التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4719 5005 - حدثنا صدقة بن الفضل ، أخبرنا يحيى ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال عمر : أبي أقرؤنا ، وإنا لندع من لحن أبي ، وأبى يقول أخذته من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا أتركه لشيء . قال الله تعالى : (( ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها أو مثلها ) . [البقرة : 106 ] . [انظر : 4481 - فتح: 9 \ 47 ]


ذكر فيه أحاديث :

أحدها :

حديث مسروق : ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود فقال : لا أزال أحبه ، سمعت النبي يقول : "خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم ، ومعاذ بن جبل ، وأبي بن كعب " .

سلف في ترجمته .

ثانيها :

حديث شقيق بن سلمة قال : خطبنا عبد الله فقال : والله لقد أخذت من في رسول الله بضعا وسبعين سورة ، والله لقد علم أصحاب النبي أني من أعلمهم بكتاب الله ، وما أنا بخيرهم . قال شقيق : فجلست في الحلق أسمع ما يقولون ، فما سمعت رادا يقول غير ذلك .

[ ص: 50 ] ثالثها :

حديث علقمة : كنا بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف ، فقال رجل : ما هكذا أنزلت ; فقال : قرأت على رسول الله فقال : "أحسنت " . ووجد منه ريح الخمر فقال : أتجمع أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر ؟ ! فضربه الحد .

وأخرجه مسلم والنسائي أيضا ، وإسناده اجتمع فيه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض : الأعمش ، وإبراهيم ، وعلقمة .

رابعها :

حديث مسروق قال : قال عبد الله : والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت ، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت ، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه .

وأخرجه مسلم أيضا .

خامسها :

حديث قتادة : سألت أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد . وأخرجه مسلم أيضا .

وعن ثابت وثمامة ، عن أنس قال : مات النبي ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد . قال : ونحن ورثناه .

[ ص: 51 ] تابعه الفضل بن موسى السيناني ، عن حسين بن واقد ، عن ثمامة ، عن أنس

سادسها :

حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال عمر : علي أقضانا ، وأبي أقرؤنا ، وإنا لندع من لحن أبي ، وأبي يقول : أخذته من في رسول الله فلا أتركه لشيء . قال الله تعالى : ما ننسخ من آية الآية [البقرة : 106 ] . أخرجه هنا عن صدقة عن يحيى -وهو القطان - عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد ، عن ابن عباس . وساقه في التفسير عن عمرو بن علي ، عن يحيى . قال المزي في "أطرافه " : وليس في حديث صدقة ذكر علي .

قلت : هو في أصل الدمياطي مخرجا مصححا .

الشرح :

الأمر بالأخذ عن هؤلاء الأربعة للتأكيد ، لا أن غيرهم لا يؤخذ عنهم .

وزيادة أبي الدرداء قال الداودي : لا أراه محفوظا . وقال الإسماعيلي -بعد أن ذكره - : هذان الحديثان مختلفان ، ولا يجوز أن يجمعا في "الصحيح " على تباينهما -أعني ذكر أبي وذكر أبي الدرداء - وإنما الصحيح أحدهما .

[ ص: 52 ] وابن مسعود لم يحفظ جميعه في حياته - عليه السلام - ; لكنه كان يجيد ما يحفظه ، وذلك أنه قال : أخذت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعا وسبعين سورة .

وفهم بعضهم أن هؤلاء الأربعة هم الذين جمعوا القرآن كله في عهد رسول - صلى الله عليه وسلم - ، وليس كذلك ، فقد جمعه الخلفاء الأربعة كما ذكره ابن عبد البر ، وأبو عمرو الداني ; قال أبو عمرو : جمعه أيضا على عهده عبد الله بن عمرو بن العاصي .

قلت : وثبت أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - : كم يقرأ القرآن ؟ فقال : "في شهر " . فقال : إني أطيق أكثر من ذلك . . وذكر الحديث .

قلت : وجماعات أخر : عبادة بن الصامت ، وأبو أيوب خالد بن زيد . ذكره ابن عبد البر عن محمد بن كعب القرظي ، وذكر القاضي أبو بكر أنه تواتر عن عبادة ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي ، وابن عباس ذكره أيضا من حديث أيوب بن جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قرأت القرآن وأنا ابن عشر سنين . وأبو موسى الأشعري ذكره أبو عمرو الداني ، ومجمع بن جارية ذكره ابن إسحاق .

