التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4790 5078 - حدثنا عبيد بن إسماعيل ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أريتك في المنام مرتين ، إذا رجل يحملك في سرقة حرير فيقول : هذه امرأتك ، فأكشفها فإذا هي أنت ، فأقول : إن يكن هذا من عند الله يمضه " . [انظر : 3895 - مسلم: 2438 - فتح: 9 \ 120 ] .


ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنها : قلت : يا رسول الله ، أرأيت لو نزلت واديا وفيه شجرة قد أكل منها ، ووجدت شجرة لم يؤكل منها ، في أيها كنت ترتع بعيرك ؟ قال : "في التي لم يرتع منها " . تعني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج بكرا غيرها .

وحديث عائشة أيضا قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أريتك في المنام مرتين ، إذا رجل يحملك في سرقة حرير فيقول : هذه امرأتك فأكشفها فإذا هي أنت ، فأقول : إن يكن هذا من عند الله يمضه " .

الشرح :

هذا أسنده البخاري -أعني قول ابن أبي مليكة - في تفسيره في سورة النور عن محمد بن المثنى ، ثنا يحيى ، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين ،

[ ص: 208 ] عنه ، فذكره مطولا .

وفي الحديث الثاني ضرب الأمثال وتشبيه الإنسان بالشجر . والحديث الثالث يأتي في التعبير في باب كشف المرأة في المنام ، وقد سلف في باب تزويجها قبل الهجرة ، وأخرجه مسلم أيضا .

وفي رواية : "جاء بك الملك " . وفي "طبقات ابن سعد " عنها : لما جاء جبريل بصورتي من السماء في حريرة فقال : تزوجها فإنها امرأتك . ولابن حبان في "صحيحه " : جاء بي جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خرقة حرير فقال : هذه زوجتك في الدنيا والآخرة .

وفي لفظ : قلت : يا رسول الله من أزواجك في الجنة ؟ قال : "أما إنك منهن " قالت : فخيل إلي أن ذاك أنه لم يتزوج بكرا غيري .

فصل :

والسرقة بفتح السين واحدة السرق وهي شقق الحرير البيض . وقيل : الجيد من الحرير .

قال أبو عبيدة : وأحسبها فارسية ، وأصلها سرة وهو الجيد . وادعى المهلب أنها كالكلة والبرقع ، وهو غريب .

[ ص: 209 ] فصل :

قوله : ("فأكشفها" ) يحتمل -كما قال ابن المنير - أن يكون إنما رأى منها ما يجوز للخاطب أن يراه ، ويكون الضمير في "فأكشفها " للسرقة .

فصل :

لم يشك - عليه السلام - فيما رأى ، فإن رؤيا الأنبياء وحي ، إنما احتمل عنده أن تكون الرؤيا اسما ، واحتمل أن تكون كنية ، فإن للرؤيا أسماء وكنى ، فسموها بأسمائها وكنوها بكناها ، واسمها أن تخرج بعينها ، وكنيتها أن تخرج على مثالها وهي أختها أو قرينتها أو جارتها أو سميتها . نبه عليه ابن العربي في "سراجه " وذكر القاضي عياض أن هذه الرؤيا يحتمل أن تكون قبل النبوة ، وإن كانت بعدها فله ثلاثة معان :

أولها : أن تكون الرؤيا على وجهها ، فظاهره لا يحتاج إلى تعبير وتفسير فسيمضيه الله وينجزه ، فالشك عائد على أنها رؤيا على ظاهرها ، أو تحتاج إلى تعبير وصرف عن ظاهرها .

ثانيها : المراد إن كانت هذه الزوجية في الدنيا يمضه الله ، فالشك أنها هل هي زوجته في الدنيا أم في الآخرة ، ويرده رواية ابن حبان السالفة .

ثالثها : أنه لم يشك ، أخبر على التحقيق وأتى بصورة الشك ، وهذا نوع من أنواع البلاغة يسمى مزج الشك باليقين .

[ ص: 210 ] فصل :

فيه : فضل الأبكار على غيرهن ، وقد حض الشارع على نكاحهن في حديث جابر الآتي : "هلا جارية تلاعبها وتلاعبك " وفي حديث كعب بن عجرة أنه - عليه السلام - قال لرجل : "هلا بكرا تعضها وتعضك " أخرجه ابن أبي خيثمة في الأول من "فوائده " .

وفي رواية لمسلم : "فهلا بكرا تلاعبها " .

وفي ابن ماجه من حديث عتبة بن عويم بن ساعدة ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا : "عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير " .

ومن حديث زر ، عن عبد الله مرفوعا مثله ، وقال بعد : "باليسير " يعني : من العمل .

وأخرجه أبو نعيم في "الطب النبوي " من حديث ابن عمر مرفوعا ، زاد بعد : "أرحاما " : "وأسخن إقبالا ، وأرضى باليسير من العمل " .

[ ص: 211 ] وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وهو ضعيف . وقيل في تفسير "أنتق أرحاما " : أقبل للولد . وفي رواية : "وأطيب أخلاقا " .

وفي البكر معان أخر : حداثة السن ، وللنفس في ذلك من الحظ ما هو معلوم ، وفرة الحرارة المحركة للباءة ، وعدم تعلقها بغير زوجها ، إذ المرأة يتعلق قلبها بآتي عذرتها ، وأن الطباع تنبو عمن كان لها زوج قديما ، والتهيؤ للولد ، وأن المداعبة تليق بهن دون غيرهن من الكبار ، وفي المداعبة انبعاث على اجتماع الماء وكثرته .

التالي السابق


الخدمات العلمية