي بكر - رضي الله عنه - قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغار، فرأيت آثار المشركين قلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا. قال: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما". وقد سلف في مناقبه في الهجرة.

ثم ساق عن عبد الله بن محمد، ثنا ابن عيينة ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس أنه قال حين وقع بينه وبين ابن الزبير -قلت: أبوه الزبير ، وأمه أسماء ، وخالته عائشة ، وجده أبو بكر ، وجدته صفية . فقلت لسفيان إسناده. فقال: ثنا، فشغله إنسان ولم يقل: ابن جريج .

[ ص: 417 ] ثم قال: حدثنا عبد الله بن محمد -وهو المسندي- قال: ثنا يحيى بن معين، ثنا حجاج -هو ابن محمد الأعور- قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : وكان بينهما شيء فغدوت على ابن عباس فقلت: أتريد أن تقاتل ابن الزبير وتحل حرم الله؟ فقال: معاذ الله! إن الله كتب ابن الزبير وبني أمية محلين، وإني والله لا أحله أبدا. قال: قال الناس: بايع لابن الزبير . فقلت: وأين بهذا الأمر عنه؟ أما أبوه: فحواري النبي - صلى الله عليه وسلم -يريد الزبير - وأما جده فصاحب الغار -يريد أبا بكر - وأمه فذات النطاقين -يريد أسماء - وأما خالته فأم المؤمنين -يريد عائشة - وأما عمته فزوج النبي - صلى الله عليه وسلم -يريد خديجة - وأما عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - فجدته -يريد صفية - ثم عفيف في الإسلام، قارئ للقرآن. والله إن وصلوني وصلوني من قريب، وإن ربوني ربني أكفاء كرام، فآثر التويتات والأسامات والحميدات، يريد أبطنا من بني أسد بني تويت وبني أسامة وبني حميد، إن ابن أبي العاص برز يمشي القدمية -يعني: عبد الملك بن مروان - وإنه لوى ذنبه، يعني ابن الزبير .

ثم ساق عن ابن أبي مليكة قال: دخلنا على ابن عباس فقال: ألا تعجبون لابن الزبير قام في أمره هذا؟! فقلت: لأحاسبن نفسي له، ما حاسبتها لأبي بكر [ولا لعمر ]، ولهما كانا أولى بكل خير منه، وقلت: ابن عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن الزبير ، وابن أبي بكر ، وابن أخي خديجة ، وابن أخت عائشة فإذا هو يتعلى عني ولا يريد ذلك، فقلت: ما كنت أظن أني أعرض هذا من نفسي، فيدعه، وما أراه يريد خيرا، وإن كان لا بد أن يربني بنو عمي أحب إلي من أن يربني غيرهم.

[ ص: 418 ] الشرح:

قيل: الذي وقع بينه وبين [ ابن] الزبير كان في بعض قراءته القرآن. ومعنى (محلين) يعني: مبيحين القتال في الحرم، وكان ابن الزبير يدعى المحل، والمراد بكون خديجة عمته -يعني عمة أبيه الزبير - فهي عمة له.

و(ربوني) بضم الباء كما ضبطه صاحب "المطالع" أي: يكونون علي أمراء وأربابا فيشاهدون إحسانهم عندي ويعطوه. وربني بفتح الباء.

وقوله: (وصلوني وربوني) يريد بذلك بني أمية. والأكفاء: الأمثال، الواحد: كفؤ.

وقوله: (أبطنا من بني أسد) يعني قرابته، والثلاثة من بني عبد العزى .

و(الحميدات) بنو حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي قبيلة من أزد قريش.

و(التويتات): بنو تويت بن حبيب بن أسد. و(الأسامات): بنو أسامة بن عبد الله بن حميد بن زهير .

و(القدمية) بضم القاف وفتح الدال، قاله أبو عبيد يعني: التبختر، ضربه مثلا لركوبه معالي الأمور أنه سعى فيها وعمل بها.

وقال ابن قتيبة : هي القدمية واليقدمية.

[ ص: 419 ] قال ابن الأثير: الذي عند البخاري القدمية، معناه: تقدمه في الشرف والفضل. والذي جاء في كتب الغريب: اليقدمية. بالياء والتاء وعند الأزهري بالياء، وعند الجوهري بالتاء، وقيل: إن اليقدمية -بالياء- التقدم بالهمة والفعل. وعند صاحب "المطالع" رواه بعضهم اليقدمية بفتح الدال وضمها، والضم صح لنا عن شيخنا أبي الحسن. وقال الخطابي : (يمشي القدمية) يعني: التبختر، وهو مثل يريد أنه قد برز وبلغ الغاية (إلى أم هامته). (وإن الآخر لوى ذنبه) أي: لم يتم له ما أراده، لكن زاغ عن ذلك.

وقوله: (لوى ذنبه) أي ثناه، يقال: لوى فلان ذنبه ورأسه وعطفه إذا ثناه وصرفه، ويروى بالتشديد للمبالغة، وهو مثل لترك المكارم والروغان وإيلاء الجميل، ويجوز أن يكون كناية عن التأخر؛ لأنه قاله في مقابلة أن ابن أبي العاصي يمشي اليقدمية وضبط الدمياطي: لوى بالتشديد. وقال: كنى به عن الجبن، وإيثار الدعة كما تفعل السباع إذا أرادت النوم بأذنابها.

قال أبو عبيد : يريد أنه لم يتبرز لاكتساب المجد، وطلب الحمد، ولكنه راغ وتنحى وكذلك لوى ثوبه في عنقه، ثم قال: ويقال بالتخفيف أيضا، وقرئ بالوجهين لووا رءوسهم [المنافقون: 5].

[ ص: 420 ] قال ابن التين: معنى (لوى ذنبه) لم يتم له ما أراد. وقال الداودي : يعني أنه مرس بالحرب لا يتأخر ولا يتقدم في غيره، ويضع الأشياء مواضعها، فيدني الناصح ويقصي الكاشح.

ومعنى (لأحاسبن): لأناقشن نفسي في معونته ونصحه والذب عنه، قاله الخطابي ، وقال الداودي : إني أذكر في مناقبه ما لم أذكر في مناقبهما؛ لعلم الناس بذلك منهما، ولكن فضلهما زاد على فضل من ينسبان إليه.

و(يتعلى): معناه يترفع أعلى، وقوله: (ما كنت أظن أني أعرض عليه هذا من نفسي فيدعه) يقول: ما ظننت أنه لا يعرف لي حق بيعتي ونصحي.

وقوله: (لأن يربني بنو عمي) أي: قريشا، أي: يكون ربا علي وأميرا. قال الداودي : وكان الضحاك بن قيس يدعو إلى نفسه، وعبد الملك أقرب إلى ابن عباس منه، وكان ابن عباس يعظم الحرم، ويقول: لا يقاتل فيه ولا يقاد فيه من لجأ إليه، ومالك لا يقوله.

التالي السابق


الخدمات العلمية