التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4727 5015 - حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا إبراهيم والضحاك المشرقي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة " . فشق ذلك عليهم وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : " الله الواحد الصمد ثلث القرآن " . قال أبو عبد الله : عن إبراهيم مرسل ، وعن الضحاك المشرقي مسند . [فتح: 9 \ 59 ]


ثم ساق حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا : "إنها لتعدل ثلث القرآن " . قاله حين سمع رجلا يقرؤها ويرددها .

وزاد أبو معمر : ثنا إسماعيل بن جعفر ، عن مالك ، فذكر نحوه . وفي رواية : "أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة " . فشق ذلك عليهم وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : "الله الواحد الصمد ثلث القرآن " .

[ ص: 81 ] الشرح :

قوله (وزاد أبو معمر ) هو شيخه عبد الله بن عمرو المقعد . كذا قاله الدمياطي ، ووقع لشيخنا أنه إسماعيل بن إبراهيم بن معمر بن الحسن الهروي البغدادي ، فليحرر هذا .

وأسنده الإسماعيلي عن أبي يعلى والحسن بن سفيان وغيرهما عنه به . قال الدارقطني : ورواه كذلك أيضا أبو صفوان وعباد بن صهيب وإبراهيم بن المختار . وعمر بن هارون عن مالك عند الإسماعيلي . وفي "مسند ابن وهب " عن ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد أنه قال : بات قتادة بن النعمان يقرأ : قل هو الله أحد حتى أصبح ، فذكرها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن أو نصفه " .

قال أبو عمر : هذا شك من الراوي لا من الشارع على أنها لفظة غير محفوظة في هذا الحديث ، ولا في غيره ، والصحيح الثابت في هذا الحديث وغيره : "إنها لتعدل ثلث القرآن " . دون شك .

[ ص: 82 ] وأخرجها الحاكم في "مستدركه " من حديث أبي هريرة مرفوعا -وقال : صحيح الإسناد - : "لا ينامن أحدكم حتى يقرأ ثلث القرآن " . قالوا : وكيف يستطيع أحدنا أن يقرأ ثلث القرآن ؟ قال : "أفلا تستطيعون أن تقروا بـ قل هو الله أحد ، و قل أعوذ برب الفلق ، و قل أعوذ برب الناس ؟ " .

وعند مسلم : "ألا وإنها -يعني الإخلاص - تعدل ثلث القرآن " .

فصل :

وهذا المتن وهو : "إنها تعدل ثلث القرآن " . رواه مع أبي سعيد جماعة من الصحابة : أبي بن كعب وعمر -وذكرهما ابن عبد البر - وأم كلثوم بنت عقبة وابن مسعود وأبو الدرداء وابن عمر وأبو أيوب وأبو مسعود الأنصاريان ، وسماك عن النعمان بن بشير ، وأبان عن أنس .

فصل :

في كونها ثلث القرآن معان :

أحدها : أنه مشتمل على ثلاثة أنحاء : قصص وأحكام وصفات الله تعالى . وهذه السورة متمحضة للصفات ، فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء ، ذكره المازري وغيره .

[ ص: 83 ] ثانيها : معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثلث القرآن بغير تضعيف .

ثالثها : أن القرآن لا يتجاوز ثلاثة أقسام : إرشاد إلى معرفة الرب ومعرفة أسمائه وصفاته ، أو معرفة أفعاله وسننه في عباده ، فلما اشتملت هذه السورة على أحد هذه الأقسام الثلاثة وهي التقديس وازنها الشارع بثلث القرآن .

وعبارة بعضهم : أنه ثلاثة أجزاء : قصص وعبر وأمثال ، والثاني : الأمر والنهي والثواب والعقاب ، والثالث : التوحيد والإخلاص .

رابعها : أن من عمل بما تضمنته من الإقرار بالتوحيد والإذعان للخالق كمن قرأ ثلث القرآن .

