التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4450 [ ص: 584 ] 5 - [باب: قوله: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة [الكهف: 63]]

4727 - حدثني قتيبة بن سعيد قال: حدثني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى بني إسرائيل ليس بموسى الخضر. فقال كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قام موسى خطيبا في بني إسرائيل فقيل له: أي الناس أعلم؟ قال: أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يرد العلم إليه، وأوحى إليه: بلى، عبد من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك قال: أي رب كيف السبيل إليه؟ قال: تأخذ حوتا في مكتل فحيثما فقدت الحوت فاتبعه. قال: فخرج موسى، ومعه فتاه يوشع بن نون، ومعهما الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة، فنزلا عندها. قال: فوضع موسى رأسه فنام. قال سفيان: وفي حديث غير عمرو قال: وفي أصل الصخرة عين يقال لها: الحياة، لا يصيب من مائها شيء إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين، قال فتحرك، وانسل من المكتل، فدخل البحر فلما استيقظ موسى قال لفتاه آتنا غداءنا الآية [الكهف: 62] قال: ولم يجد النصب حتى جاوز ما أمر به، قال له فتاه يوشع بن نون: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت الآية [الكهف: 63]. قال: فرجعا يقصان في آثارهما، فوجدا في البحر كالطاق ممر الحوت، فكان لفتاه عجبا، وللحوت سربا، قال: فلما انتهيا إلى الصخرة، إذ هما برجل مسجى بثوب، فسلم عليه موسى قال: وأنى بأرضك السلام؟ فقال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا [الكهف: 70]. قال له الخضر: يا موسى، إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه. قال: بل أتبعك. قال: فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا [الكهف: 70]،

[ ص: 585 ] فانطلقا يمشيان على الساحل، فمرت بهما سفينة، فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نول -يقول: بغير أجر- فركبا السفينة. قال: ووقع عصفور على حرف السفينة، فغمس منقاره البحر، فقال الخضر لموسى: ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره قال: فلم يفجأ موسى، إذ عمد الخضر إلى قدوم فخرق السفينة، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية [الكهف: 71] فانطلقا إذا هما بغلام يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فقطعه. قال له موسى: أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا [الكهف: 75، 74] إلى قوله فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض [الكهف: 77] فقال بيده: هكذا فأقامه، فقال له موسى إنا دخلنا هذه القرية، فلم يضيفونا ولم يطعمونا، لو شئت لاتخذت عليه أجرا [الكهف: 77]. قال: هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا [الكهف: 78]. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "وددنا أن موسى صبر حتى يقص علينا من أمرهما". قال: وكان ابن عباس يقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، وأما الغلام فكان كافرا.
[انظر: 74 - مسلم: 2380 - فتح: 8 \ 422]


ثم ساق حديث الخضر أيضا بطوله.

وضبط (تنقاض) مشددة الضاد ومخففة، ومعناه مخالف لمعنى الأول، فإن معنى ينقض: ينكسر وينهدم ويسقط بسرعة، وينقاض ينقلع من أصله، وقال ابن فارس : انقاضت البيضة انشقت. ومن قرأ ينقاص بالصاد المهملة، قيل: معناه انشق طولا، وقيل: ينشق وينقلع من أصله.

[ ص: 586 ] وقال ابن دريد: انقاص غير معجمة: ولم يبن، وبالمعجمة انكسر وبان، وأراد به ميله. ومثله حديث: "لا تتراءى نارهما" أي: لو وقف إنسان في موضع إحدى النارين لم ير نار الأخرى.

وقوله: (وفي حديث غير عمرو قال: وفي أصل (الصخرة) عين يقال لها الحياة لا تصيب من مائها شيئا إلا حيي).

قال الداودي : لا أرى هذا يثبت، وإن كان محفوظا فذلك كله من خلق الله وقدرته إذا أراد إحياء ميت أنشره، قال: وفي دخول الحوت في العين دلالة على أنه حي قبل دخوله فيها، لو كان كما في هذا الحديث فلا يحتاج إلى العين، والله تعالى قادر أن يحييه بلا عين.

قال: وقوله: (فلما استيقظ موسى قال لفتاه آتنا غداءنا). وهم، إنما قال له بعد أن ساروا يوما وليلة. قال: وكذلك قوله: (وجدناه عند الصخرة). وهم.

واعترض ابن التين فقال: قوله: إن الحوت دخلها وهو حي، إنما قال: (وأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرك). وتوهيمه الثاني قد سلف في الحديث السالف مثله أيضا.

وقراءة ابن عباس : (سفينة صالحة). وافقه عليها عثمان أيضا.

التالي السابق


الخدمات العلمية