قال الشعبي فيما ذكره ابن عساكر عنه : كان قد بقي على مجمع من القرآن سورة أو سورتان حين قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد الأنصاري البدري ، ذكره أبو عبيد بن سلام من

[ ص: 53 ] حديث ابن لهيعة ، عن حبان بن واسع ، عن أبيه ، عن قيس بن أبي صعصعة أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : في كم أقرأ القرآن ؟ قال : "في خمس عشرة " . قال : إني أجد أقوى من ذلك . قال : "في كل جمعة " .

ومن حديث ابن لهيعة ، عن واسع ، عن عمه ، عن سعد بن المنذر الأنصاري البدري قال : يا رسول الله ، أقرأ القرآن في ثلاث ؟ قال : "نعم إن استطعت " .

وسعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية ، أخي ضبيعة وعبيد أولاد زيد أخي عزيز ومعاوية بن مالك ، أخي حنش ، وأخي كلفة بني عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأوسي . ذكره ابن حبيب في "المحبر " . وقال أبو أحمد العسكري : ذكر أنه أول من جمع القرآن من الأنصار ، ولم يجمعه من الأوس غيره .

فإن قلت : أبو زيد الذي ذكره أنس قيل : اسمه سعد بن عبيدة ، فلعله هذا . قلت : لا فإن ذاك خزرجي . قال أنس : أحد عمومتي ونحن ورثناه ، وهذا أوسي ، وسعد بن عباد أو عبادة . ذكره ابن مقسم النحوي في "السبيل إلى علم التنزيل " عن الشعبي ، وقيس بن السكن ، وهو أبو زيد السالف .

وأم ورقة بنت نوفل ، وقيل : بنت عبد الله بن الحارث . ذكر ابن سعد -فيما ذكره ابن الأثير - أنها جمعت القرآن . فهؤلاء تسعة عشر ، وتميم الداري كما سيأتي .

[ ص: 54 ] قال القاضي أبو بكر : وجمعه عمرو بن العاصي ، وأقرأه - عليه السلام - خمس عشرة سجدة في القرآن ، منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان .

وعن محمد بن سيرين قال : جمع القرآن أربعة : أبي ، ومعاذ ، وزيد ، وأبو زيد .

[ ص: 55 ] واختلفوا في عثمان وتميم الداري وأبي الدرداء ، وأما رواية أنس : (جمع ) . السالفة فلا بد من تأويلها ، فإنه قد جمع تلاوته وأحصاه حفظا أعلام الصحابة ممن لا يحصى كثرة .

فالجواب : أنه يريد من الأنصار خاصة دون قريش وغيرهم ، أو يريد جمعه بجميع وجوهه ولغاته وحروفه وقراءاته التي أنزلها الرب تعالى ، وأذن للأمة فيها ، وخيرها في القراءة بما شاءت منها ، أو يريد : اشتهر أو لم يشتهر بجمع متفرقه ، وحفظ ما كان ينزل وقتا دون وقت إلى انقضاء نزوله وكمال جمعه ، أو يريد : الأخذ من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلقيا أو أخذا دون واسطة ، أو يريد أن هؤلاء ظهروا به وانتصبوا لتعليمه وتلقينه ، أو يريد جمعه في صحف أو مصحف . ذكرها أجمع أبو عمرو الداني .

ويحتمل -كما قال ابن العربي - أنه لم يجمع ما نسخ منه وزيل رسمه بعد تلاوته مع ما ثبت رسمه وبقي فرض حفظه وتلاوته إلا هؤلاء الأربعة ، ويبعد أن يكون معنى : جمع القرآن : سمع له وأطاع وعمل بموجبه ، يؤيد رواية أحمد في كتاب "الزهد " أن أبا الزاهرية أتى أبا الدرداء ; فقال : إن ابني جمع القرآن ; فقال : اللهم غفرا ، إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع .

وذكر المازري أنه يحتمل أن يراد أنه لم يذكره أحد عن نفسه سوى هؤلاء ; لأن من أكمله سواهم كان يتوقع نزول القرآن ما دام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقد لا يستجيز النطق بأنه أكمله ، واستجازه هؤلاء ، ومرادهم أنهم أكملوا الحاصل منه ، أو يحتمل أن يكون من سواهم لم ينطق بإكماله خوفا من الرياء واحتياطا على الثبات ، وهؤلاء الأربعة أظهروه لأمنهم على أنفسهم ، أو لرأي اقتضاه ذلك عندهم ، وكيف يعرف

[ ص: 56 ] النقلة أنه لم يكمله إلا أربعة ، وكيف يتصور الإحاطة بهذا ، والصحابة متفرقون في البلاد ، وهذا لا يتصور حتى يلقى الناقل كل رجل منهم فيخبره عن نفسه بأنه لم يكمل القرآن ، وهذا بعيد تصوره عادة ، وكيف وقد نقل الرواة إكمال بعض النساء لقراءته ؟ !

وقد اشتهر حديث عائشة رضي الله عنها ، وقولها : كنت جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن . وكيف يظن بأبي بكر وعمر أنهما لم يحفظاه ؟ ! على أن الذي رواه ليس بنص جلي ، وذلك أن قصاراه أن أنسا قال : جمع القرآن على عهده أربعة . فقد يكون المراد : لا أعلم سوى هؤلاء ، ولا يلزمه أن يعلم كل الحافظين .

وحديث أنس حاول بعض الملحدة به القدح في الثقة بنقل القرآن ، ولا متروح لها في ذلك ; لأنا لو سلمنا أن يكون الأمر كما ظنوه ، وأنه لم يكمله سوى أربعة ، فإنه قد حفظ جميع أجزائه (مئوين ) لا يحصون ، وما من شرط كونه متواترا أن يحفظ الكل الكل ; بل الشيء الكثير إذا روى جزءا منه خلق كثير علم ضرورة ، وجعل متواترا ، والجواب عن سؤال من سأل عن وجه الحديث من الإسلاميين ، فإنه يقال له : علم ضرورة من تدين الصحابة ومبادرتهم إلى الطاعات والقرب التي هي أدنى منزلة من حفظ القرآن لا يعلم منه أنه محال -مع كثرتهم - أن لا يحفظ منه إلا أربعة ، وأيضا فيمن يعلم أن القرآن كان عندهم من البلاغة بحيث هو ، وكان الكفار في الجاهلية يعجبون من بلاغته ، ونحن نعلم من عادة

[ ص: 57 ] العرب شدة حرصها على تحفظ الكلام البليغ ، ولم يكن لها شغل ولا صنعة إلا سوى ذلك ، فلو لم يكن للصحابة باعث على حفظ القرآن سوى هذا لكان أدل الدلائل على أن الخبر ليس على ظاهره .

قال : وقد عددنا من حفظنا منهم وسميناهم نحو خمسة عشر صاحبا ممن نقل عنه حفظ القرآن في كتابنا المترجم بـ "قطع لسان النائح " وأشرنا فيه إلى تأويلاته لهذا الخبر ، وذكرنا اضطراب الرواة في هذا المعنى ، فمنهم من زاد في هذا العدد ، ومنهم من نقص عنه ، ومنهم من أنكر أن يجمعه أحد .

وقال القرطبي : إنما نشأ هذا ممن يظن أن لهذا الحديث دليل خطاب ، فإنه لا يتم له ذلك حتى يقول : تخصيص هؤلاء بالذكر يدل على أنه لم يجمعه أحد غيرهم ، فمن ينفي القول بدليل الخطاب سلم من ذلك بقوله به ، فأكثرهم يقول : أن لا دليل خطاب لها باتفاق أئمة الأصول ، ولا يلتفت لقول الدقاق فيه ، فإنه واضح الفساد ، ولئن سلمنا أن لا تقع الأعداد دليل خطاب ، فدليل الخطاب إنما يصار إليه إذا لم يعارضه المنطوق به ، فإنه أضعف وجوه الأدلة عند القائلين به ، وههنا أمران أولى منه (من الاتفاق ) : النقل الصحيح ، وما يعلم من ضرورة العادة ، وقد ذكر القاضي أبو بكر وغيره جماعة من الصحابة حفظوه ، فمنهم الخلفاء الأربعة ، وقد تواترت الأخبار بأنه قتل باليمامة سبعون ممن جمع القرآن وكانت اليمامة قريبة من وفاة

[ ص: 58 ] رسول - صلى الله عليه وسلم - ، فالذين بقوا في ذلك الجيش لم يقتلوا أكثر من أولئك أضعافا ، وإذا كان ذلك جيشا واحدا ، فانظر كم بقي في مدن الإسلام إذ ذاك في عساكر أخر ممن جمع القرآن ، فيظهر من هذا أن الذين جمعوا القرآن على عهده لا يحصيهم أحد ، ولا يسعهم عدد .