خامسها : أنه قال لشخص معين قصده ; لأنه رددها فحصل له من تردادها وتكرارها قدر تلاوة الثلث ، قاله أبو عمر . قال أيضا : ونقول بما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نعده ونكل ما جهلناه من معناه ، فنرده إليه ولا ندري لم تعدل الثلث ؟ وقال القابسي : لعل الرجل الذي بات يرددها كانت منتهى حظه ، فجاء يقلل عمله فقال له الشارع : "إنها لتعدل ثلث القرآن " . ترغيبا له في عمل الخير وإن قل .

وفيه : أن يجازي عبده على اليسير بأفضل مما يجازي على الكثير .

سادسها : قاله ابن راهويه : ليس معناها أنه لو قرأ القرآن كله كانت قراءة : قل هو الله أحد تعدل ذلك إذا قرأها ثلاث مرات ، ولو قرأها أكثر من مائة مرة ، وإنما معناه أن الله جعل لكلامه فضلا على سائر الكلام ، ثم فضل بعض كلامه على بعض بأن جعل لبعضه ثوابا أضعاف

[ ص: 84 ] ما جعل لبعض ، تحريضا منه على تعلمه وكثرة قراءته .

قال أبو عمر : من لم يجب في هذا أخلص عمن أجاب فيه . وقال القرطبي : هذه السورة اشتملت على اسمين من أسمائه يتضمنان جميع أوصاف كماله لم توجد في غيرها من جميع السور ، وهما الأحد والصمد ، فإنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال ، فإن الأحد في أسمائه مشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره ، وأما الصمد فهو المتضمن لجميع أوصاف الكمال ; لأنه الذي انتهى سؤدده ، ولا يصح ذلك مجتمعا إلا لمن حاز جميع خصال الكمال حقيقة ، وذلك لا يكتمل إلا لله ; فقد ظهر لهذين الاسمين وشمول الدلالة على الله وصفاته ما ليس لغيرهما من الأسماء ، وظهرت خصوصية هذه السورة بأنها ثلث القرآن العظيم .

وقال الأصيلي : تعدل لقارئها أي : ثوابها يعدل ثلث القرآن ليس فيه : قل هو الله أحد فأما أن نفضل كلام ربنا بعضه على بعض فلا ; لأنه كله صفة له ولا تفاضل ; لأن المفضول ناقص ، وهذا ماش على أحد المذهبين أنه لا تفضيل فيه . ونقله المهلب عن الأشعري وأبي بكر بن الطيب والداودي وجماعة علماء السنة .

فائدة :

روى مسلم بن إبراهيم عن الحسن بن أبي جعفر ، ثنا ثابت ، عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من قرأ قل هو الله أحد مائتي

[ ص: 85 ] مرة غفر له ذنب مائتي سنة "
. وهو غريب من حديث ثابت ، تفرد به الحسن عنه .

قوله : ("أيعجز أحدكم" ) إلى آخره استنبط منه الداودي التكليف بما لا يشق وتأخير البيان إلى وقت الحاجة .

وفيه أيضا أن عدم الترتيب في السور جائز ; لأنه إذا قرأ قل هو الله أحد فالترتيب أن يقرأ ما بعدها فإذا أعادها فكأنه قرأ ما فوقها . وفي حديث أبي الدرداء : "أيعجز أحدكم أن يقرأ كل ليلة ثلث القرآن ؟ " . قالوا : نحن أعجز . قال : "إن الله جزأ القرآن فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القرآن " . وهو شاهد لما أسلفناه .

فصل :

رواية إسماعيل بن جعفر عن مالك السالفة داخلة في رواية الأقران والمدبج .

[ ص: 86 ] فصل :

الرجل الذي كان يتقالها هو قتادة بن النعمان الظفري كما أسلفناه من "مسند ابن وهب " وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه ، فإنه قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر ، وهو كعب بن الخزرج بن عمرو بن النبيت بن مالك بن الأوس أخي الخزرج ابني حارثة أبو عمرو أو أبو عبد الله ، وأم أبي سعيد سعد والفريعة ابني مالك بن الشهيد -واسمه سنان بن ثعلبة بن عبيد بن أبجر ، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج أخي الأوس - أنيسة بنت عمرو بن قيس بن مالك بن عدي بن عامر بن تميم بن عدي بن النجار .

