التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
[ ص: 53 ] 11 - باب: قوله: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا إلى قوله: رءوف رحيم [ النور: 19، 20]

تشيع: تظهر، أي: تنتشر، وقوله: ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم [ النور: 22].

4757 - وقال أبو أسامة: عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي، عن عائشة قالت: لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطيبا، فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد، أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي، وايم الله ما علمت على أهلي من سوء، وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط، ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي". فقام سعد بن معاذ، فقال: ائذن لي يا رسول الله أن نضرب أعناقهم، وقام رجل من بني الخزرج -وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل- فقال: كذبت، أما والله، أن لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم. حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد، وما علمت فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح. فعثرت وقالت: تعس مسطح. فقلت: أي أم تسبين ابنك وسكتت ثم عثرت الثانية فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: تسبين ابنك ثم عثرت الثالثة فقالت: تعس مسطح. فانتهرتها، فقالت: والله ما أسبه إلا فيك. فقلت: في أي شأني؟ قالت: فبقرت لي الحديث فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله، فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلا ولا كثيرا، ووعكت فقلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرسلني إلى بيت أبي. فأرسل معي الغلام، فدخلت [ ص: 54 ] الدار فوجدت أم رومان في السفل وأبا بكر فوق البيت يقرأ. فقالت أمي: ما جاء بك يا بنية فأخبرتها وذكرت لها الحديث، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني، فقالت: يا بنية خفضي عليك الشأن، فإنه والله، لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها، لها ضرائر، إلا حسدنها وقيل فيها. وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ مني، قلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم. قلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: نعم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذكر من شأنها. ففاضت عيناه، قال: أقسمت عليك أي بنية إلا رجعت إلى بيتك. فرجعت ولقد جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيتي، فسأل عني خادمتي فقالت: لا والله ما علمت عليها عيبا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها. وانتهرها بعض أصحابه فقال: اصدقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أسقطوا لها به، فقالت: سبحان الله، والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر. وبلغ الأمر إلى ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله! والله ما كشفت كنف أنثى قط. قالت عائشة: فقتل شهيدا في سبيل الله. قالت: وأصبح أبواي عندي، فلم يزالا حتى دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد صلى العصر، ثم دخل وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد يا عائشة، إن كنت قارفت سوءا أو ظلمت، فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة من عباده". قالت: وقد جاءت امرأة من الأنصار فهي جالسة بالباب فقلت: ألا تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئا. فوعظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالتفت إلى أبي فقلت: أجبه. قال: فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت: أجيبيه. فقالت: أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه تشهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد فوالله لئن قلت لكم: إني لم أفعل. والله -عز وجل- يشهد إني لصادقة، ما ذاك بنافعي عندكم، لقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم، وإن قلت: إني فعلت. والله يعلم أني لم أفعل، لتقولن: قد باءت به على نفسها، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا -والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه- إلا أبا [ ص: 55 ] يوسف حين قال فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون [ يوسف: 18] وأنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ساعته فسكتنا، فرفع عنه، وإني لأتبين السرور في وجهه، وهو يمسح جبينه ويقول: "أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك". قالت: وكنت أشد ما كنت غضبا فقال لي أبواي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي، لقد سمعتموه، فما أنكرتموه ولا غيرتموه، وكانت عائشة تقول: أما زينب ابنة جحش فعصمها الله بدينها، فلم تقل إلا خيرا، وأما أختها حمنة فهلكت فيمن هلك، وكان الذي يتكلم فيه مسطح وحسان بن ثابت والمنافق عبد الله بن أبي، وهو الذي كان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة. قالت: فحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحا بنافعة أبدا، فأنزل الله -عز وجل- ولا يأتل أولو الفضل منكم [ النور: 22] إلى آخر الآية يعني أبا بكر والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين [ النور: 22]-يعني مسطحا- إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم [ النور: 22] حتى قال أبو بكر: بلى، والله يا ربنا إنا لنحب أن تغفر لنا، وعاد له بما كان يصنع. [ انظر: 2593 - مسلم: 2770 - فتح: 8 \ 487]


وقال أبو أسامة : عن هشام بن عروة : أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما ذكر من شأني الذي ذكر. . بطوله. أسنده مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب ، عن أبي أسامة به.

خاتمة:

قال هشام بن عمار : سمعت مالكا يقول: من سب أبا بكر وعمر أدب، ومن سب عائشة قتل ; لأن الله تعالى يقول: يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين [ ص: 56 ] [ النور: 17] فمن سبها فقد خالف القرآن وقتل، ومن سبها بما برأها الله منه فهو مكذب لله، ومن كذب الله فهو كافر.

وعند الشافعي من سبها أدب، حكاه ابن العربي عنه.

وقال القاضي حسين في "اختلاف نية الإمام والمأموم": إذا سب الشيخين أو الحسن أو الحسين هل يكفر؟ فيه وجهان.

قوله: ( "وايم الله" ) اختلف في ألفه، هل هي ألف وصل أو قطع.

وقوله: ( فقام سعد بن عبادة فقال: ائذن لي يا رسول الله بضرب أعناقهم ) هو وهم من أبي أسامة أو من هشام ، وصوابه: سعد بن معاذ كما نبه عليه الدمياطي.

وكذا قال ابن التين: هذا ليس بصحيح.

والأحاديث كلها: سعد بن معاذ ، والذي عارضه سعد بن عبادة . كذا ذكره قريبا، وكذا أسلفه في الشهادات، وقد أسلفنا هناك أن ابن حزم وغيره وهى رواية سعد بن معاذ فراجعه. وأم حسان بن ثابت اسمها الفريعة بفاء وعين مهملة.

وقولها: ( فوعكت ) الوعك: الحمى. وزاد هنا: ( فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار، فوجدت أم رومان في السفل، وأبا بكر فوق البيت يقرأ، فقالت أمي: ما جاء بك يا بنية؟ ).

[ ص: 57 ] قال الداودي : وفي قولها: ( فإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني ) معان، أما أحدها: فإن أم رومان أمها قد مارست من الرزايا ما هون عليها ذلك.

والخادم هي بريرة، وفيه دلالة على إطلاقه على من عتقت. وقولها: ( وقد اكتنفني أبواي ) أي: أحاطا بي.

التالي السابق


الخدمات العلمية