التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4742 [ ص: 131 ] 22 - باب: القراءة عن ظهر القلب

5030 - حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، أن امرأة جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصعد النظر إليها وصوبه ، ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست ، فقام رجل من أصحابه فقال : يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها . فقال : " هل عندك من شيء ؟ " . فقال : لا والله يا رسول الله . قال : " اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا " . فذهب ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا . قال : " انظر ولو خاتما من حديد " . فذهب ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ، ولكن هذا إزاري -قال سهل : ما له رداء - فلها نصفه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما تصنع بإزارك ؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك شيء " . فجلس الرجل حتى طال مجلسه ، ثم قام ، فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موليا ، فأمر به فدعي ، فلما جاء قال : " ماذا معك من القرآن ؟ " . قال : معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا . عدها ، قال : " أتقرؤهن عن ظهر قلبك ؟ " . قال : نعم . قال : " اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن " . [انظر : 2310 - مسلم: 1425 - فتح: 9 \ 78 ]


ذكر في حديث سهل بن سعد السالف في الباب قبله ، وقال في آخره : "ملكتكها بما معك من القرآن " وقال في الباب قبله ، وفي الوكالة ; "زوجتكها " وسيأتي الكلام عليه في موضعه .

واعترض ابن بطال فقال : هذا الحديث يدل على خلاف ما تأوله الشافعي في إنكاحه - عليه السلام - الرجل بما معه من القرآن ، أنه إنما زوجه إياها بأجرة تعليمها .

[ ص: 132 ] وليس كما قال ابن بطال بل هو صريح كما قاله الشافعي لقوله : "بما معك من القرآن " .

قال : وقوله فيه : ("أتقرؤهن عن ظهر قلب ؟ " قال : نعم . فزوجه لذلك ) يدل على أنه إنما زوجها منه بحرمة استظهاره للقرآن ، وقد سلف ما فيه .

فصل :

قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعظيم حامل القرآن وإجلاله وتقديمه . ذكر أبو عبيد من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من تعظيم جلال القرآن إكرام ثلاثة : الإمام المقسط وذي الشيبة المسلم وحامل القرآن " وكان - عليه السلام - يوم أحد يأمر بدفن الرجلين والثلاثة في قبر واحد ويقول : "قدموا أكثرهم قرآنا " .

فصل :

وقد روي أنه - عليه السلام - أمر بالقرآن في المصحف نظرا من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : "أعطوا أعينكم حظها من العبادة " قالوا : يا رسول الله ، وما حظها من العبادة ؟ قال : "النظر في المصحف والتفكر فيه ، والاعتبار عند عجائبه " .

[ ص: 133 ] قال يزيد بن أبي حبيب : من قرأ القرآن في المصحف خفف عن والديه العذاب وإن كانا كافرين . وعن عبد الله بن حسان قال : اجتمع اثنا عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن من أفضل العبادة قراءة القرآن نظرا . وقال أسد بن وداعة : ليس من العبادة شيء أشد على الشيطان من قراءة القرآن نظرا . وقال وكيع : قال الثوري : سمعنا أن تلاوة القرآن في الصلاة أفضل من تلاوته في غيرها وتلاوته أفضل الذكر ، والذكر أفضل من الصدقة ، والصدقة أفضل من الصوم ، والقراءة في المصحف أحسن من القراءة ظاهرا ; لأنها زيادة . وهذه الآثار من رواية ابن وضاح .

فصل :

ومما روي في فضل تعلم القرآن وحمله ; ما ذكره أبو عبيد من حديث عقبة بن عامر قال : خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الصفة ، فقال : "أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان والعقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين في غير إثم ولا قطيعة رحم ؟ " قالوا : كلنا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب ذلك ، قال : فقال : "يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد ليتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين ومن ثلاث ومن تعدادهن من الإبل " .

وذكر عن كعب الأحبار في التوراة أن الفتى إذا تعلم القرآن وهو حديث السن وحرص عليه وعمل به وتابعه خلطه الله بلحمه ودمه

[ ص: 134 ] وكتبه عنده من السفرة الكرام البررة ، وإذا تعلم الرجل القرآن وقد دخل في السن وحرص عليه ، وهو في ذلك يتابعه وينفلت منه كتب له أجره مرتين ، وروي عن الأعمش قال : مر أعرابي بعبد الله بن مسعود وهو يقرئ قوما القرآن ، فقال : ما يصنع هؤلاء ; فقال ابن مسعود : يقسمون ميراث محمد - صلى الله عليه وسلم - .

قال عبد الله بن عمرو : عليكم بالقرآن فتعلموه وعلموا أبناءكم فإنكم عنه تسألون وبه تجزون ، وكفى به واعظا لمن عقل .

وقال ابن مسعود : لا يسأل أحد عن نفسه غير القرآن ، فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله ، وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا قال : "إن لله أهلين من الناس " قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : "هم أهل القرآن أهل الله وخاصته " .

التالي السابق


الخدمات العلمية