التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4549 [ ص: 228 ] [ باب] قوله: وما يهلكنا إلا الدهر الآية [ الجاثية: 24]

4826 - حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله -عز وجل-: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار". [ 6181، 6182،7491 - مسلم:2246 - فتح: 8 \ 574]


ذكر في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار".

الشرح:

هذا الحديث أخرجه أيضا مسلم وأبو داود والنسائي .

قيل: معناه: صاحب الدهر ومدبر الأمور المنسوبة إلى الدهور.

وقيل: المعنى: إنكم تسبون الدهر ; لما ينزل بكم، والفعل إنما هو لله، فمن سب الدهر لما يطوي عليه دخل في هذا الحديث، لا لما يرى من المنكر فيه، وكانت العرب إذا أصابتهم مصيبة يسبون الدهر، ويقولون عند ذكر موتاهم: أبادهم الدهر، ينسبون ذلك إليه، ويرونه الفاعل لهذه الأشياء، ولا يرونها من قضاء الله وقدره، وأنه أزلي لا أول له، فأعلمهم الله أنه محدث، يقلب ليله ونهاره، لا فعل له،

[ ص: 229 ] إنما هو ظرف للطوارئ.

وكان أبو بكر بن داود الأصبهاني يرويه بفتح الراء من الدهر، منصوب على الظرف، أي: أنا طول الدهر، بيدي الأمر، وكان يقول: لو كان مضموم الراء لصار من أسماء الله تعالى، وقال القاضي عياض: نصبه بعضهم على التخصيص. قال: والظرف أصح. وقال أبو جعفر النحاس : يجوز النصب، أي: بأن الله باق معهم أبدا لا يزول.

وأما ابن الجوزي فقال: هو باطل من وجوه:

أحدها: أنه خلاف أهل النقل، فإن المحدثين المحققين لم يضبطوها إلا بالضم، ولم يكن ابن داود من الحفاظ ولا من علماء النقل.

ثانيها: أنه ورد بألفاظ صحاح تبطل تأويله، وهي: "لا تقولوا: يا خيبة الدهر ; فإن الله هو الدهر". أخرجاه.

[ ص: 230 ] ولمسلم: "لا تسبوا الدهر ; فإن الله هو الدهر".

ثالثها: تأويله يقتضي أن تكون علة النهي لم تذكر ; لأنه إذا قال: "لا تسبوا الدهر فأنا الدهر، أقلب الليل والنهار" وكأنه قال: لا تسبوا الدهر فأنا أقلبه. ومعلوم أنه يقلب كل شيء من خير وشر، وتقليبه للأشياء لا يمنع ذمها، وإنما يتوجه الأذى في قوله: "يؤذيني ابن آدم" على ما أشرنا إليه.

وقال القرطبي : أي: يخاطبني من القول بما يتأذى به من يصح في حقه التأذي، لا أن الله تعالى يتأذى ; لأن التأذي ضرر وألم، والرب تعالى منزه عن ذلك، وهذه توسعات يفهم منها أن من يعامل الله بتلك المعاملات تعرض لعقابه ومؤاخذته، ولا شك في كفر من نسب تلك الأفعال -يعني: الممدوحة والمذمومة- أو شيئا منها للدهر حقيقة أو اعتقد ذلك، وأما من جرت على لسانه ولا يعتقد صحتها فليس بكافر، ولكنه تشبه بأهل الكفر، وارتكب ما نهاه عنه الشارع، فليتب وليستغفر.

التالي السابق


الخدمات العلمية