التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4741 5029 - حدثنا عمرو بن عون ، حدثنا حماد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة فقالت : إنها قد وهبت نفسها لله 6 \ 237 ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ما لي في النساء من حاجة " . فقال رجل : زوجنيها . قال : " أعطها ثوبا " . قال : لا أجد . قال : " أعطها ولو خاتما من حديد " . فاعتل له . فقال : " ما معك من القرآن ؟ " . قال : كذا وكذا . قال : " فقد زوجتكها بما معك من القرآن " . [انظر : 2310 - مسلم: 1425 - فتح: 9 \ 74 ]


حدثنا حجاج بن منهال ، ثنا شعبة ، قال : أخبرني علقمة بن مرثد : سمعت سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " . قال : وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج ، قال : وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا .

حدثنا أبو نعيم ، ثنا سفيان ، عن علقمة فذكره بلفظ : "إن أفضلكم " إلى آخره .

[ ص: 123 ] الشرح :

تابع شعبة جماعة منهم قيس بن الربيع ، ذكر الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني العطار في "الهادي في القراءات " أنه تابع جماعة فعددهم فوق الثلاثين ، منهم عبد بن حميد ، وقيس الذي ذكرناه ; قال : وتابع سفيان مسعر ثم عددهم عشرين نفسا ، وفي "صحيح البخاري " ، وبعده الترمذي ما رواه شعبة وسفيان إشعار أنهم حملوا ذلك من هذين الجبلين ، على أن علقمة سمعه أولا من سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ثم سمعه بعد من أبي عبد الرحمن نفسه ، فرواه أولا كذلك ثم ثانيا كما حكاه .

وأما أبو الحسين القشيري ، فإنه عدل فيما أرى عن إخراجه في كتابه ، وعلله بثلاث علل : الاختلاف الذي ذكرناه ، ووقف من وقفه ، وإرسال من أرسله ، وبما روي عن شعبة أنه قال : لم يسمع أبو عبد الرحمن من عثمان . وقيل لأبي حاتم : [سمع ] من عثمان ؟ قال : روى عنه لا يذكر سماعا .

والجواب : أن الخلاف بين سفيان وشعبة لا يوجب القدح ; لأنهما إذا اختلفا فالحديث حديث سفيان كما نص عليه شعبة ونحوه أبو داود والترمذي ، وقال يحيى بن سعيد : ما أحد عندي يعدل شعبة ، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان .

[ ص: 124 ] وأما الإعلال بالوقف والإرسال ; لأن الحافظ إذا زاد قبلت زيادته إجماعا ، اللهم إذا كان هو الذي رواه زائدا وناقصا فقد يتوقف فيه لأجل ضبطه ، اللهم إلا إذا كان إماما صاحب فتوى أو ممن مذهبه تقطيع الحديث .

وأما الثالث فقال بعضهم : إن الأكابر من الصدر الأول قالوا : إن أبا عبد الرحمن قرأ القرآن على عثمان وعلي وابن مسعود ، ثم إن المعاصرة كافية عند قوم كما ذهب إليه مسلم وغيره وقد تعاصرا جزما ، وصرح بعضهم بسماعه منه . والبخاري شرطه ذا ، وأخرج له في "صحيحه " ، وقال : تعلم القرآن في أيام عثمان حتى بلغ أيام الحجاج . ورواية الترمذي ، عن ابن بشار ، عن يحيى بن سعيد ، عن سفيان وشعبة ; كلاهما عن علقمة ، عن سعد ، عن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن . وحكم علي بن المديني على يحيى بن سعيد بالوهم فيه كونه ذكر من طريق الثوري وشعبة عن علقمة ، عن سعد ، فيحتمل أن يكون يحيى لما جمع بينهما ساق الحديث على لفظ شعبة وروايته ، وحمل حديث الثوري على حديث شعبة .

قلت : أخرجه النسائي في فضائل القرآن مفصلا فقال : حدثنا عبيد الله بن سعيد ، ثنا يحيى عن شعبة وسفيان ، حدثهما علقمة عن سعد ، عن أبي عبد الرحمن ، عن عثمان مرفوعا ، قال شعبة : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " قال سفيان : "أفضلكم " .

[ ص: 125 ] ورواه خلاد بن يحيى المكي ، عن الثوري ، عن علقمة ، عن سعد أيضا ; فتابع يحيى ، ورواه سعيد بن سالم القداح ، عن الثوري ومحمد بن أبان ، عن صالح الكوفي ، عن علقمة ، عن سعد . وروى أبو الحسن سعيد بن سلام العطار البصري هذا الحديث عن محمد بن أبان ، عن علقمة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن أبان بن عثمان بن عفان ، عن أبيه عثمان .

قال الدارقطني : ووهم في ذكر أبان في إسناده . فإن ثبتت روايته فالحديث غريب ، على أنه يحتمل أن يكون السلمي سمعه من أبان ، ثم من عثمان . وروى عاصم بن علي في إحدى الروايتين عنه عن شعبة ، عن مسعر ، عن علقمة ، عن سعد بن عبيدة ، عن السلمي ، عن علي . فإن ثبت ذلك فهو غريب جدا ، ورواه محمد بن بكير الحضرمي ، عن شريك ، عن عاصم بن بهدلة ، عن السلمي عن ابن مسعود .

قال الدارقطني : أصحها علقمة عن سعد ، عن أبي عبد الرحمن عن عثمان مرفوعا ، وفي "سنن أبي داود " عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا : "خيركم من تعلم القرآن ، وعلم القرآن " وفي "أخلاق حملة القرآن " للآجري من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي مرفوعا : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " وقد أدرج بعض

[ ص: 126 ] الرواة فيه ما يوهم رفعه ، روى أبو يحيى إسحاق بن سليمان الرازي ، عن الجراح ، عن الضحاك ، عن علقمة ، عن السلمي ، عن عثمان رفعه : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " ، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الخالق على المخلوق . وهذا الأخير من قول أبي عبد الرحمن كما نبه عليه الحفاظ إسحاق بن راهويه وغيره . على أن هذه الزيادة وحدها جاءت متصلة من هذه الطريق إلى عثمان مرفوعا .

ورواها أيضا وحدها أبو سعيد الخدري مرفوعا ، أخرجه الترمذي

[ ص: 127 ] وروي نحوه أيضا عن أبي هريرة ، وأنس ، وللحاكم -وقال : صحيح الإسناد - عن أبي ذر مرفوعا : "إنكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه " يعني : القرآن .

فصل :

الحديث دال على أن قراءة القرآن من أفضل أعمال البر كلها ; لأنه لما كان من تعلم القرآن وعلمه أفضل الناس وخيرهم دل على ما قلناه ; لأنه إنما أوجب له الخيرية والفضل من أجل القرآن ، وكان له فضل التعليم جاريا ما دام كل من علمه باقيا .

فصل :

إن قلت أيما أفضل تعلم القرآن أو تعلم الفقه ؟ قلت : الثاني أفضل . وقال ابن الجوزي : تعلم اللازم منه فرض على الأعيان ، وتعلم جميعهما فرض على الكفاية إذا قام به قوم سقط الحرج عن الباقين ، وقد استويا في الحالتين ، فإن فرضنا الكلام فيها على قدر الواجب في حق الأعيان فالتشاغل في الفقه أفضل ، وذلك راجع إلى حاجة الإنسان ; لأن الفقه أفضل من القراءة ، وإنما كان الأقرأ في زمنه - صلى الله عليه وسلم -هو الأفقه ; فلذلك قدم القارئ في الصلاة ، وقال - عليه السلام - : "خيركم " . الحديث .

[ ص: 128 ] فصل :

ثم ذكر البخاري حديث سهل بن سعد : أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة فقالت : إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله فقال : "ما لي في النساء من حاجة " . فقال رجل : زوجنيها . . الحديث ، وقد سلف في الوكالة .

ووجه إدخاله هنا ; لأنه زوجه المرأة لحرمة القرآن ، واعترضه ابن المنير فقال : ظن ابن بطال ذلك ، وليس كذلك ; بل معنى قوله : "زوجتكها بما معك من القرآن " أي : بأن تعلمها إياه ، فهي من سبيل التزويج على المنافع التي يجوز عقد الإجارة عليها ، وعلى هذا حمله الأئمة ، وهو الذي فهمه البخاري ، فأدخله في باب تعليم القرآن .

قال : وقد ظهر بهذا الحديث فضل القرآن على صاحبه في الدين والدنيا ينفعه في دينه بما فيه من المواعظ والآيات ، وفي دنياه بكونه قام له مقام المال الذي يتوصل به إلى النكاح وغيره من المقاصد .

وفي الحديث : استحباب تعجيل المهر للمرأة ، ويجوز أن يكون مؤخرا على ما ذكر عليه قوله : "اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن " .

وفي أبي داود : "ما معك ؟ " . قال : البقرة والتي تليها ، قال : "قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك " .

[ ص: 129 ] قال مكحول : ليس ذلك لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقد انعقد النكاح وتأخر المهر الذي هو التعليم .

فصل :

اعتذر بعض المالكية عن قوله : "التمس ولو خاتما من حديد " بأوجه : أحدها أن ذلك على جهة الإعياء والمبالغة كما قال : "تصدقوا لو بظلف محرق " . وفي لفظ : "ولو فرسن شاة " وليسا مما ينتفع بهما ولا يتصدق بهما ، لكن ذكر غير واحد أنهما كانوا يحرقونه ويستفونه ويشربون عليه الماء أيام المجاعة .

ثانيها : لعل الخاتم كان يساوي ربع دينار فصاعدا ; لأن الصواغ عندهم قليل .

ثالثها : التماسه له لم يكن ليكون كل الصداق بل شيء تعجله لها قبل الدخول . وهما بعيدان .

[ ص: 130 ] فصل :

الحديث دال على أن تعلم القرآن يجوز أن يكون صداقا وهو مذهبنا ، وإحدى الروايتين عن أحمد . والثانية : لا يجوز وإنما كان لذلك الرجل خاصة ، وقد أسلفنا قول مكحول ، والحديث مع الشافعي .

وخالف في ذلك أيضا أبو حنيفة ومالك ، ونقل الترمذي عن أهل الكوفة وأحمد وإسحاق أن النكاح جائز ويجعل لها صداق مثلها .

فصل :

ذكر في باب بعده أيضا وفيه : فصعد النظر إليها وصوبه . وهما مشددان كما نبه عليه ابن العربي ، أي رفع وخفض إليها ، ويجوز أن يكون ذلك كان قبل الحجاب ، ويجوز أن يكون بعده ، وهي متلففة ، وأي ذلك كان فإنه يدخل في باب نظر الرجل إلى المرأة المخطوبة ، وسيأتي في موضعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية