التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4752 5039 - حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما لأحدهم يقول : نسيت آية كيت وكيت ، بل هو نسي " . [انظر : 5032 - مسلم: 790 - فتح: 9 \ 85 ]


ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها قالت : سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يقرأ في المسجد فقال : "يرحمه الله ، لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا " . وفي أخرى : وقال : "من سورة كذا " . تابعه علي بن مسهر وعبدة ، عن هشام .

وفي رواية : سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يقرأ في سورة من الليل ; فقال : "يرحمه الله ، لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا " .

[ ص: 145 ] ثم ساق حديث سفيان ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما لأحدهم يقول : نسيت آية كيت وكيت ، بل هو نسي " .

الشرح :

حديث عائشة سلف في الشهادات .

وقوله : (تابعه علي بن مسهر وعبدة ، عن هشام ) يريد : تابعا عيسى بن يونس ، ويريد بمتابعة علي ما رواه في "صحيحه " من حديث بشر بن آدم ، عن علي بن مسهر ، عن هشام . ومتابعة عبدة أخرجها مسلم عن ابن نمير عن عبدة وأبي معاوية ; كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عنها ، وقد سلف الكلام على ذلك قريبا ، وقد نطق القرآن بإضافة النسيان إلى العبد أيضا في قوله تعالى : سنقرئك فلا تنسى وشهد ذلك بصدق حديث عائشة السالف أنه - عليه السلام - قال : "يرحمه الله كنت أنسيتها " إلى آخره ، فأضاف الإسقاط إلى نفسه ، والإسقاط هو النسيان بعينه ، وحديث عبد الله بخلاف هذا ، فاستحب - عليه السلام - أن يضيف النسيان إلى خالقه ، وقد جاء في القرآن عن فتى موسى - عليه السلام - أنه أضاف النسيان مرة إلى نفسه ، وأخرى إلى الشيطان كما سلف .

وفي الحديث "وإني لأنسى أو أنسى لأسن " يعني إني لأنسى أنا

[ ص: 146 ] أو ينسيني ربي ، فنسب النسيان مرة إلى نفسه ومرة إلى هذا على قول من لم يجعل قوله : "أو أنسى " شكا من المحدث في أي الكلمتين قال ، وهو قول عيسى بن دينار ، وليس في شيء من ذلك اختلاف ، وهذا تضاد في المعنى ; لأن لكل إضافة منها معنى صحيحا في كلام العرب . ومن أضاف النسيان إلى الله فلأنه خالقه وخالق الأفعال كلها ، ومن نسبه إلى نفسه فلأنه فعله ، كما سلف .

وإنما أراد -والله أعلم - بقوله - عليه السلام - : "ما لأحدهم . . " إلى آخره أن يجري ألسن العباد ، ونسبة الأفعال إلى بارئها وخالقها وهو الله تعالى ; ففي ذلك إقرار له بالعبودية ، واستسلام لقدرته تعالى ، وهو أولى من نسبته الأفعال إلى مكتسبها ، فذلك بالكتاب والسنة .

وفي "مسند أحمد " من حديث عبد الرحمن بن أبزى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في الفجر فترك آية ، فلما صلى قال : "أفي القوم أبي بن كعب ؟ " قال : بلى يا رسول الله نسخت آية كذا وكذا أو نسيتها ؟ قال : "نسيتها " .

[ ص: 147 ] قال ابن التين : وفيه أنه - عليه السلام - كان ينسى القرآن ثم يتذكره . قال الداودي : وفيه حجة لقول من يرى أن من قال لم يسلفني فلان أو لم يودعني . فقامت عليه بينة ، ثم قال : كنت نسيت وادعى ببينة تشهد بالقضاء أو الرد أو طلب يمين الطالب أن ذلك يكون له ، وهذا غير بين .

فصل :

قوله : ("كذا وكذا" ) يحتمل من إحدى وعشرين آية إلى ما بعدها على قول ابن عبد الحكم فيمن قال له : عندي كذا وكذا درهما ; أنه يقضي عليه بأحد وعشرين درهما ; لأن ذلك متيقن ; لأنه أقل ما في بابه ، وما زاد على ذلك فهو مشكوك فيه ، وكذلك إذا قال له : عندي كذا وكذا درهما ; يقضي عليه بأحد عشر درهما ، وإذا قال : كذا درهما ; يقضي عليه بعشرين .

وقال سحنون : تسأل العرب عن ذلك فإن كان الأمر على ما قالوه كان كذلك . وقال الداودي : يغرم إذا قال : كذا وكذا درهمين ; لأن هذا أقل ما يقع عليه من مقصد العامة . قال : وهذه مقالة الشافعي أنه يغرم في قوله : كذا وكذا درهما ، درهمين ، ولو رفع أو جر فدرهم ، وفي قوله : كذا درهما درهم واحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية