التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
[ ص: 92 ] 15 - باب: نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن

5018 - وقال الليث حدثني يزيد بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أسيد بن حضير قال : بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس ، فسكت فسكتت ، فقرأ فجالت الفرس ، فسكت وسكتت ، الفرس ، ثم قرأ فجالت الفرس ، فانصرف ، وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه ، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها ، فلما أصبح حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " اقرأ يا ابن حضير ، اقرأ يا ابن حضير " . قال : فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا ، فرفعت رأسي فانصرفت إليه ، فرفعت رأسي إلى السماء ، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ، فخرجت حتى لا أراها . قال : " وتدري ما ذاك ؟ " . قال : لا . قال : " تلك الملائكة دنت لصوتك ، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها ، لا تتوارى منهم " . قال ابن الهاد : وحدثني هذا الحديث عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد الخدري ، عن أسيد بن حضير . [فتح: 9 \ 63 ]


وقال الليث : حدثني يزيد بن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أسيد بن حضير قال : بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة . . الحديث المتقدم وفي آخره : قال ابن الهادي : وحدثني بهذا الحديث عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد الخدري ، عن أسيد بن حضير .

وصله أبو نعيم بإسناده إلى يحيى بن بكير عن الليث به . ولما رواه الإسماعيلي من حديث ابن أبي مريم ، عن يحيى بن أيوب ، عن يزيد ، عن عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد ، عن أسيد ، قال : وأخبرني ابن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أسيد بن حضير ، أخبرنيه البغوي ، ثنا محمد بن زنبور المكي ، ثنا ابن أبي حازم ، عن يزيد ،

[ ص: 93 ] به . ثم قال : قال : حدثني هذا الحديث أيضا عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد ، عن أسيد .

قال الإسماعيلي : ذكره البخاري عن الليث بلا خبر ، ومتنه مضطرب ، وجمع بين الإسنادين ; فالأول عن محمد بن إبراهيم مرسل ، والثاني عن ابن خباب عن أبي سعيد متصل ، وقد ذكرنا يحيى بن أيوب للموافقة . قال : وهذا حديث ابن أبي حازم ، وهو من شرط أبي عبد الله جاء به بمتن صحيح والإسنادين جميعا .

ورواه النسائي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن شعيب عن خالد ، عن ابن أبي هلال ، عن يزيد بن عبد الله ، عن عبد الله بن خباب ، عنه . وعن علي بن محمد بن علي ، عن داود بن منصور ، عن الليث ، عن خالد به . وفي المناقب عن أحمد بن سعيد الرباطي ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يزيد بن الهادي ، عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربد . . الحديث . ولم يقل عن أسيد ، إلا أن لفظه يدل على أن أبا سعيد يرويه عن أسيد . قال أبو القاسم : وعند يزيد بن عبد الله لهذا الحديث إسناد آخر ، فإنه يرويه عن محمد بن إبراهيم عن أسيد ، ولم يدركه ، وقد جمعهما يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث .

فصل :

تقدم قوله - عليه السلام - : "السكينة تنزلت للقرآن " فلأجل هذا -والله أعلم - بوب البخاري . وفي هذا الباب : نزول السكينة والملائكة عند قراءة

[ ص: 94 ] القرآن
. وفهم البخاري تلازمهما كما نبه عليه ابن المنير . وفهم من الظلة أنها السكينة ; فلذلك ساقها في الترجمة .

وسبقه ابن بطال فإنه قال : في هذا الحديث أن أسيد بن الحضير رأى مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : "تلك الملائكة تنزلت للقرآن " فمرة أخبر عن نزول السكينة ، ومرة أخبر عن نزول الملائكة ، فدل على أن السكينة كانت في تلك الظلة ، وأنها تتنزل أبدا مع الملائكة ، وهو طبق ترجمة البخاري .

فصل :

في الحديث أن الملائكة تحب أن تسمع القرآن من بني آدم لا سيما قراءة المحسنين منهم ، وكان أسيد بن حضير حسن الصوت به . ودل قوله لأسيد : "لو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم " . على حرص الملائكة على سماع كتاب الله من بني آدم ، وقد جاء في الحديث أن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يضيء لأهل السماء كما يضيء النجم لأهل الأرض وتحضره الملائكة . وهذا كله ترغيب في حفظ القرآن وقيام الليل به ، وتحسين قراءته .

وفيه ; جواز رؤية بني آدم الملائكة إذا تصوروا في صور يمكن للآدميين رؤيتها كما جرى يوم بدر وغيره ، وكان جبريل يظهر في

[ ص: 95 ] صورة رجل فيكلمه ، وكثير ما كان يأتيه في صورة دحية . وهو للمؤمنين رحمة وللكفار عذاب ، وقد تقدم في باب الكهف تفسير السكينة فراجعه .

وقوله : ("لو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم" ) هو حجة لمن قال : إن السكينة هي روح أو شيء فيه روح ; لأنه لا يصح حب استماع القرآن إلا لمن يعقل .

وقوله : (فخرجت حتى لا أراها ) في "صحيح مسلم " : فعرجت إلى السماء حتى لا أراها .

التالي السابق


الخدمات العلمية