التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
399 407 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -أم المؤمنين- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكه. [ مسلم: 549 - فتح: 1 \ 509] .


ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

أحدها: حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى نخامة في القبلة، فشق ذلك عليه حتى رئي في وجهه، فقام فحكه بيده، فقال: "إن أحدكم إذا قام في صلاته، فإنه يناجي ربه -أو إن ربه بينه وبين القبلة- فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدميه". ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض، فقال: "أو يفعل هكذا".

ثانيها: حديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس فقال: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى".

[ ص: 417 ] ثالثها: حديث عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكه.

الكلام على هذه الأحاديث من أوجه:

أحدها:

حديث أنس أخرجه في مواضع أخر قريبا في بابين: عقب باب بعد هذا، وفي باب: كفارة البزاق في المسجد بلفظ: "البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها" وفي باب: ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة، وفي باب: المصلي يناجي ربه.

وأخرجه مسلم أيضا.

وحديث ابن عمر أخرجه البخاري أيضا قريبا، وفي الأدب وغيره.

وأخرجه مسلم أيضا.

[ ص: 418 ] وحديث عائشة أخرجه أيضا في الصلاة وسيأتي.

وأخرجه مسلم والترمذي أيضا.

وسيأتي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وأخرجهما مسلم أيضا.

ثانيها:

النخامة بالضم: النخاعة، وقد ذكره البخاري بهذا اللفظ، في باب: الالتفات، يقال: تنخم الرجل إذا تنخع، وفي "المطالع": النخامة من الصدر: وهو البلغم اللزج، وفي "النهاية": النخامة: البزقة التي تخرج من أصل الحلق من مخرج الخاء المعجمة، وقيل: النخاعة بالعين من الصدر، وبالميم من الرأس.

ثالثها:

إنما شق ذلك عليه احتراما لجهة القبلة. وقوله: (فحكه) أي: أزاله وهو موضع الترجمة. ففيه إزالة البزاق وغيره من الأقذار ونحوها من المسجد. وقوله: "فإنه يناجي ربه"، إشارة إلى إخلاص القلب وحضوره وتفريغه لذكر الله وتمجيده وتلاوة كتابه وتدبره. ومن كان [ ص: 419 ] يناجي ربه وهو بينه وبين قبلته فلا يقابلها بذلك. والبزاق بالزاي والصاد والسين: ما يخرج من الفم. وقوله: ("ولكن عن يساره") هذا في غير المسجد، أما فيه فلا يبزقن إلا في ثوبه، كذا قاله النووي، وسياق الأحاديث دال على أنه فيه. وقوله: ("أو تحت قدمه اليسرى") كما بينه في الرواية الآتية من حديث أبي سعيد.

وقوله: (ثم أخذ رداءه) إلى آخره. فيه: جواز هذا الفعل، وفيه: طهارة البزاق، وهو إجماع إلا من شذ كما حكاه الخطابي عن إبراهيم النخعي، وسليمان (كما حكاه عنه ابن حزم)، وقال القاضي عياض: البزاق ليس خطيئة إلا في حق من لم يدفنه، وأما من أراد دفنه فليس بخطيئة إذا دفنها في تراب المسجد أو رمله وحصاه إن كان فيه وإلا فليخرجها.

وقال القرطبي: الحديث دال على تحريم البصاق في القبلة، وأن الدفن لا يكفيه، وهو كما قال. وقال الروياني: المراد بذلك إخراجها مطلقا، فإن لم تكن المساجد تربة، وكانت ذات حصر فلا؛ احتراما للمالية.

وفيه: فضل الميامن على المياسر.

التالي السابق


الخدمات العلمية