التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4605 4887 - حدثنا علي، حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان قال ذكرت لعبد الرحمن بن عابس حديث منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواصلة فقال: سمعته من امرأة يقال: لها أم يعقوب. . عن عبد الله مثل حديث منصور. [ انظر 4886 - مسلم:2125 - فتح: 8 \ 630]


ذكر فيه حديث منصور عن إبراهيم، عن علقمة ، عن عبد الله قال: "لعن الله الواشمات والمتوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. . " الحديث.

وفي رواية: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواصلة، قال: سمعته امرأة يقال لها: أم يعقوب. . عن عبد الله مثله.

[ ص: 369 ] الشرح:

الكلام عليه من وجوه، ويأتي في اللباس، وأخرجه مسلم والأربعة:

أحدها:

زعم الدارقطني أن الأعمش رواه كرواية منصور ، وروى عنه عن إبراهيم، عن عبد الله لم يذكر علقمة . ورواه إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم، عن أم يعقوب، عن عبد الله . قال: والصحيح قول منصور . يعني ما في الكتاب.

ثانيها:

الوشم: غرز إبرة ونحوها في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة وغير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم منه، ثم يحشى ذلك الموضع بكحل أو نورة أو نيل ففاعله واشم، والمفعول بها موشومة، فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة، وهو حرام على الفاعل والمفعول بها باختيارها والطالبة له، فإن فعل بطفلة فالإثم على الفاعل ; لانتفاء التكليف في حقها وكان ذلك في الجاهلية قال أصحابنا: وموضعه يصير نجسا، فإن أمكن إزالته بعلاج وجب، وإن لم يمكن إلا بجرح، فإن خاف منه ما أباح التيمم في عضو ظاهر لم تجب إزالته، وإذا تاب انتفى الإثم، وإن لم يخف محذورا لزمه إزالته، ويعصي بتأخيره، وسواء فيه الرجل والمرأة.

[ ص: 370 ] ثالثها:

التنمص -بمثناة فوق، ثم نون، وصاد مهملة- إزالة الشعر من الوجه مأخوذ من المنماص بكسر الميم الأولى وهو المنقاش، والمتنمصة: طالبة ذلك، والنامصة: المزيلة له.

وبعضهم يقول: المنتمصة بتقديم النون حكاه ابن الجوزي ، قال: والذي ضبطناه عن أشياخنا في كتاب أبي عبيد المتنمصة بتقديم التاء مع التشديد.

وهو حرام إلا إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب فلا يحرم بل يستحب عندنا، والنهي إنما هو في الحواجب وما في أطراف الوجه.

وانفرد ابن جرير فقال: لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها، ولا تغيير شيء من خلقها بزيادة ولا نقص.

وأبعد من قال: النامصة: التي تصبغ الحواجب، والمتنمصة: التي يفعل ذلك بها، حكاه ابن التين.

رابعا:

المتفلجات بالفاء والجيم، وهو برد الأسنان الثنايا والرباعيات، وعبارة ابن فارس : الفلج في الأسنان: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات. قال ( أبو عبيد ) يقال: رجل أفلج وامرأة فلجاء الأسنان، لا بد من ذكر الأسنان.

[ ص: 371 ] وقوله: ( للحسن ) إشارة إلى أن الحرام منه هو المفعول لطلب الحسن، أما إذا احتيج إليه لعلاج أو عيب في السن وتحدبه فلا بأس به. وجاء: لعن الواشرة والمتوشرة، كما حكاه أبو عبيد ، وهي التي تشر أسنانها، أي: تفلجها وتجردها حتى تكون لها أشر وهي رقة وتحدد في أطراف أسنان الأحداث فهو شبيه بأولئك، يقال فيه: ثغر موشر، وتفعل ذلك العجوز إظهارا للصغر وحسن الأسنان، وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها، واختلف في المعنى الذي نهى عن الوشم وشبهه، فقيل: لأنه من باب التدليس. وقيل: من باب تغيير خلق الله الذي يأمر به الشيطان، قال تعالى مخبرا عنه: ولآمرنهم فليغيرن خلق الله [ النساء: 119] وهذا إنما فيما يكون باقيا، فأما ما لا يكون باقيا كالكحل والتزين ; فقد أجازه مالك وغيره، حكاه القرطبي ، وكرهه للرجال، وأجاز مالك أيضا نشر المرأة يديها بالحناء. وروي عن عمر إنكار ذلك، فإما أن تخضب بدنها كله أو تدعه، وأنكر مالك هذا عن عمر ، وجاء حديث بالنهي عن تسويد الحناء. كما قال عياض، وتحمير الوجه، والخضاب بالسواد إن فعل بإذن الزوج أو السيد جاز، وإلا فحرام.