فإن قلت : إذا لم يكن له دليل خطاب فلأي شيء خص هؤلاء الأربعة بالتزكية دون غيرهم ؟

فالجواب : أنه يحتمل أن يكون ذلك لتعلق غرض المتكلم بهم دون غيرهم ، أو بقول : إن هؤلاء في ذهنه دون غيرهم .

فلما ذكر القاضي أبو بكر وجوه التأويل أنه لم يجمعه على جميع الوجوه ، أو أنه لم يجمعه تلقينا ، أو من انتصر له قال : تظاهرت الروايات أن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأجل سبقهم إلى الإسلام وإعظام الرسول لهم ، وقد ثبت عن الصديق بقراءته في المحراب بطوال السور التي لا يتهيأ حفظها إلا لأهل القدرة على الحفظ والإتقان ، منها : عن ابن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس : أن الصديق قرأ في الصبح بالبقرة ; فقال عمر : كادت الشمس أن تطلع فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين .

وقد علم أن كثيرا من الحفاظ وأهل الدربة بالقرآن يتهيبون الصلاة بالناس بمثل هذه السور الطوال وما دونها ، وهذا يقتضي أن أبا بكر كان حافظا ، وقد صح الخبر أنه بنى مسجدا بفناء داره بمكة قبل الهجرة ، وأنه كان يقوم فيه بالقرآن ويكثر بكاؤه ونشيجه عند قراءته ،

[ ص: 59 ] ويقف عليه نساء المشركين وولدانهم يسمعون قراءته ، ولولا علمه - صلى الله عليه وسلم - ذلك لم يقدمه للإمامة مع قوله : "يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله " .

وكذلك تظاهرت الروايات عن عمر رضي الله عنه أنه كان يؤم الناس بالسور الطوال ، وقرأ مرة بسورة يوسف في الصبح ، فبلغ إلى قوله وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم حتى سمع بكاؤه من وراء الصفوف . وقرأ مرة سورة الحج وسجد فيها سجدتين .

روى عبد الملك بن عمير ، عن زيد بن وهب ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان عمر أعلمنا بالله ، وأقرأنا لكتاب الله ، وأفقهنا في دين الله . ولولا أن هذه كانت حالته ، وأنه من أقرأ الناس لكتاب الله لم يكن الصديق بالذي يضم إليه زيد بن ثابت ، وأمرهما بجمع القرآن ، واعتراض ما عند الناس ، ويجعل زيدا تبعا له ; لأنه لا يجوز أن ينصب لاعتراض القرآن وجمعه من ليس بحافظ .

وأما عثمان فقد اشتهر عنه أنه كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه كان من أهل القيام به ، وقد قال حين أرادوا قتله فضربوه بالسيف على يده فمدها ، وقال : والله إنها لأول يد خطت المفصل ،

[ ص: 60 ] وقالت زوجته : إن تقتلوه فإنه كان يحيي الليل بجميع القرآن في ركعة .

وكذلك علي بن أبي طالب قد عرف حاله في فضله ومناقبه ، وعرف سعة علمه ، ومشاورة الصحابة له ، وإقرارهم بفضله ، وتربية النبي - صلى الله عليه وسلم - له ، وأخذه له بفضائل الأخلاق ، ورغبته - عليه السلام - في تخريجه وتعليمه ، وما كان يرسخه له ، ويثبته عليه من أمره ، نحو قوله : "أقضاكم علي " . ومن البعيد أن يقول هذا فيه وليس من قراء الأمة ، وقد كان يقرئ القرآن ، وعليه قرأ أبو عبد الرحمن السلمي وغيره . وروى همام ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء بن السائب : أن أبا عبد الرحمن السلمي حدثه قال : ما رأيت رجلا أقرأ للقرآن من علي بن أبي طالب ; صلى بنا الصبح فقرأ سورة الأنبياء ، فأسقط آية ، فقرأ ثم رجع إلى الآية التي أسقطها فقرأها ، ثم رجع إلى مكانه الذي انتهى إليه لا يتتعتع .

فإذا صح ما قلناه مع ما ثبت من تقدمهم وتقدمة الرسول لهم وجب أن يكونوا حفاظا للقرآن ، وأن يكون ذلك أولى من الأخبار التي ذكر فيها أن الحفاظ كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة ليس فيهم أحد من هؤلاء الأئمة القادة ، الذين هم عمدة الدين وفقهاء المسلمين .