شهد العقبة وبدرا وأحدا ، وسائر المشاهد ، وقدم المدينة بـ كهيعص بعد قدوم رافع بن مالك بسورة يوسف ، فكان يكثر أن يقرأها في الدار وكانوا يستهزءون به ، وكان أهل المجلس إذا رأوه طالعا قالوا : هذا زكريا قد جاءكم لكثرة ما فيها من زكريا . وأصيبت عينه يوم أحد ، وكان حديث عهد بعرس ، فأخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده

[ ص: 87 ] فردها في موضعها ثم غمزها بردائه ثم قال : "اللهم اكسه جمالا " وكانت سالت على خده وأرادوا قطعها ، فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظرا .

وعمه رفاعة بن زيد بن عامر بن سواد ، وهو الذي سرق بنو أبيرق درعه وطعامه ونزل فيهم : ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم الآيات [النساء : 107 ] .

مات قتادة سنة ثلاث وعشرين وصلى عليه عمر ، ونزل في قبره أخوه أبو سعيد ومحمد بن مسلمة والحارث بن خزيمة .

وشهد قتادة العشاء مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة ذات ظلمة وبرق ومطر ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - : "إذا انصرفت فأتني " فلما انصرف أعطاه عرجونا ، فقال : "خذ هذا فسيضيء أمامك عشرا وخلفك عشرا " وكان مع قتادة راية بني ظفر يوم الفتح ، وهو راوي حديث الباب ، وهو الذي يقرؤها ويتقالها -كما سلف .

من ولده : عاصم بن عمر بن قتادة المحدث النسابة .

فصل :

وراوي الحديث الأول والثاني عن أبي سعيد هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عنه ، وعبد الرحمن هو ابن الحارث بن أبي صعصعة ، عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو

[ ص: 88 ] ابن غنم بن مازن بن النجار
. وقتل أبو صعصعة في الجاهلية وكان سيد بني مازن وإليه ينسب ابن أبي صعصعة ، شهد العقبة وبدرا ، وكان على الساقة يومئذ ، وابناه أبو كلاب وجابر ابنا أبي صعصعة شهدا أحدا ، وقتلا يوم مؤتة . والحارث بن سهل بن أبي صعصعة استشهد يوم الطائف ، والحارث بن أبي صعصعة قتل يوم اليمامة .

وانفرد البخاري بعبد الرحمن ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي صعصعة .

وثانيهما : عبد الله .

وراوي حديثه الثالث عنه إبراهيم . والضحاك المشرقي هو الضحاك بن شراحيل المشرقي -بكسر الميم وفتح الراء - ومشرق بن زيد بن جشم بن حاشد بن خيوان بن نوف بن همدان ، اتفقا عليه ، كذا ساقه الرشاطي ، وزعم ابن أبي حاتم مشرق موضع باليمن ، وما قيده ( . . . ) بكسر الميم وفتح الراء كذا قيده عياض وغيره ، وعكسه ابن ماكولا ، وقال العسكري : إن من فتح الميم صحف . وأما ابن السمعاني فذكر الضحاك في ترجمتين كسر الميم ، وفي الآخر فتح الميم وكسر الراء وفي الآخر قاف ، ورده عليه ابن الأثير ; فقال : لو ركب من الترجمتين ترجمة واحدة كسر أولها وجعل في آخرها قافا لأصاب .

[ ص: 89 ] فصل :

في آخر حديث المشرقي هذا (قال أبو عبد الله : عن إبراهيم مرسل ، وعن الضحاك مسند ) . قال الفربري : سمعت أبا جعفر محمد بن حاتم وراق أبي عبد الله قال : أبو عبد الله . . فذكره .

وقال الحميدي : كذا وقع في البخاري ، وإبراهيم عن أبي سعيد مرسل لم يلقه ، والضحاك عنه مسند . قال : وهذا المعنى مذكور عن البخاري في بعض النسخ ، وقال خلف في "أطرافه " : أخرج البخاري في فضائل القرآن : عن عمر بن حفص ، ثنا أبي ، ثنا الأعمش ، ثنا إبراهيم والضحاك المشرقي ، عن أبي سعيد ، وثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، ثنا الوليد ، ثنا الأوزاعي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة والضحاك عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية