التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4700 4985 - حدثنا أبو نعيم ، حدثنا همام ، حدثنا عطاء . وقال مسدد : حدثنا يحيى ، عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء قال : أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية ، أن يعلى كان يقول : ليتني أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ينزل عليه الوحي . فلما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة وعليه ثوب قد أظل عليه ومعه ناس من أصحابه إذ جاءه رجل متضمخ بطيب فقال : يا رسول الله ، كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعد ما تضمخ بطيب ؟ فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة ، فجاءه الوحي ، فأشار عمر إلى يعلى أن تعال ، فجاء يعلى فأدخل رأسه ، فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة ، ثم سري عنه فقال : " أين الذي يسألني عن العمرة آنفا ؟ " . فالتمس الرجل فجيء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجبة فانزعها ، ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك " . [انظر : 1536 - مسلم: 1180 - فتح: 9 \ 9]


ساق فيه حديث الزهري : أخبرني أنس بن مالك قال : فأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت . . . الحديث في نسخ المصحف ، إلى أن قال : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش ، فإن القرآن أنزل بلسانهم . ففعلوا .

[ ص: 17 ] هو مطابق لما ترجم له ، وذكر عن ابن شهاب أنه قال : اختلفوا يومئذ في التابوت فقال : (التابوه ) . وقال ابن الزبير : التابوت ومن معه فترافعوا إلى عثمان ; فقال : اكتبوه (التابوت ) بلغة قريش ، سيأتي عقب هذا الباب ، وأخرجه في فضائل قريش أيضا ، وروى ابن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون ، عن ابن عون ، عن محمد : أن عليا رضي الله عنه أول من جمع القرآن في أول ما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ودل قول عثمان : (إذا اختلفتم . . . ) إلى آخره ، على تشريف قريش على سائر الناس وتخصيصهم بالفضيلة الباقية إلى الأبد حين اختار الله إيثار وحيه الهادي من الضلالة بلغتهم وتقييده بلسانهم وحسبك شرفا .

قال أبو بكر بن الطيب : ومعنى نزوله بلسانهم : معظمه وأكثره ; لأن في القرآن همزا كثيرا وقريش لا تهمز ، وفيه كلمات على خلاف لغة قريش ، وقد قال تعالى قرآنا عربيا [يوسف : 2] ولم يقل قرشيا ، وليس لأحد أن يقول : أراد قريشا دون غيرها ; لأنه تحكم . وقال سعيد بن المسيب : نزل القرآن بلغة هذا الحي من لدن هوازن وثقيف إلى ضرية ، وقال ابن عباس : نزل بلسان قريش ولسان خزاعة ; لأن الدار كانت واحدة . قال - عليه السلام - : "أنا أفصحكم لأني من قريش ونشأت في بني سعد بن بكر " فلا يجب لذلك أن يكون القرآن منزلا بلغة

[ ص: 18 ] سعد بن بكر لا يمنع أن ينزل بلغة أفصح العرب ومن دونها في الفصاحة إذا كانت فصاحتهم غير متقاربة ، وقد جاءت الروايات أنه - عليه السلام - كان يقرأ بلغة قريش ويقر لغتها كما أخرجه ابن أبي شيبة عن الفضل بن أبي خالد قال : سمعت أبا العالية يقول : قرأ القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة رجال فاختلفوا في اللغة فرضي قراءتهم كلهم ، وكانت بنو تميم أعرب القوم . فهذا يدل أنه كان يقرأ بلغة تميم وخزاعة وأهل لغات مختلفة قد أقر جميعها ورضيها .

الحديث الثاني :

حديث في الجبة ، وقد سلف في الحج وغزوة الطائف ، وأخرجه أيضا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

ووجه أن القرآن والسنة كلاهما بوحي واحد ولسان واحد كما نبه عليه ابن المنير .

وذكره ابن بطال قبله ، وأنه - عليه السلام - لم يخاطب من الوحي كله إلا بلسان العرب ، وبه تكلم - عليه السلام - إلى السائل عن الطيب للمحرم ، ويبين هذا قوله : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فهذا حكم من الله

[ ص: 19 ] لكل أمة بعث إليها رسولا ليبين لهم ما أنزل إليهم من ربهم ، فإن عزب معناه على بعض من سمعه بينه الرسول له بما يفهمه المبين له . وطلبوا مصحف عبد الله بن مسعود أن يحرقوه كما فعلوا بغيره فامتنع ، أخرجه الترمذي مطولا ، ومسألة المعتبة في الإحراق إنما هي فيما التبس من كلام الخصوم كما أوضحه ابن رشد ، وذكر الترمذي الحكيم في "ختم الأولياء " أنه - عليه السلام - روي عنه أنه قال : "إن الله تعالى لم ينزل وحيا قط إلا بالعربية " ، ويترجم جبريل لكل رسول بلسان قومه ، والرسول صاحب الوحي يترجم بلسان أولئك ، فإنما الوحي باللسان العربي .

وفيه الرغبة في رؤية كيفية تلقيه - عليه السلام - الوحي ليزداد يقينا ، فإنه لا ينطق عن الهوى .

التالي السابق


الخدمات العلمية