فصل :

قوله في حديث ابن مسعود : (فوجد منه ريح الخمر ، فضربه الحد ) هو حجة لمالك وأصحابه وجماعة من أهل الحجاز أن الحد عندهم

[ ص: 61 ] يجب بالرائحة إذا شهد بها عدلان عند الحاكم ، وهو خلاف قول الشافعي وأبي حنيفة في آخرين ; لأنه لا حد بالرائحة ، وتأولوا هذا على أنه اعترف ، وضرب ابن مسعود له ; لأنه كان نائبا عن الإمام إذ ذاك .

وقوله للرجل : (تكذب بكتاب الله ) يعني تنكر بعضه جاهلا ، وليس المراد التكذيب الحقيقي ، فإنه لو فعل ذلك حقيقة لكفر ; لإجماعهم على أن من جحد حرفا مجمعا عليه من القرآن كفر ، تجري عليه أحكام المرتدين .

فصل :

حديث شقيق عن عبد الله رواه البخاري عن عمر بن حفص ، ثنا أبي ، ثنا الأعمش ، ثنا شقيق ، وهذا هو الصواب ، قال الجياني : وفي نسخة أبي محمد عن أبي أحمد : ثنا حفص بن عمر ، ثنا أبي . وإنما هو عمر بن حفص .

فصل :

قول عمر : (أقرؤنا أبي وإنا لندع من لحنه ) أي : من لغته . قال الهروي : وكان يقرأ : (التابوه ) . وإنما ذلك لما علموا من نسخ ما تركوه . واللحن بسكون الحاء : اللغة ، وبالفتح : الفطنة ، واللحن : إزالة الإعراب عن وجهه ، بالإسكان .

[ ص: 62 ] فصل :

أبو زيد السالف هو قيس بن السكن بن قيس بن زعوراء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ، شهد بدرا ، وقتل يوم جسر أبي عبيد ، ولا عقب له . وزيد بن ثابت هو ابن الضحاك بن زيد بن لوزان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار .

وأبي بن كعب هو ابن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية أخي عدي ابني عمرو بن مالك بن النجار . ومعاذ سلف في مناقبه .

وأبو الدرداء : عويمر بن زيد بن قيس بن عبسة بن أمية بن مالك بن عامر ، أخي ابني عدي ، أخي ثعلبة ، ابني كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج .

فصل :

وفي بني الحارث بن الخزرج ، أخي الأوس بن حارثة أبو زيد أيضا ثابت بن قيس بن زيد بن النعمان بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج ، الأصغر بن الحارث ، فولد أبو زيد بن ثابت بشيرا -قتل يوم الحرة - وأوسا وزيدا (درج ) شهد ثابت بن زيد أحدا وما بعدها من المشاهد ، وقيل : إنه جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، نزل البصرة ، ثم رجع إلى المدينة فمات بها في عهد عمر ، وولده أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن أبي زيد ثابت بن زيد بن قيس الأنصاري البصري النحوي .

قال أبو زيد الأنصاري : هو جدي ، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهلك في خلافة عمر بن الخطاب

[ ص: 63 ] بالمدينة ، فقام على قبره ، فقال : رحمك الله يا زيد ، لقد دفن العلم وأعظم أهل الأرض أمانة .

وأبو زيد الثالث : سعد بن عبيد بن النعمان السالف الأوسي ، وهو الذي يقال له : سعد القارئ ، ولم يكن أحد من الصحابة يسمى القارئ غيره ، وهو أول من جمع الأنصار من السالف ، ولا عقب له ، ولم يجمع القرآن من الأوس [غيره ] ممن شهد بدرا وبعدها قيل : إنه قتل بالقادسية سنة ست عشرة ، وهو ابن أربع وستين سنة ، وكان انهزم يوم الجسر حين أصيب أبو عبيد فغسلها عنه يوم القادسية ، وابنه عمر بن سعد له صحبة ، ولاه عمر حمص بعد سعيد بن عامر الجمحي ، وشهد عما سعد : سماك وفضالة بن النعمان أحدا

فصل :

قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو راجعة إلى أبي ، وقراءة ابن عامر إلى عثمان ، وقراءة عاصم وحمزة والكسائي إلى عثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية