التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4693 [ ص: 608 ] ( 114 ) [ سورة] قل أعوذ برب الناس

ويذكر عن ابن عباس الوسواس إذا ولد خنسه الشيطان، فإذا ذكر الله ذهب، وإذا لم يذكر الله ثبت على قلبه.

1 - باب:

4977 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا عبدة بن أبي لبابة، عن زر بن حبيش وحدثنا عاصم، عن زر قال سألت أبي بن كعب قلت: يا أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا. فقال أبي: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: "قيل لي فقلت"، قال: فنحن نقول كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [ انظر:4976 - فتح: 8 \ 741]


ثم ساق حديث زر: سألت أبي بن كعب قلت: أبا المنذر ، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا. فقال أبي: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قيل لي فقلت": فنحن نقول كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

الشرح:

أبي هو ابن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، وهاتان السورتان مدنيتان، وبه جزم الثعلبي ، وعن قتادة وغيره، مكيتان والصواب الأول، نزلتا في اليهودي لبيد بن الأعصم سحر سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعل سحره في راعوفة بئر ذروان، يعني: الحجر الذي في أسفل البئر إذا نزل الإنسان بفم البئر قام عليه، ويقال: إنه العقد التي عقدها لبيد ، وهي إحدى عشرة عقدة في وتر ومشط ومشاطة أعطاها غلام يهودي يخدمه لهم، وصورة من عجين فيها إبر مغروزة، فبعث عليا والزبير وعمارا فاستخرجوه [ ص: 609 ] وشفاه الله، ويقال: إنه سحره امرأتان من البحرين بحضرته بحائل بينهما وجعلا ينفثان ويعقدان فنزلت الفلق، وفي رواية: لبيد بن عامر بن مالك وأم عبد الله اليهودية، وفي رواية في "الصحيح" قالت عائشة: هلا استخرجته قال: "قد عافاني الله وكرهت أن أثور منه على الناس شرا". وفيه مخالفة لما سبق.

وفي رواية: فهلا أحرقته. وظاهره دال على الذي سحر به، كما قاله ابن الجوزي ، إلا أنا قد روينا من طريق آخر: قالوا: يا رسول الله، أفلا نأخذ الخبيث فنقتله، وهو دال على أن الإشارة إلى اليهودي الساحر، والظاهر أن هذا للساحر وذاك للسحر، ويجوز أن يكون ذلك منها على وجه الاستفهام فيحتج به إذن على قتل الساحر، وجاء في رواية: أنه لما سحر احجتم على رأسه بقرن -وهو اسم موضع كما قال ابن السيرافي .

وقال المهلب: وقع فاستخرجه، ووقع في باب السحر قلت: يا رسول الله، أفلا استخرجته فأمر بها فدفنت. قال: وهو اختلاف من الرواة، ومداره على هشام بن عروة وأصحابه يختلفون في استخراجه، فأثبته سفيان في رواية من طريقين، ووافق سؤال عائشة على النشرة، ونفى الاستخراج عن عيسى بن يونس، ووافق سؤالها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاستخراج، ولم يذكر أنه جاوب على الاستخراج بشيء، وحقق أبو أسامة - عليه السلام - إذ سألته عائشة رضي الله عنها [ ص: 610 ] عن استخراجه فكان الاعتبار يعطي أن سفيان [ أولى] بالقول لتقدمه في الضبط وأن الوهم على أبي أسامة في أنه لم يستخرجه، ويشهد لذلك أنه لم يذكر النشرة وكذلك عيسى بن يونس لم يذكر - عليه السلام - أنه جاوب على استخراجه بلا، وذكر النشرة، والزيادة من سفيان مقبولة ; لأنه أثبتهم لا سيما فيما حقق من الاستخراج، وفي ذكره النشرة في جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - مكان الاستخراج، ويحتمل أن يحكم بالاستخراج لسفيان، ويحكم لأبي أسامة بقوله: لا، على أنه استخرج الجف بالمشاقة ولم يستخرج صورة ما في الجف لئلا يراه الناس فيتعلمونه.

ثم اعلم أن السحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل غير قادح في نبوته، وطاح بذلك طعن الملحدة -قاتلهم الله- وما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله، فذاك فيما يجوز طروؤه عليه في أمر دنياه دون ما أمر بتبليغه، يؤيده الرواية الأخرى أنه يأتي أزواجه ولا يأتيهن، أو يحمل على خيل لا يعتقد صحته، وقد روي عن المسيب وعروة سحره حتى كاد ينكر بصره، وعن عطاء الخرساني : حبس عن عائشة سنة، قال عبد الرزاق : وحبس عنها خاصة حتى أنكر بصره، قلت: وما أسلفناه من رواية ثلاثة أيام أو أربعة هو أصوب، وسنة بعيد.

[ ص: 611 ] فصل:

الفلق : الصبح، لأن الليل يفلق عنه، فهو معنى مفلوق، أو كل ما فلقه الله من خلق قال تعالى: فالق الحب والنوى [ الأنعام: 95]، أو واد، أو جب في جهنم، أو هو جهنم، إذا فتح صاح أهل النار من شدة حره، والغاسق: الليل كما ذكره عن مجاهد ، وقاله ابن عباس أيضا وقال الحسن: أول الليل إذا أظلم، وقال محمد بن كعب : هو النهار إذا دخل في الليل، وفي رواية: غروب الشمس إذا وجب، وقال أبو هريرة : الغاسق: كوكب، وعنه مرفوعا: "النجم"، وقال ابن زيد : العرب تقول: الغاسق سقوط الثريا وفي الصحيح عن عائشة مرفوعا: "القمر" وقيل: إذا كسف واسود، وقب دخل كما فسره، وقال قتادة : ذهب، واستغربه الطبري .

فصل:

وما ذكره في الوسواس الخناس عن ابن عباس هو كذلك لكن قوله: ( خنسه الشيطان ) الذي في اللغة خنس إذا رجع، و الخناس : الرجاع، وقيل: هو الشيطان يوسوس في الصدر، قال قتادة : له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان فإذا ذكر العبد ربه خنس أي تأخر، وجاء أن له رأسا كرأس الحية، وإذا ترك يطبع في [ ص: 612 ] القلب يوسوس فيه وقوله: ( إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا ) يريد لم يدخل المعوذتين في مصحفه، وهو من أفراده لكثرة ما كان يرى الشارع يتعوذ بهما فظن أنهما من الوحي وليسا من القرآن. والصحابة أجمعت عليهما، وأثبتهما في المصحف، وكان أبي - رضي الله عنه - أدخل سورتي القنوت في مصحفه وهما "اللهم إنا نستعينك" إلى "بالكفار ملحق". وأول السورة الثانية: "اللهم إياك نعبد".

آخر كتاب التفسير ولله الحمد والمنة.

التالي السابق


الخدمات العلمية