التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
4797 5085 - حدثنا قتيبة ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بين خيبر والمدينة ثلاثا يبنى عليه بصفية بنت حيي ، فدعوت المسلمين إلى وليمته فما كان فيها من خبز ولا لحم ، أمر بالأنطاع فألقى فيها من التمر والأقط والسمن فكانت وليمته ، فقال المسلمون : إحدى أمهات المؤمنين ، أو مما ملكت يمينه ؟ فقالوا : إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين ، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه . فلما ارتحل وطى لها خلفه ومد الحجاب بينها وبين الناس . [انظر : 371 - مسلم: 1365 - فتح: 9 \ 126 ] .


[ ص: 223 ] ذكر فيه أحاديث :

أحدها :

حديث الشعبي عن أبي بردة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها إلى أن قال "ثم أعتقها وتزوجها فله أجران . . " الحديث -وسلف في العتق وغيره - قال الشعبي خذها بغير شيء ، قد كان الرجل يركب فيما دونه إلى المدينة وقال أبو بكر عن أبي حصين ، عن أبي بردة ، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أعتقها ثم أصدقها " .

وهذا أسنده الإسماعيلي عن الحسن ، ثنا مسلم بن سلام ، ثنا أبو بكر -يعني : ابن عياش - عن أبي حصين بلفظ : "ثم تزوجها بمهر جديد كان له أجران " .

ورواه ابن حزم من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن أبي بكر .

قال ابن حزم : تفرد به يحيى ، وهو ضعيف جدا ، والخبر مشهور من رواية الثقات ليس فيه : "بمهر جديد " .

وأبو بكر هذا اسمه كنيته على الصحيح . وقيل : اسمه شعبة . وأبو حصين بفتح الحاء اسمه عثمان بن عاصم أسدي كاهلي ، كوفي ، مات سنة ثمان وعشرين ومائة ، ومات قبله أبو بكر بن عياش سنة اثنتين . وقيل : ثلاث ، وقيل : أربع وتسعين ومائة ، وذكر أنه أكبر من الثوري بسنة ، وهو مولى واصل الأسدي .

[ ص: 224 ] واسم أبي بردة عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار الأشعري قاضي الكوفي ، مات سنة أربع ، وقيل : سنة ثلاث ومائة ، وقيل : قبل موسى بن طلحة بأيام ، ومات موسى سنة ست ومائة . ومات عامر بن شراحيل الشعبي على قول . ورواية الشعبي عن أبي بردة في الأولى تدخل في المدبج . ومات أبو موسى سنة أربع أو اثنتين وأربعين عن ثلاث وستين . وقيل : سنة خمس أو إحدى أو اثنتين وخمسين .

فصل :

قوله : ("ثم أصدقها هو" ) بيان لقوله قبله : "وتزوجها فله أجران " وظاهره توقف حصولهما عليه .

وفيه : دلالة للشافعي ومالك أن عتقها لا يكون صداقا ، وأن فعله في صفية خاص به ، وأخذ بظاهر حديث صفية أحمد وإسحاق وجعله عوضا من بضعها .

فصل :

قوله : ("وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران" ) .

قال الداودي : قوله : "من أهل الكتاب " يعني : كان على دين عيسى . قال : وأما اليهود ومن كفر من النصارى فليسوا من ذلك ; لأنه لا يجازى على الكفر بالخير .

واستدل بقوله تعالى : إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون [القصص : 53 ، 54 ] الآية .

[ ص: 225 ] الحديث الثاني :

حديث محمد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وعنه عن أبي هريرة قال "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات بينما : إبراهيم مر بجبار ومعه سارة -فذكر الحديث - فأعطاها هاجر ، قالت : كف الله يد الكافر وأخدمني هاجر " . قال أبو هريرة : فتلك أمكم يا بني ماء السماء . كذا هو في الأصول الأول مرفوعا ، والثاني وقفه على أبي هريرة . وفي بعضها رفعه .

وذكر أبو مسعود وخلف : أنه موقوف ، وأبى ذلك الطرقي وغيره . وهذا الحديث سلف في البيع وأحاديث الأنبياء . ووجه دخوله هنا أن هاجر كانت أمة مملوكة وهبها الكافر ، وقبول إبراهيم لها ، وأولدها بعد أن ملكها فهي سرية .

فصل :

واتخاذ السراري مباح ; لقوله تعالى : وما ملكت أيمانكم [النساء : 36 ] فأباح الله تعالى ملك اليمين كما أباح النكاح ، ورغب - عليه السلام - في عتق الإماء وتزويجهن بقوله : إن فاعل ذلك له أجران .

وفي "مسند أحمد " بإسناد فيه ضعف من حديث ابن (عمرو ) رضي الله عنهما مرفوعا : "انكحوا أمهات الأولاد ، فإني أباهي بكم يوم القيامة " .

[ ص: 226 ] فصل :

هذه الثلاث في الظاهر لا في الباطن (لأن ) معنى أختي : في الإسلام ، وسقيم سأسقم ; كقوله : إنك ميت وإنهم ميتون [الزمر : 30 ] و بل فعله كبيرهم [الأنبياء : 63 ] أي : إن نطقوا فهو الفاعل .

وقول أبي هريرة رضي الله عنه : (يا بني ماء السماء ) يريد أنهم يتبعون مواضع القطر ليس لهم موطن .

الحديث الثالث :

حديث أنس في قصة صفية سلف في المغازي في غزوة خيبر ، وذكر خلف : أنه رواه أيضا في الأطعمة . ويحتاج إلى تأويل قوله : فقال المسلمون : إحدى أمهات المؤمنين . . إلى آخره مع الحديث الذي بعده : (أعتقها وجعل عتقها صداقها ) وراويهما أنس فإنه إذا جعل عتقها صداقها كيف يشكون ويقولون : إن نكحها فهي من أمهات المؤمنين ، ويحتمل أن يكون قائل ذلك من لم يعلم عتقه - عليه السلام - لها .

فصل :

واحتج به من أوجب الوليمة ، وهو أحد قولي الشافعي وداود .

فصل :

ذكر ابن المرابط في قول أنس السالف في غزوة خيبر أصدقها نفسها . أنه من روايته وظنه ، وإنما قال ذلك ; مدافعة للسائل ، ألا ترى أنه قال :

[ ص: 227 ] (فقال المسلمون : إحدى أمهات المؤمنين ) ، فكيف علم أنس أنه أصدقها نفسها قبل ذلك ، وقد صح أنه لم يعلم أنها زوجة إلا بالحجاب . فدل على أن قوله هذا لم يشهده عليه نبينا عليه الصلاة والسلام ولا غيره ، وإنما ظنه أنس والناس معه ظنا مع أن كتاب الله أحق أن يتبع ، قال تعالى : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها الآية [الأحزاب :50 ] . وهو دال على أنه عتقها وخيرها في نفسها فاختارته فنكحها بما خصه الله تعالى بغير صداق .

قلت : روى أبو الشيخ ابن حيان من حديث شاذ بن فياض ، ثنا هاشم بن سعيد ، ثنا كنانة ، عن صفية قالت : أعتقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعل عتقي صداقي .

وذكر رزين وابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر وغيرهم أنه - عليه السلام - أصدق صفية جارية تدعى رزينة .

فصل :

روى أنس رضي الله عنه أنه - عليه السلام - استبرأ صفية بحيضة . ذكره الحارث بن أبي أسامة في "مسنده " وأنكره ابن المديني .

[ ص: 228 ] وروي أيضا من حديث إسماعيل بن عياش ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن الزهري ، عن أنس ، وهو ضعيف .

فصل :

قد أسلفت الخلاف في عتق الأمة على أن يكون صداقها ، وهو ممتنع عند أكثر العلماء أنه إنما يكون صداقا إذا قارن العقد أو صادف عقدا ، فأما إن تقدم عليه فلا يصح ، والعتق هنا مقدم على العقد ، فلم يكن صداقا ، فمن أعتقها على أن تزوجه من نفسها فأبت فلا لزوم عليها ; لأن الإجبار ساقط عنها بزوال الرق ، فكان لها الخيار .

وقال ابن بطال : اختلف العلماء فيمن أعتق جارية وتزوجها ، فذهب قوم إلى أنه إن أعتقها وجعل عتقها صداقها فهو جائز ، فإن تزوجته فلا مهر لها غير العتاق على حديث صفية . روي هذا عن أنس أنه فعله ، وهو راوي حديث صفية ، وهو قول سعيد بن المسيب والنخعي وطاوس والحسن وابن شهاب ، وإليه ذهب الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق .

وقال آخرون : ليس لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل هذا ، وإنما كان ذلك خاصا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; لأن الله تعالى أباح له أن يتزوج بغير صداق ، ولم يجعل ذلك لأحد من المؤمنين غيره . هذا قول مالك وأبي حنيفة وزفر ومحمد والشافعي .

[ ص: 229 ] وقد روى حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه - عليه السلام - فعل في جويرية بنت الحارث مثل ما فعله في صفية ، أنه أعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها ، لكن قال ابن عمر : أنه خاص به .

