التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4573 4854 - حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، قال: حدثوني عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه - رضي الله عنه -، قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون [الطور: 35 - 37] كاد قلبي أن يطير. قال سفيان: فأما أنا فإنما سمعت الزهري يحدث عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -: يقرأ في المغرب بالطور. لم أسمعه زاد الذي قالوا لي. [ انظر:765 - مسلم:463 - فتح: 8 \ 603]


هي مكية، قال الكلبي : إلا قوله: وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك نزلت فيمن قتل ببدر من المشركين. وقال مقاتل : لما كذبت كفار قريش أقسم الله بالطور، وهو الجبل -بلغة النبط- الذي كلم الله موسى عليه بالأرض المقدسة. وقال الجوزي: بمدين طور سيناء. وفي "تفسير ابن عباس " أنه - عليه السلام - خوف أهل مكة العذاب فلم يؤمنوا ولم يصدقوا وقالوا: لن نؤمن بما جئت به. فأنزل الله يقسم ( بستة ) أشياء لنبيه - عليه السلام - أن العذاب نازل بهم.

[ ص: 291 ] ( ص ) ( قال مجاهد : الطور الجبل ( بالسريانية ) وهذا أخرجه ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه، ورواه مرة عنه، عن ابن عباس . وقوله: ( بالسريانية ) لعله وافق لغتهم، وحكي عنه وعن عكرمة وقتادة وغيرهما أنه جبل فقط، وكذا قال ابن فارس ، وكذا ما سيأتي عن أهل اللغة أنه جبل.

قال مقاتل بن حيان : هما طوران: طور زيتا، وطور تينا ; لأنهما ينبتان الزيتون والتين. وقال أبو عبد الله الحموي في "مشتركه": طور زيتا مقصور أيضا جبل بالبيت المقدس. وفي الأثر: مات بطور زيتا تسعون ألف نبي ; قتلهم الجوع، وهو شرقي وادي سلوان، والطور أيضا جبل مطل على مدينة طبرية بالأردن وبأرض مصر أيضا. واختلف في طور سيناء، فقيل: هو جبل بقرب أيلة. وقيل: هو بالشام. وسيناء حجازية، وقيل: شجر فيه، وطور عبدين اسم لبليدة نصيبين في بطن الجبل المشرف عليها المتصل بجبل الجودي، وطور هارون جبل مشرف قبلي بيت المقدس، فيه -فيما قيل- قبر هارون - عليه السلام -. وقال صاحب "المحكم": الجبل: الطور، وقد غلب على طور سيناء جبل بالشام، وهو بالسريانية طورى، والنسبة إليه طواري وطوراني، وكذا قال القزاز وأبو عبيدة في "مجازه": كل جبل طور.

[ ص: 292 ] وقال نوف: أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل متمكن فارتفعت وانتفخت وشمخت إلا الطور فإنه تواضع، وقال: أرضى بما قسم لي الله، فكان الأمن عليه.

( ص ) ( وقال قتادة : مسطور : مكتوب ) هو كما قال.

( ص ) ( في رق منشور : صحيفة ) قلت: حكاه الجوزي عن مجاهد ، وذكره ابن عباس في "تفسيره" بزيادة: وذلك الرق ما بين المشرق والمغرب. وقال مقاتل : في رق يعني: في أديم الصحف. قال الجوزي: يريد القرآن. وقيل: التوراة. وقيل: اللوح المحفوظ. وقيل: ما يكتبه الحفظة.

( ص ) ( والسقف المرفوع : السماء ) قلت: سماها سقفا ; لأنها للأرض كالسقف للبيت، دليله ونظيره وجعلنا السماء سقفا محفوظا .

( ص ) ( المسجور : الموقد ) هو قول مجاهد فيما حكاه الجوزي، يريد: المملوء نارا. عن علي: هو بحر تحت العرش، أي: ( مملوء ) ماء يسمى نهر الحيوان، يحيي الله به الموتى فيما بين النفختين. ويروى أن البحر -وفي رواية: البحار- تسجر يوم القيامة نارا.

