التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4459 [ ص: 610 ] 1 - باب: قوله: واصطنعتك لنفسي الآية [طه: 41]

4736 - حدثنا الصلت بن محمد، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " التقى آدم وموسى، فقال موسى لآدم: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ قال له آدم: أنت الذي اصطفاك الله برسالته، واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة؟ قال نعم. قال: فوجدتها كتب علي قبل أن يخلقني؟ قال: نعم. فحج آدم موسى". اليم [طه: 39] البحر. [انظر: 3409 - مسلم: 2652 - فتح: 8 \ 434]


ذكر فيه حديث محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " التقى آدم وموسى، فقال موسى: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ فقال آدم: أنت الذي اصطفاك الله برسالته، واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم. قال: فوجدتها كتب علي قبل أن يخلقني؟ قال: نعم. فحج آدم موسى".

هذا الحديث يأتي من بعد من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة وفيه: "قبل أن يخلقني أو قدره علي". وسلف في باب: وفاة موسى - عليه السلام - من حديث حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة . وفي آخره: "فحج آدم موسى" مرتين.

وأخرجه مسلم بألفاظ:

منها: "فقال موسى: يا آدم أنت أبونا، أخرجتنا من الجنة".

ومنها: "قبل أن يخلقني بأربعين سنة".

[ ص: 611 ] ومنها: "أنت الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة".

ومنها: "هل وجدت فيها -يعني: في التوراة- وعصى آدم ربه فغوى . قال: نعم".

قال الدارقطني : وروى هذا الحديث أبو هلال الراسبي، عن أبي هريرة فوقفه، وكان كثيرا ما يتوقى رفعه. ولما رواه هدبة عن ابن مهدي -يعني ابن ميمون الراوي عن محمد بن سيرين - رفعه مرة، ثم رجع عنه فأوقفه.

وأسلفنا هناك أنه يجوز [أن] تكون محاجتهما بالأرواح أو حقيقة أو يوم القيامة، ويجوز -كما قال ابن الجوزي - أن يكون شرح حال بضرب مثل لو اجتمعا مآلا، ويكون تخصيص موسى بهذا دون غيره من الأنبياء، لأنه أول من جاء بالتكاليف، وموسى مال في لومه إلى الكسب، وآدم مال إلى القدر، وكلاهما حق لا يبطل أحدهما صاحبه، ومتى قضى للقدر على الكسب أخرج إلى مذهب القدرية، أو للكسب على القدر أخرج إلى مذهب الجبرية كما مضى هناك، وإنما وقعت الغلبة لآدم من وجهين:

أولهما: أنه ليس لمخلوق أن يلوم مخلوقا فيما قضي عليه إلا أن يأذن الشرع بلومه، فيكون الشرع هو اللائم، كما قال - عليه السلام: "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب" فلما أخذ موسى يلومه ولم يؤذن له عارضه بالقدر.

الثاني: أن الفعل اجتمع فيه القدر والكسب، والتوبة تمحو أثر

[ ص: 612 ] الكسب، فلما تيب عليه لم يبق إلا القدر، والقدر لا يتوجه إليه لوم، وزعم الليث بن سعد أن الحجة إنما صحت لادم من أجل أن الله قد غفر له، فلم يكن لموسى أن يعيره بما قد غفر له، وأما من أخطأ ولم تأته المغفرة فالعلماء مجمعون أنه لا يجوز أن يحتج بما احتج به آدم فلا يقول: أتلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت وقد قدر الله ذلك علي؟! وإن كان محقا. والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه ولوم المسيء على إساءته، وتعديد ذنوبه عليه، ولم يشرع للابن لوم أبيه، وإنما لم يسقط اللوم عن العاصي منا لبقائه في دار التكليف، وأحكامهم جارية عليهم من العقوبة والتوبيخ وغيرهما، وفي ذلك زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل، وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، وأما آدم فليس في دار التكليف.

وقوله: ("فحج آدم موسى") أي: غلبه بالحجة وظهر عليه بها، والمراد بالتقدير السالف الكتابة في اللوح المحفوظ أو في صحف التوراة وألواحها، وقد سلف ذلك، أي: كتبه علي قبل خلقي بأربعين سنة، ولا يجوز أن يراد به حقيقة القدر، فإن علم الله قد تم على عباده وأراده من خلقه لا أول له. فإن قلت: فما المعنى بالتحديد المذكور في المكتوب، وفي الحديث: "إن الله قدر المقادير قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة".

قلت: كما أجاب عنه ابن الجوزي أن المعلومات كلها قد أحاط بها العلم القديم قبل وجود كل مخلوق؛ ولكنه كتبها في اللوح المحفوظ في

[ ص: 613 ] زمان دون زمان، فجائز أن يكون كتب أمر ما يجري لآدم قبل خلقه بأربعين سنة، وجائز أن تكون الإشارة إلى مدة لبثه طينا، فإنه بقي كذلك أربعين سنة، وكأنه يقول: كتب ما جرى منذ سواني طينا قبل أن ينفخ في الروح. وقد جاء في رواية: "بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين سنة".

التالي السابق


الخدمات العلمية