قال (الطبري ) : ونظرنا في عتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جويرية كيف كان ، فروى ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها : أنه لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس ، فكاتبت نفسها وجاءت تستعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابتها ، فقال لها : "هل لك في خير من ذلك ، أقضي عنك كتابتك وأتزوجك ؟ " قالت : نعم ، فتزوجها . فبينت عائشة العتاق الذي ذكره ابن عمر الذي جعله مهرها ، أنه أداؤه عنها ، كاتبها لتعتق بذلك الأداء ويكون مهرها لها .

فلما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل ذلك مهرا لها ، كان ذلك له خاصا دون أمته ، كما كان خاصا أن يجعل العتاق الذي تولاه هو مهرا .

فإن قلت : لم جعل العتق كالمال ؟ قيل : لأنها ملكية بعض ما كان له ; فلذلك لم يجب عليها بذلك العتاق .

فصل :

قد أسلفنا الكلام على رواية : "ثم أصدقها " .

قال ابن حزم : ولو صحت لم يكن فيه حجة ; لأنه ليس فيه أنه يجوز له نكاحها إلا بمهر جديد ، ونحن لا نمنع من أن يجعل لها مهرا آخر ،

[ ص: 230 ] وقد سلف عنه أنه تفرد به يحيى ، وأنه ضعيف جدا . وليس كما ذكر ، فقد قال فيه ابن نمير : كان ثقة ، وهو أكبر من هؤلاء كلهم . ورضيه يحيى بن معين ، وخرج له الشيخان ، وهو حافظ ، صاحب حديث ، صدوق .

قال الحاكم : وسئل عنه أبو بكر الأعين ، فقال : ثقة ، وقد ظلم .

وزعم الواقدي أنه - عليه السلام - جعل صداق جويرية عتق كل أسير من بني المصطلق -قاله الشعبي - وقيل : أربعين أسيرا - قاله مجاهد .

وعند الطبراني : أن أباها لما أسلم زوجها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال ابن المنذر : قضى كتابتها وتزوجها كما فعل في حديث صفية سواء .

ولما ذكر ابن حزم ما ذكره الطحاوي عن أحمد بن داود ، ثنا يعقوب بن حميد ، ثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد ، عن ابن عون قال : كتب إلي نافع : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ جويرية في غزوة بني المصطلق فأعتقها وتزوجها ، وجعل عتقها صداقها . أخبرني بذلك ابن عمر وذلك في ذلك الجيش .

قال الطحاوي : كذا روى هذا ابن عمر ، ثم قال : هو من بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا أنه يجدد لها صداقا .

[ ص: 231 ] ثم ساقه عن سليمان بن شعيب ، ثنا الخصيب ، ثنا حماد بن سلمة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما مثل ذلك ، قال : فهذا ابن عمر قد ذهب إلى أن الحكم في ذلك بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيحتمل أن يكون ذلك شيئا سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويحتمل أن يكون على ذلك المعنى الذي استدللنا به على خصوصيته - عليه السلام - بذلك دون الناس ، ثم نظرنا فوجدنا عائشة رضي الله عنها قد روت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لما جاءته جويرية تستعينه في كتابتها قال لها : "هل لك في خير من ذلك ، أقضي عنك كتابتك وأتزوجك ؟ " قالت : نعم ، فتزوجها ، فبينت عائشة العتاق الذي ذكر ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وجعل مهرها كيف هو ، فهو أداؤه عنها كتابتها لتعتق بذلك الأداء ، ثم كان بذلك الإعتاق الذي وجب بأداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الذي كاتبها مهرا لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا ، وليس لأحد أن يفعله ; لأنه خاص به دون الأمة .

قال : الذي نعرفه عن ابن عمر هو ما رويناه عن سعيد بن منصور ، ثنا هشيم وجرير كلاهما ، عن المغيرة بن مقسم ، عن إبراهيم النخعي قال : كان ابن عمر يقول في الرجل يعتق الجارية ثم يتزوجها كالراكب بدنته ، قال : فإنما كره ابن عمر زواج المرء من أعتقها لله فقط ، فبطل كيدهم الضعيف في هذه المسألة .

قلت : النخعي لم يسمع من ابن عمر البتة -كما صرح به هو وغيره - قال : وقوله : هو من بعده في مثل هذا أنه يحدد لها صداقا .

[ ص: 232 ] قال : ولم يذكر كلام ابن عمر كيف كان ، ولعله لو أورده لكان خلافا لظن الطحاوي ، وهذا الحديث ليس مما رواه أصحاب حماد بن سلمة ، فهو أمر ضعيف من كل جهة ، والخبر الأول من رواية يعقوب بن حميد وهو ضعيف .