( ص ) ( وقال الحسن: تسجر حتى يذهب ماؤها فلا يبقى فيها قطرة وهذا رواه الطبري من حديث قتادة عنه، وعنه: المسجور: المملوء، مثل قوله: ( ثم في النار يسجرون وعن ابن عباس : المسجور: [ ص: 293 ] المحبوس. قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سقف محفوظ وموج مكفوف عن العباد".

( ص ) ( وقال مجاهد : ألتناهم : نقصناهم ) أخرجه ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح ، عنه.

( ص ) ( أحلامهم : عقولهم ) أي: لأنهم كانوا يعبدون في الجاهلية أهل الأحلام ويوصفون بالعقل، كنى عن العقل بالحلم ; لأن الحلم لا يكون إلا بالعقل.

( ص ) ( وقال ابن عباس : البر : اللطيف. كسفا : قطعا. المنون: الموت ) هذا أخرجه ابن أبي حاتم أيضا من حديث علي بن أبي طلحة عنه.

ثم قال: ( ص ) ( وقال غيره: يتنازعون : يتعاطون ) ما ذكره في البر هو أحد الأقوال. وقيل: المحسن. وقيل: الصادق فيما وعد أولياءه. وقيل: خالق البشر. وقيل: العطوف على خلقه. وقيل غير ذلك.

وقوله: ( كسفا : قطعا ) ويقال: قطعة. هو جمع كسفة كقربة وقرب، ومن قرأ بالسكون على التوحيد، فجمعه أكساف وكسوف، وهو واحد، ويجوز أن يكون جمع كسف كسدرة وسدر.

[ ص: 294 ] وقوله: ( المنون : الموت ) قال مجاهد : إنه حوادث الدهر. وهو المعروف عند أهل اللغة. وقال أبو عبيدة : إنه الدهر. قال ابن فارس : وإنما قيل للمنية: المنون، لأنه ينقص العدد ويقطع المدد - قال الداودي : هو جمع منية. وليس كما ذكر، فقد قال الأصمعي : إنه واحد لا جمع له. وقال الأخفش : هو جمع لا واحد له. وقال الفراء : يقع للجميع وللواحد.

وقوله: ( يتنازعون : يتعاطون ) . أي: ويتبادلون ويتداولون.

ثم ساق البخاري حديث أم سلمة في طوافها راكبة. وقد سلف في الصلاة.

وفيه: طواف النساء: ليلا وفي حال صلاة الناس، والركوب فيه للضرورة، وقد يستدل على طهارة روث ما يؤكل لحمه، وقد سلف ما فيه.

ثم ساق أيضا حديث جبير بن مطعم في قراءته - عليه السلام - في المغرب بالطور، وقد سلف أيضا هناك مختصرا. وقوله هنا: ( فلما بلغ هذه الآية: أم خلقوا من غير شيء إلى آخرها، كاد قلبي أن يطير ): إنما كان ذلك منه لحسن تلقيه ( هذه معنى ) الآية ومعرفته بما تضمنته من تبليغ الحجة، وهي آية صعبة جدا، وفيها قولان:

أحدهما: ليس هو بأشد خلقا من خلق السماوات والأرض، يخلقهما من غير شيء وهم خلقوا من آدم، وآدم من تراب.

[ ص: 295 ] ثانيهما: خلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون. واختار الخطابي أن المعنى: أم خلقوا من غير شيء خلقهم فوجدوا بلا خالق؟ هذا محال ; لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم فإن أنكروه فهم الخالقون لأنفسهم، ثم قال: أم خلقوا السماوات والأرض . أي: فليدعوا ذلك، ولا يمكنهم بوجه. ثم ذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان وهي عدم اليقين، ولهذا انزعج جبير بن مطعم .

التالي السابق


الخدمات العلمية