التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4767 5054 - حدثني إسحاق ، أخبرنا عبيد الله ، عن شيبان ، عن يحيى ، عن محمد بن عبد الرحمن -مولى بني زهرة - عن أبي سلمة -قال : وأحسبني قال : سمعت أنا من أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقرإ القرآن في شهر " . قلت : إني أجد قوة ، حتى قال : " فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك " . [انظر : 1131 - مسلم: 1159 - فتح: 9 \ 95 ] .


حدثنا علي ، ثنا سفيان قال : قال لي ابن شبرمة : نظرت كم يكفي الرجل من القرآن ، فلم أجد سورة أقل من ثلاث آيات ، فقلت : لا ينبغي لأحد أن يقرأ أقل من ثلاث آيات .

قال سفيان : ثنا منصور ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، أخبره علقمة ، عن أبي مسعود -هو الأنصاري عقبة بن عمر - : ولقيته وهو يطوف بالبيت ، فذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " . وقد سلف تأويله .

ثم ساق عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو قال : أنكحني أبي امرأة ذات حسب ، وكان يتعاهد كنته فيسألها عن بعلها ، فتقول : نعم الرجل من رجل ، لم يطأ لنا فراشا ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه . فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، فقال : "القني به " . فلقيته بعد ، فقال : "كيف تصوم ؟ " . قال : كل يوم . قال : "وكيف تختم ؟ " . قال : كل ليلة . قال : "صم في كل شهر ثلاثا ، واقرإ القرآن في كل شهر " . قال : قلت : أطيق أكثر من ذلك . قال : "صم ثلاثة أيام في الجمعة " . قلت : أطيق أكثر من ذلك . قال : "أفطر يومين وصم يوما " . قال :

[ ص: 164 ] قلت : أطيق أكثر من ذلك . قال : "صم أفضل الصوم صوم داود ، صيام يوم وإفطار يوم ، واقرأ في كل سبع ليال مرة " . فليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; وذاك أني كبرت وضعفت فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار والذي يعرضه يقرؤه من النهار ; ليكون أخف عليه بالليل ، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أياما وأحصى وصام مثلهن ; كراهية أن يترك شيئا فارق عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
. قال أبو عبد الله : وقال بعضهم : في ثلاث وفي خمس ، وأكثرهم على سبع .

ثم ساق عن سعد بن حفص ، ثنا شيبان ، عن يحيى ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : "في كم تقرأ القرآن ؟ " .

وحدثني إسحاق ، أنا عبد الله بن شيبان ، عن يحيى ، عن محمد بن عبد الرحمن -مولى بني زهرة - عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اقرأ القرآن في شهر " قلت : إنى أجد قوة . قال : "فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك " .

الشرح :

قول أبي شبرمة : (نظرت . . ) إلى آخره لعله يريد في قيام الليل أو في الصلاة . ونقل ابن بطال عن أهل التفسير أنهم ذكروا في تأويل هذه الآية ثلاث آيات فصاعدا ، ويقال : إنه أقصر سورة في القرآن كما قال ابن شبرمة ، وقد أسلفنا الخلاف في معنى : "كفتاه " .

ونقل ابن التين عن قول الجماعة أنه يريد فيما ندب من صلاة الليل . وقال ابن بطال : هو نص أن قارئ الآيتين داخل في : ما تيسر منه .

[ ص: 165 ] وأغرب الحسن ومحمد بن سيرين حيث قالا : صلاة الليل فرض على كل مسلم ، ولو قدر حلب شاة . يتأولان هذه الآية .

والكنة : -بفتح الكاف - امرأة الابن .

وقولها : (ولم يفتش لنا كنفا ) أي لم يكشف لنا سترا . عبرت بذلك عن امتناعه عن الجماع . وبخط الدمياطي : لم يدخل يده معها كما يدخل الرجل يده مع زوجته في دواخل أمورها . قال : وأكثر ما يروى بفتح الكاف والنون في الكنف ، وهو الجانب . يعني أنه لم يقربها .

