التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4508 [ ص: 115 ] 5 - باب: قوله: وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة الآية [ الأحزاب: 29]

وقال قتادة: واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة [ الأحزاب: 34]: القرآن والسنة.

4786 - وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن عائشة -زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: " إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك". قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: " إن الله جل ثناؤه قال يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها [ الأحزاب: 28] إلى أجرا عظيما [ الأحزاب: 29]". قالت: فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبوي؟! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما فعلت.

تابعه موسى بن أعين، عن معمر، عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة. وقال عبد الرزاق وأبو سفيان المعمري: عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. [ انظر:4785 - مسلم:1475 - فتح: 8 \ 520]


( قال قتادة : واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة : القرآن والسنة. ) هذا رواه الحنظلي عن أحمد بن منصور ، ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر عنه.

وقال الليث : حدثني يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة ابن عبد الرحمن ، أن عائشة -زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: لما أمر رسول الله [ ص: 116 ] - صلى الله عليه وسلم - بتخيير أزواجه بدأ بي، قال: "إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي. . " الحديث.

ثم قال: تابعه موسى بن أعين، عن معمر ، عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة . وقال عبد الرزاق وأبو سفيان المعمري: عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة.

الشرح:

قوله: ( وقال الليث ) يجوز أن يكون عن كاتب الليث - أبي صالح عبد الله بن صالح- فإن الحديث عنده وليس هو عند البخاري ممن يخرج له في الأصول إلا في موضع واحد في البيوع، صرح بسماعه منه، وروايته عنه.

ومتابعته عبد الرزاق أخرجها ابن ماجه من حديث محمد بن يحيى عنه، ولما رواه النسائي ، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن يونس بن يزيد وموسى بن علي، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، وعن محمد بن عبد الأعلى، عن محمد بن ثور، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قال: هذا خطأ، ولا أعلم من الثقات تابع معمرا على هذه [ ص: 117 ] الرواية. وأفاد ابن عساكر أن معاوية بن صالح الصدفي رواه عن الزهري ، عن عروة ، قال الدارقطني : وكذا رواه محمد بن ثور وابن المبارك والحسن بن أبي الربيع الجرجاني .

وقوله: ( وأبو سفيان المعمري ) اسمه محمد بن حميد البصري، ولقب بالمعمري ; لأنه رحل إلى معمر ، مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين، روى له مسلم أيضا.

إذا تقرر ذلك: فمما عد من خصائصه - عليه أفضل الصلاة والسلام - أنه كان يجب عليه -على الأصح- تخيير زوجاته بين اختيار زينة الدنيا ومفارقته، وبين اختيار الآخرة والبقاء في عصمته، ولا يجب ذلك على غيره.

ووجهه الآية المذكورة وفي سبب نزولها أقوال محل الخوض فيها كتب التفسير، وقد أوضحت القول فيها في كتاب "غاية السول في خصائص الرسول"، فلما نزلت آية التخيير بدأ بعائشة كما نص عليه في الحديث.

وحقيقته أن يجعل الطلاق إلى المرأة، فإن لم تطلق فليس بشيء، كما لو فوتته لا يمضي، فلما بدأ بها اختارته، ثم اخترنه باقي نسائه، وبه قال الأكثرون، وقال الماوردي : إلا فاطمة بنت الضحاك الكلابية، وكان قد دخل بها، فاختارت الحياة الدنيا وزينتها، فسرحها، فلما كان في زمن عمر وجدت تلقط البعر وتقول: إني [ ص: 118 ] اخترت الدنيا على الآخرة، فلا دنيا ولا آخرة، زاد ابن الطلاع: وكانت تقول: أنا الشقية، قال: وكانت تحته قيلة بنت قيس، وأنه أوصى بتخييرها في مرضه فاختارت فراقه قبل الدخول. وقال الماوردي : هل كان التخيير ( بين ) الدنيا والآخرة أو بين الطلاق والمقام؟ فيه قولان للعلماء أشبههما بقول الشافعي الثاني، وقال بعد: إنه الصحيح.