قلت : والخصيب السالف ثقة ، وممن ذكره فيهم ابن حبان وقال : ربما أخطأ . وصححه الحاكم من طريقه ، وقال : لم يتكلم فيه أحد بحجة ، وخرج له البخاري ، وقال : ابن عدي لا بأس به وبروايته .

ثم قال ابن حزم : وذكروا الخبر الذي رويناه من طريق محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر ، عن عروة ، عن عائشة : أن جويرية قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث المذكور أولا .

قال : يقال قبل كل شيء : هذا خبر لا تقوم به حجة ; إنما رويناه عن ابن إسحاق من طريقين ضعيفين : أحدهما : من طريق زياد البكائي ، والآخر : من حديث أسد بن موسى وكلاهما ضعيف .

قلت : أسد ثقة -كما صرح به غير واحد ، وقد رواه عن ابن إسحاق أيضا ، عن يونس بن بكير - كما أفاده البيهقي في "دلائله " .

[ ص: 233 ] فرع :

نقل ابن أبي شيبة عن عطاء : أنها لو قالت لعبدها : أعتقتك على أن تتزوجني فكأنها بدأت بعتقه ، وكذا قاله أبو عبيد بن عمير ، ولما سئل مجاهد عن هذا غضب وقال : في هذا عقوبة من الله ومن السلطان . وفي رواية عن عطاء وعبيد : تعتقه ولا تشارطه .

فصل :

فيه من الفقه أنه يجوز للسيد إذا أعتق أمته أن يزوجها من نفسه دون السلطان ، وكذلك الولي في وليته ، وفيه اختلاف للعلماء يأتي في باب : إذا كان الولي هو الخاطب .

فصل :

قال ابن المنذر : وفي تزويجه - عليه السلام - صفية من نفسه إجازة النكاح بغير شهود إذا أعلن . وهو قول الزهري ، وأهل المدينة ومالك وعبيد الله بن الحسن وأبي ثور ، وروي عن ابن عمر أنه تزوج ولم يحضر شاهدين ، وأن الحسن بن علي زوج عبد الله بن الزبير وما معهما أحد من الناس ، ثم أعلنوه بعد ذلك . وقالت طائفة : لا يجوز النكاح إلا بشاهدي عدل .

روي ذلك عن ابن عباس وعطاء والنخعي وسعيد بن المسيب والحسن . وبه قال الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز إلا بشاهدين ، ويجوز أن يكونا محدودين في قذف أو فاسقين أو أعميين .

وقام الإجماع على رد شهادة الفاسق . وكان يزيد بن هارون من أصحاب الرأي ويقول : أمرنا الله بالإشهاد عند التبايع ، فقال : وأشهدوا

[ ص: 234 ] إذا تبايعتم
[البقرة : 282 ] وأمر بالنكاح ولم يأمر بالإشهاد عليه ، وعن أصحاب الرأي : إن البيع الذي أمر الله بالإشهاد عليه جائز من غير شهود ، وإن النكاح الذي لم يأمر فيه بالإشهاد عنده لا يجوز إلا بشهود .

قال ابن المنذر : وقد اختلف في ذلك أصحاب الرسول ، وجاء الحديث الثابت الدال على إجازة النكاح بغير شهود ، وهو حديث تزويجه - عليه السلام - صفية ، ألا ترى أن أصحابه اختلفوا ، فلم يعرفوا أكانت زوجة أو ملك يمين ، واستدلوا على أنه تزوجها بالحجاب ، فدل ذلك على أنه - عليه السلام - لم يشهدهم على إنكاحها واجتزأ فيه بالإعلام ، ولو كان هناك شهود ما خفي ذلك عليهم .

قلت : نكاحه عليه أفضل الصلاة والسلام لا يحتاج إلى شهود ; لأنه مأمون لا يقع منه جحد أصلا بخلافنا ، وفيه الحكم بالدليل .

فصل :

قوله : (لما ارتحل وطى لها خلفه ) . فهو معنى قوله في غزوة خيبر : يحوي لها وراءه بعباءة ، أي : يدير كساء حول سنام البعير لتركب عليه ، وهو الحوية قال الأصمعي : والحوية : كساء محشو بثمام أو ليف يجعل على ظهر البعير ، وفي قصة بدر أن أبا جهل -لعنه الله - بعث عمير بن وهب ليحزر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فطاف عمير برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما رجع قال : رأيت الحوايا عليها المنايا ، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع .

التالي السابق


الخدمات العلمية