وقوله - عليه السلام - : ("صم أفضل الصوم" ) فيه دلالة على أن هذا أفضل من صيام الدهر ، وإن أسقط منه ما لا يجوز صومه من الأيام .

وقوله : ("صم ثلاثة أيام " قلت : أطيق أكثر من ذلك ; قال : "أفطر يومين وصم يوما" ) . قال أبو عبد الملك والداودي : هذا وهم في الرواية . يريد أن ثلاثة أيام في الجمعة أكثر من صيام يوم بعد يومين . وهو إنما طلب من الشارع أن يزيده في العمل ، وهذا تدريج إلى النقص من العمل . قال الداودي : إلا أن يريد ثلاثة أيام من قوله : "أفطر يوما وصم يوما " وهذا خروج عن الظاهر . قال : واختلفت الرواية : كيف كان لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل : إنه - عليه السلام - أتاه ، وقيل : لقيه .

وقوله : (فلما طال عليه ، ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ) يحتمل أن يكون سكوته عن ذكر ذلك أول ما ذكرت له ذلك ; لأنه رآها راضية بذلك ، فلما كرر عليها السؤال تخوف أن تتعلق بولده ولها عليه حق فذكره .

وقول البخاري : (وقال بعضهم : في ثلاث ، وفي خمس ، وأكثرهم على سبع ) يشبه أن يكون أراد بالثلاث والسبع ما رواه الإسماعيلي عن البغوي ، ثنا جدي ، ثنا هشيم عن حصين ومغيرة ، عن مجاهد ، عن ابن

[ ص: 166 ] عمرو
والحسن ذكرها البزار . وفي "مسند أحمد " أنه - عليه السلام - نقله من أربعين ليلة إلى سبع زاد ابن داود ولم ينزل عن سبع . وعنده أيضا : "لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث " . وأمره - عليه السلام - أن يقرأه في سبع ليال ; أخذ به جماعة من السلف . روي ذلك عن عثمان بن عفان ، وابن مسعود وتميم الداري وعن إبراهيم النخعي مثله . وذكر أبو عبيد عن زيد بن ثابت أنه سئل عن قراءة القرآن في سبع ، فقال : حسن ، ولأن أقرأه في عشرين أو في النصف أحب إلي من أن أقرأه في سبع ، وسلني لم ذلك ؟ أردده وأقف عليه . وكان أبي بن كعب يختمه في ثمان ، وكان الأسود يختمه في ست ، وعلقمة في خمس .

وروى الطيب بن سلمان ، عن عمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يختم القرآن في أقل من ثلاث .

وعن قتادة ، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث " .

[ ص: 167 ] وروي عن معاذ بن جبل .

وكانت طائفة تقرأ القرآن كله في ليلة أو ركعة ، روي ذلك عن عثمان بن عفان وتميم الداري ، وعن علقمة وسعيد بن جبير أنهما قرءا القرآن في ليلة بمكة ، وكان ثابت البناني يختم القرآن كل يوم وليلة في شهر رمضان ، وكان سليم يختم القرآن في ليلة ثلاث مرات . ذكر ذلك أبو عبيد ، وقال : الذي أختار من ذلك ألا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث ; لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الكراهة لذلك .

قلت : وأكثر ما بلغنا قراءة ثمان ختمات في اليوم والليلة . قال السلمي : سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول : إن ابن المكاتب يختم بالنهار أربع ختمات ، وبالليل أربع ختمات .

فائدة :

سعد بن حفص شيخ البخاري هو أبو محمد الطلحي الكوفي ، يقال له : الضخم ، مولى آل طلحة ، مات سنة خمس عشرة ومائتين ، انفرد به عن الخمسة ، وليس في شيوخ الستة من اسمه سعد سواه .

وقوله : (وأحسبني سمعت أنا من أبي سلمة ) قائل ذلك هو يحيى بن أبي كثير .

التالي السابق


الخدمات العلمية