وكذا فرض الخلاف القرطبي ، وعبارته: هل كان في البقاء أو الطلاق، أو بين الدنيا فيفارقهن أو بين الآخرة فيمسكهن ولم يخيرهن في الطلاق، وقال: ذكره الحسن وقتادة ، ومن الصحابة: علي، فيما رواه أحمد عنه أنه قال لم يخير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه إلا بين الدنيا والآخرة.

وعبارة ابن الجوزي : المعنى في تخييره: إن اخترتن الدنيا فأخبرنني حتى أطلقكن، ولا يكون من تخيير المرأة إذا اختارت نفسها وقع الطلاق، فإنه كناية في حقه، أو يكون جوابا عن سؤالها فهو كناية من جانبها أيضا قبلته بلفظ الاختيار.

وفرع الماوردي فقال: فعلى الأول لا شيء حتى تطلق، وعلى الثاني فيه وجهان: أحدهما: أن تخييره كتخيير غيره ويرجع فيه إلى نيته ونيتها، وثانيهما: أنه صريح في الطلاق لخروجه مخرج التغليظ.

[ ص: 119 ] وحاصل الخلاف: هل هو صريح أو كناية، ومذهب الأربعة والجمهور، -كما قاله النووي- أن من خير زوجته فاختارته لم يكن ذلك طلاقا، ولا تقع به فرقة، وروي عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث : أن نفس التخيير يقع به طلقة بائنة، سواء اختارت زوجها أم لا، وحكاه الخطابي وغيره من مذهب مالك ، قال القاضي: لا يصح عنه. وقال ربيعة: يقع رجعيا وإن اختارت زوجها. وحكى الرازي الحنفي خلافا عن السلف فيمن خير امرأته، فقال علي: إذا اختارت زوجها فواحدة رجعية، أو نفسها فبائنة. وعنه: لا شيء في الأول، وقال عمر ( بن ) عبد الله : لا شيء في الثاني، وقال زيد بن ثابت : في ( أمرك بيدك ) وإن اختارت نفسها رجعية.

وقال أبو حنيفة وصاحباه وزفر في الخيار: إن اختارت زوجها فلا شيء، أو نفسها فبائن إذا أراد الزوج الطلاق، ولا يكون ثلاثا وإن نوى، وقال ابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري : إن اختارت زوجها فلا شيء أو نفسها فواحدة، وقال مالك في الخيار: إنه ثلاث إذا اختارت نفسها، وإن طلقت نفسها واحدة لم يقع شيء، وحكى سحنون عن أكثر أصحابهم أنها طلقة بائنة، وقيل: رجعية.

قال ابن المنذر : قول عائشة- رضي الله عنها- ( خيرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعد ذلك علينا شيئا ) دال على اختيارها زوجها لم يكن طلاقا، [ ص: 120 ] بخلاف اختيارها نفسها، وأن المخيرة إذا اختارت نفسها فهي مطلقة، بهذا، يملك زوجها رجعتها. ثم حكى عن عمر وابن مسعود وابن عباس أنها إذا اختارت نفسها فرجعية، وبه قال ابن أبي ليلى والثوري والشافعي .

وروي: بائن، روي عن علي، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وقيل: ثلاث، وهو قول مالك والليث وقبلهما زيد بن ثابت والحسن البصري .

فائدة:

قوله: ( "فلا تعجلي" ) قاله شفقة عليها، فإنه خاف أن يحملها صغر سنها وقلة تجربتها على اختيار الفراق فيجب فراقها، وقد يقتدي بها غيرها من نسائه.

وقوله: ( "حتى تستأمري أبويك" ) صريح في أنها لو أوقعت الطلاق لوقع، وانفرد طاوس فقال: الطلاق للرجل، وقيل: إنما أمره الله بالتخيير ; لعلمه أنهن يخترنه، وهذا لا يعلم في غير أمهات المؤمنين. قال هذا القائل: فيكره أن يخير الرجل المرأة، ورد عليه باستعمال السلف له.

التالي السابق


الخدمات العلمية