خامسها:

قول ابن مسعود : ( وما لي لا ألعن من لعن رسول الله ).

فيه: دلالة على جواز الاقتداء به في إطلاق اللعن معينا كان أو غير [ ص: 372 ] معين، لأن الأصل أن الشارع ما كان يلعن إلا من يستحقه عنده، ولا يعارضه قوله: "أيما مسلم سببته أو لعنته وليس لذلك بأهل فاجعل ذلك له كفارة وطهورا" لأنه عنده مستحق لذلك، وأما عند الله فالأمر موكول إليه عملا بقوله: "وليس لذلك بأهل" في علمك لا في علمي بأن يتوب مما صدر عنه، وإن علم الله منه خلاف ذلك كان دعاؤه عليه زيادة في شقوته. وكأن المرأة -وهي أم يعقوب المذكورة وهي أسدية. قال إسماعيل القاضي: قارئة للقرآن- رأت على زوج ابن مسعود عن قرب شيئا مما سمعته ينهى عنه وكأنه التنمص، فقال لها: اذهبي فانظري، كأنه لما رأى امرأته فعلته نهاها فانتهت وسعت في إزالته حتى زال، فلما دخلت المرأة على امرأته لم تر شيئا، وهكذا ينبغي للرجل أن ينكر على امرأته إذا رآها على محرم، ويمتنع من وطئها كما قال عبد الله : ( لو كان كذلك ما جامعتنا )، وفي لفظ: لم نجامعها، وإن كان يحتمل: لم نجتمع معها في دار إما بهجران أو بطلاق، يدل على رواية: لم نجامعها. والرواية السالفة: جامعتنا.

سادسها:

الواصلة: هي التي تصل شعرها بشعر آخر تكثر به، وهي الفاعلة والمستوصلة الطالبة له. ويقال لها: موصولة، وهو نص في تحريم ذلك، وهو قول جماعة العلماء، ومنعوا الوصل بكل شيء من الصوف والخرق وغيرهما ; لأن ذلك كله في معنى وصله بالشعر ; ولعموم النهي وسد الذريعة. وشذ الليث بن سعد فأجاز وصله بالصوف [ ص: 373 ] وما ليس بشعر، وأباح آخرون وضع الشعر على الرأس وقالوا: إنما نهي عن الوصل خاصة، وهي ظاهرية محضة، وإعراض عن المعنى، وشذ قوم فأجازوا الوصل مطلقا، وتأولوا الحديث على غير وصل الشعر، ولا يعرج عليه، وقد روي عن عائشة ولم يصح عنها.

ولا يدخل في هذا النهي ما ربط الشعر بخيوط الشعر الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر ; لأنه ليس منهيا عنه، إذ ليس هو بوصل إنما هو للتجمل. وفصل أصحابنا فقالوا: إن وصلته بشعر آدمي فهو حرام قطعا سواء كان من رجل محرم، أو غيره، أو امرأة لعموم الأحاديث، ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته ; بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه، وإن وصلته بشعر غير آدمي فإن كان نجسا من ميتة وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضا ; ولأنه حامل نجاسة في صلاته وغيرها عمدا، وسواء في هذين النوعين المزوجة وغيرها من النساء والرجال. وأما الشعر الطاهر فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضا، وإن كان فأوجه التحريم لظاهر الأحاديث والجواز، وأصحها: إن فعلته بإذن السيد أو الزوج جاز وإلا فهو حرام.

سابعها:

فيه: أن المعين على المعاصي يشارك فاعلها في الإثم كما في الطاعة بالنسبة إلى الثواب.

التالي السابق


الخدمات العلمية