التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4757 5044 - حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جرير ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله : لا تحرك به لسانك لتعجل به [القيامة : 16 ] قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل جبريل بالوحي ، وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه ، فيشتد عليه ، وكان يعرف منه ، فأنزل الله الآية التي في : لا أقسم بيوم القيامة [القيامة : 1 ] لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه [القيامة : 16 - 18 ] : فإذا أنزلناه فاستمع ثم إن علينا بيانه قال : إن علينا أن نبينه بلسانك . قال : وكان إذا أتاه جبريل أطرق ، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله . [انظر : 5 - مسلم: 448 - فتح: 9 \ 88 ]


الشرح :

معنى الآية الأولى : بينه حرفا حرفا -كما قال ابن عباس - وعن مجاهد : يرتل ترتيلا .

[ ص: 151 ] حكاه أبو عبيد ، وعنه : بعضه في إثر بعض . أي : اقرأه على ترتيل وهو بمعناه .

وأثر ابن عباس أخرجه ابن المنذر عن علي بن المبارك ، ثنا زيد ، ثنا ابن ثور ، عن ابن جريج ، عنه .

والصحيح -كما قال ابن المنير - في معنى الآية : نزلناه نجوما جملة واحدة بخلاف الكتب المتقدمة ، يدل عليه قوله لتقرأه على الناس على مكث . وقال أبو حمزة : قلت لابن عباس إني سريع القراءة ، وإني أقرأ القرآن في ثلاث . فقال : لأن أقرأ البقرة في ليلة فأتدبرها وأرتلها خير من أن أقرأ كما تقول ، وقال مرة : خير من أن أجمع القرآن .

وأكثر العلماء يستحبون الترتيل في القراءة ليتدبره القارئ ، ويتفهم معانيه . روى علقمة عن ابن مسعود قال : لا تنثروه نثرا كالدقل ، ولا تهذوه هذ الشعر ، قفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة .

وذكر أبو عبيد أن رجلا سأل مجاهدا عن رجل قرأ البقرة وآل عمران ، ورجل قرأ البقرة ، قيامهما واحد ، وركوعهما واحد ، وسجودهما واحد ، أيما أفضل ؟ قال : الذي قرأ البقرة ، وقرأ وقرآنا فرقناه الآية [الإسراء : 106 ] .

[ ص: 152 ] وقال الشعبي : إذا قرأتم القرآن ، فاقرءوه قراءة تسمعه آذانكم وتفهمه قلوبكم ، فإن الأذنين عدل بين اللسان والقلب ، فإذا مررتم بذكر الله فاذكروا الله ، وإذا مررتم بذكر النار فاستعيذوا بالله منها ، وإذا مررتم بذكر الجنة فاسألوا الله .

وفيها قول آخر : روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك في الهذ في القراءة قال : من الناس من إذا هذ أخف عليه ، وإذا رتل أخطأ ، ومن الناس من لا يحسن يهذ ، والناس في هذا على قدر حالاتهم ، وما يخف عليهم وكل واسع .

وقد روي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يختمون القرآن في ركعة ، وهذا لا يتمكن إلا بالهذ .

والحجة لهذا القول حديث أبي هريرة رضي الله عنه السالف في مناقب الأنبياء : "خفف على داود القرآن فكان ، يأمر بدوابه فتسرج ، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه " . وهذا لا يتم له - عليه السلام - إلا بالهذ وسرعة القراءة . والمراد بالقرآن هنا الزبور ، وداود فيمن أنزل الله فيه : فبهداهم اقتده [الأنعام : 90 ] .

وإنما ذكر - عليه السلام - هذا الفعل من داود على وجه الفضيلة والإعجاب بفعله ، ولو ذكره على غير ذلك نسخه وأمر بمخالفته ، فدل على إباحته ، وسيأتي في باب : في كم يقرأ القرآن ، من كان يقرأ القرآن في ركعة قريبا .

[ ص: 153 ] فصل :

ساق البخاري في الباب حديث واصل ، عن أبي وائل ، عن عبد الله رضي الله عنه ، وقد سلف قريبا في باب : تأليف القرآن ، وفي الصلاة أيضا ، وقال هنا : ثمان عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم .

قال الداودي : وقول أبي وائل : (فغدونا على عبد الله ) إلى قوله : (من آل حم ) ما أراه إلا من كلام أبي وائل ; لأن المفصل عند ابن مسعود من الجاثية .

وقوله : (هذا كهذ الشعر ) يريد أنه أسرع ولم يرتل ، وواصل هذا هو مولى عيينة كما ذكره خلف في "أطرافه " ، وعند الإسماعيلي : واصل : الأحدب بن حبان .

وساق أيضا حديث سعيد بن جبير في قوله : لا تحرك به لسانك [القيامة : 16 ] وقد سلف في باب بدء الوحي .

التالي السابق


الخدمات العلمية