التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4406 4683 - حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو قال: قرأ ابن عباس ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم [هود: 5] وقال غيره: عن ابن عباس يستغشون [هود: 5]: يغطون رءوسهم سيء بهم [هود: 77] ساء ظنه بقومه. وضاق بهم [هود: 77] بأضيافه بقطع من الليل [هود: 81]: بسواد. وقال مجاهد أنيب [هود: 88]: أرجع. [فتح: 8 \ 350]


[ ص: 456 ] (ص) ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ) إلى قوله: ( الصدور ).

يقال: ثنيت الشيء ثنيا إذا عطفته وطويته، وكان طائفة من المشركين يقولون: إذا أغلقنا أبوابنا وأرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم بنا، فأخبر الله تعالى عما كتموه.

ومعنى يثنون صدورهم : يطوونها على عداوته. قال قتادة : وذلك أخفى ما يكون من ابن آدم إذا ثنى صدره واستغشى ثيابه وأضمر همه في نفسه. ومعنى ليستخفوا منه ليتواروا عنه ويكتموا عداوته، فقال تعالى يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور أي: النفوس.

قاله ابن عباس . وقيل: استخفوا من الله. قال الواحدي : نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو الكلام يلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يحبه وينطوي بقلبه على ما يكره فنزلت. وقرأ الجمهور: (لا يثنون) بفتح الياء، وعن سعيد بن جبير ضمها. وستأتي له تتمة بعد.

(ص) (وقال غيره: وحاق : نزل، يحيق: ينزل) أي: العذاب.

(ص) (يئوس: فعول من يئست) أي لشديد اليأس من رحمة الله وسعة رزقه كفور لنعمته.

(ص) (وقال مجاهد : تبتئس : تحزن) هو قول الفراء والزجاج ، وقال ابن عباس : لا تغتم.

[ ص: 457 ] (ص) ( يثنون صدورهم شك وامتراء في الحق) قد سلف، وقد أخرجه أبو محمد عن مجاهد .

(ص) ( ليستخفوا منه : من الله إن استطاعوا) وقد سلف أيضا.

تم ساق عن محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع ابن عباس يقرأ: ( ألا إنهم تثنوني صدورهم ) فسألته عنها فقال أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء، فنزل ذلك فيهم.

ثم رواه بعد ذلك وفيه: قلت: يا أبا العباس ما هو؟ فذكره.

(تثنوني) على وزن يحلولي جعل الفعل للصدور. أي: تلتوي، ووزن (تثنوني) تفعوعل على بناء المبالغة في ميل الصدور والعطف. كما تقول: استوسقت الإبل: اجتمعت، واعشوشبت الأرض، واحلولت الدنيا، ونحو ذلك، وماضي (تثنوني): اثنونيت، وهو بكسر النون الأخيرة. قال ابن التين: وروي بفتحها، وليس بالبين. قلت: وروي بالمثناة فوق وتحت أيضا، وقيل: بحذف النون الأخيرة على وزن ترعوي.

وقوله: (يتخلوا) روي بالخاء المعجمة من الخلوة، وبالمهملة، حكاهما ابن التين، ثم قال عن الشيخ أبي الحسن أن الثاني أحسن، ولعله يريد أنه يرقد على حلاوة قفاه، فيقال: يحلا.

[ ص: 458 ] وقوله: (فيفضوا إلى السماء) أي: يكشفون حتى يراهم من فيها. يقال: أفضى الرجل إلى امرأته: إذا باشرها.

ثم روى عن عمرو قال: قرأ ابن عباس : ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم .

ثم قال: (وقال غيره: عن ابن عباس يستغشون : أنهم يغطون رءوسهم). مراده بالغير: غير عمرو بن دينار ، وقد رواه أبو محمد، عن أبيه، عن أبي صالح ، ثنا معاوية ، عن علي بن طلحة ، عن ابن عباس به.

(ص) ( سيء بهم : ساء ظنه بقومه) لأنهم أتوه في صورة غلمان جرد فلما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه.

(ص) ( وضاق بهم : بأضيافه) أي: ضاق صدره، وعظم المكروه عليه، قال الزجاج : يقال: ضاق زيد بأمره ذرعا: إذا لم يجد بالمكروه فيه مخلصا.

(ص) ( بقطع من الليل : بسواد) من الليل، أي: سواد يغشى بعد مضي قطعة صارت منه، وهذا وما قبله أسنده أبو محمد عن ابن عباس .

(ص) ( سجيل : الشديد الكبير. سجيل وسجين، واللام والنون أختان، وقال تميم بن مقبل:

[ ص: 459 ]

ورجلة يضربون البيض ضاحية ضربا تواصى به الأبطال سجينا



وذكر البخاري في تفسير سورة الفيل عن ابن عباس : سجيل سنك، وكل بالفارسية. فسنك: حجر، وكل: طين.

وهذا البيت هو لتميم بن مقبل، وهو من جملة قصيدة ذكر فيها ليلى زوج أبيه، وكان خلف عليها، فلما فرق بينهما الإسلام ذكرها، وقال: تواصت. بدل: تواصى.

و(رجلة) قال ابن التين: رويت بفتح الراء وكسر الجيم جمع راجل، وروي بكسر الراء والجيم أي: ذي رجلة. قال: والبيض بفتح الباء جمع بيضة، أراد: بيضة الحديد.

ومعنى ضاحية: ظاهرة. يقال: ضحى يضحى، وضحا يضحا: إذا أصابته الشمس، ومنه: ولا تضحى [طه: 119] والمعنى: أنهم يضربون مواضع البيض وهي التروس. وقال الحسين بن الفضل النيسابوري: هو فعيل من السجن، فإنه يثبت من وقع فيه فلا يبرح مكانه.

وقال المؤرج: سجين وسجيل، أي: دائم. ورواه ابن الأعرابي : سخينا بالخاء المعجمة، أي: سخنا حارا. يعني: الضرب. وعند أبي نصر: هي حجارة من سجيل طبخت بنار جهنم -أعاذنا الله منها- مكتوب عليها أسماء القوم.

قال الأزهري : لما أعربته العرب صار فيها.

[ ص: 460 ] وقال غيره: إنه عربي. وقال مجاهد : هو بالفارسية. وقيل إنه اسم لسماء الدنيا. وقال عكرمة : سجيل: بحر معلق في الهواء بين السماء والأرض منها نزلت الحجارة. وقيل: هو جبال في السماء، وهي التي أشار الله إليها بقوله: وينزل من السماء من جبال فيها من برد [النور: 43] وقيل غير ذلك. وقال قتادة : من سجيل : من طين يؤيده قوله في موضع آخر: حجارة من طين [الذاريات: 33] وأنكر على البخاري تفسير السجين بالشديد؛ إذ لو كان كذلك لكان حجارة سجيلا؛ لأنه لا يقال: حجارة من شديد؛ لأن شديدا نعت.

التالي السابق


الخدمات العلمية